الصفحات

19 ديسمبر 2011

السعودية: نظام يحكم بفكر المؤامرة د. مضاوي الرشيد


في السعودية من الصعب اليوم ان تطالب بحقوق سياسية ومدنية او تتحدث عن قضية معتقلين سياسيين او تحلم باصلاح سياسي ومشاركة شعبية دون ان يمطرك النظام بسلسلة من الاتهامات اولها التآمر على الامن والامان وتقويض منجزات التنمية والطعن في ثوابت الاسلام وانتقاص هيبة ولاة الامر وفضح المستور واثارة البلبلة والفوضى فبيانات الاصلاح وثائق فضائحية وليست اصلاحية والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين السياسيين تهديد للامن وعودة للارهاب.
يعتمد النظام على فكر المؤامرة للتملص من استحقاقات سرعت وتيرتها ما شهدته المنطقة العربية خلال الاشهر الماضية من حراك لم تشهده المنطقة منذ اكثر من نصف قرن وتجاوب معه طيف كبير من الناشطين والحقوقيين السعوديين الذين وجدوا فيه حافزا للمطالبة بحقوق تعتبر بسيطة اذا ما قارناها بالتحولات التاريخية العربية المجاورة. ورغم ان الحراك السعودي جاء على استحياء ولم يتطور بعد الى مرحلة اسقاط النظام او التلميح له الا انه رغم محدوديته جعل القيادة السعودية تعيش حالة تشنج واضحة فقواته الامنية تبقى مشدودة وفي حالة تأهب خاصة في البؤر الملتهبة خاصة في المنطقة الشرقية حيث بدأت الاعتصامات في شهر آذار/مارس الماضي وفي المناطق الاخرى تظل الآلة الاستخباراتية والامنية ترصد اي حراك يصنف وكأنه خطر على امن النظام. ويحشد النظام الخطاب الاعلامي ضد اي بيان اصلاحي يصدر من جهات مختلفة ويجتمع عليه وعلى توقيعه طيف متنوع فكريا وسياسيا وينزع عنه الوطنية ويتهمه بأبشع التهم السابقة الذكر.
ويجند النظام لمثل هذا الاتهام الاقلام المعروفة والآراء المنبثقة من المؤسسة الدينية وعلى رأسها المفتي وطاقم هيئة كبار العلماء الذين ما زالوا يرفضون اي نوع من البيانات الاصلاحية ويصنفونها من باب المؤامرة والفضيحة التي لا تصلح ولا تنسجم مع طبيعة الحكم الاسلامي السلفي المزعوم ناهيك عن رفضهم القاطع لفكرة الاعتصامات او المظاهرات من باب كونها عبثا في امن المجتمع والنظام ومن باب الحفاظ على النمو والرخاء. وليس فقهاء السلطة وحدهم من يدين ويشجب المطالب الاصلاحية اذ ان هناك اقلاما اخرى لا ترتبط بالمؤسسة الدينية لكنها تلعب دورها في الدفاع عن النظام تحت سلطة رؤساء تحرير الصحافة السعودية المحلية مهمتها تمييع المطالب الحقوقية ونشر المنظومة الرسمية التي لا تعترف بأي انتهاك لحقوق الانسان او اي فشل سياسي واقتصادي وينشط هؤلاء في استبعاد تداعيات الربيع العربي على السعودية مصورين المجتمع وخاصة شبابه بأنهم ابعد ما يكونون عن كائنات سياسية تطالب باصلاح شامل ويكرسون صورة المجتمع كمجتمع محافظ قبلي يرتبط بقيادته عن طريق بيعة مزعومة ولحمة قديمة واجماع عام ويزعم البعض ان حراك هؤلاء الشباب خاصة في العوالم الافتراضية ما هو الا فضفضة مدعومة خارجيا من دول عدوة تتربص بأمن السعودية او معارضين منفيين خارج الحدود. ويفوت هؤلاء ان معظم البيانات الاصلاحية ودعوات الاعتصام للافراج عن المساجين السياسيين جاءت من الداخل ولم يوقع عليها اي شخصية معارضة معروفة بالخارج.
ومؤخرا وقعت اكثر من مئة امرأة على بيان يطالب بالافراج عن المساجين السياسيين وتعويضهم عن فترة اعتقالهم الطويلة وكلهم نساء من الداخل السعودي لا تزال قضايا ازواجهن وابنائهن عالقة في السجون السعودية ورغم ذلك تظل تهمة الارتباط بالخارج لتمرير مشروع الفتن في الداخل السعودي تلوكها السنة الصحافة السعودية بناء على توجيهات رسمية هدفها تكريس فكر المؤامرة واستهداف السعودية في محاولة بائسة لنزع شرعية المطالب الحقوقية والسياسية. وبدلا من ان يتعاطى النظام مع هذه المطالب بجدية ويرسم خطة مستقبلية لاصلاح سياسي شامل نجده يزج بها في خانة المؤامرة مرة تلو الاخرى دون ان يجد حلا لمعضلة لا يمكن ان تتلاشى في ظل ارتفاع سقف المطالب وتبلور خطاب حقوقي جديد لم يعهد النظام التعامل معه سابقا خاصة وان اساليبه المتبعة والمعهودة قد فشلت في ايجاد حلول جذرية لمعضلة الحكم والذي يبقى تسلطيا محتكرا ولا يقبل اي نوع من الانفتاح على المجتمع او التنازل عن بعض السلطة لصالح المجتمع وتشنج النظام في تعاطيه مع المطالب الاصلاحية خاصة بعد تحييد الملك واسطورة اصلاحه المزعوم وتبلور الدولة البوليسية صاحبة الحلول الامنية. وان كانت السعودية لم تشهد حتى هذه اللحظة ثورة شعبية عارمة على الطريقة المصرية او التونسية الا انها تشهد نقلة شرسة باتجاه المزيد من القمع تحت مظلة خطاب المؤامرة والذي يعتبر وزير الداخلية وولي العهد نايف بن عبد العزيز من اهم اعمدته. وان كان اسلوب القمع المبرمج قد نجح في التخفي خلف شعارات اصلاحات الملك المزعومة منذ عام 2005 الا انه اليوم بات مفضوحا غير قابل للمواربة او التخفي.
فسياسة المملكة الداخلية والخارجية لا تدار الا من خلال اجهزة المخابرات والامن حتى ان تعيين الوزراء الجدد في وزارات غير سيادية لا يعلن عنه الا من قبل المسؤول في الاستخبارات تحت مظلة ولي العهد الجديد وفي ظل هذا التطور الطبيعي نجد ان دور الملك يتقلص بسبب العمر والاختفاء عن الساحة السياسية ويندثر معه شعار الاصلاح الوهمي والذي حتى هذه اللحظة لم يتعاط مع معضلة الحكم الرئيسية وابرز ملامحها كغياب مجلس او برلمان منتخب يمثل المجتمع ناهيك عن حكومة منبثقة من هذا المجلس. ومن هنا تكمن معضلة بعض التيارات السياسية في الداخل السعودي والتي كانت تطمح بملكية دستورية يعلن عنها الملك خلال الاعوام القليلة السابقة الا ان هذا الحلم الذي يراود البعض اصبح ربما ابعد من ان يتحقق في ظل ولاية العهد الجديدة حيث نعتقد ان نايف بن عبدالعزيز آخر من سيقبل بمثل هذا الاصلاح حيث ان الرجل لم يعرف عنه اي تجاوب مع مطالب مثل تلك والتي عبرت عنها في بيانات اصلاحية سابقة شرائح اجتماعية وفكرية متنوعة. وان كان الملك عبدالله قد جعل هذه الشرائح تعيش حالة الترقب والتمني الا ان العهد الحالي قد قضى على مثل هذه الطموحات الى اجل غير مسمى. وربما من المستحيل ان يتجاوب ولي العهد مع مثل هذه الامنيات حيث يفضل ترويج خطاب المؤامرة بدل الاصلاح للنيل من اي مشروع وطني ينبثق من المجتمع وفعالياته وطالما ان الحل الامني يضمن تغييب اي اصلاحي او ناقد للنظام فانه سيلجأ اليه مرارا وتكرارا حتى يستنزف المشاريع الاصلاحية والبيانات خاصة وان مثل هذه المبادرات لم تستطع حتى هذه اللحظة ان تحشد مناصرين يكثفون وجودهم وضغطهم على السلطة. 
في ظل خطاب المؤامرة المبتذل، ومن منظور الحل الامني الذي يطبق بحذافيره لا يتردد النظام السعودي الحالي بتفعيل الاعتقالات وحتى اطلاق الرصاص على المتظاهرين تماما كما فعل مؤخرا في القطيف ويخطئ من يظن ان الشيعة هم وحدهم من يسقطون في التظاهرات اذ ان النظام وامنه لا يفرقان بين شيعي وسني وان لم يسقط السنة قتلى حتى هذه اللحظة فهذا لانهم لم يخرجوا للتظاهر ولم يحتشدوا امام مؤسسات الدولة ومساجدها بذلك الزخم الذي شهدته المنطقة الشرقية واكتفى النظام باعتقال الاشخاص والزج بهم في السجون فغيبهم عن الساحة كحالات فردية معزولة عن تيارات سياسية وان قدر للاكثرية في السعودية ان تجتمع على سلسلة مطالب اصلاحية يعتبرها النظام تشكل خطرا عليه فلن يتردد في تطبيق نفس الاساليب المتبعة مع الاقلية الشيعية ولن يردعه سوى المزيد من الاعتصامات والحشود التي تحرجه امام الرأي العالمي وتفند مزاعمه بان المطالب الاصلاحية مقتصرة على اقلية شيعية متهمة بولائها للخارج. ولكن حتى هذه اللحظة تبقى الاكثرية السنية مترددة في مطالبها ومشتتة في حراكها وكأن بعض اطيافها قد قرر تأجيل المواجهة مع النظام خوفا من اتهامها بالمؤامرة والعمالة هي ايضا وفضلت ان تتجه الى المطالب الحقوقية بدلا من المطالب السياسية العريضة عل ذلك يحدث ثغرة في جدار الصمت الذي يفرضه النظام والقبضة الحديدية التي يمارسها على ارض الواقع. ولا بأس ان تظل قضايا المعتقلين السياسيين قضية حية تقلق النظام وتفضح ممارساته فهي قضية انسانية بالدرجة الاولى تطال تبعياتها ليس فقط المساجين بل اسرهم والمجتمع بكافة اطيافه رغم اننا لا نرى حلا نهائيا للاعتقال التعسفي في ظل النظام السعودي الحالي وان وجد حل لمثل هذه القضية فهو يكمن في مسألة مهمة الا وهي سيادة القانون وفصل السلطات حيث تتطور المؤسسة القضائية الى سلطة مستقلة لا تخضع لاهواء الامراء وما يملونه على قضاتها من احكام جائرة. وطالما ظلت السعودية ترزخ تحت حكم لا يخضع للمحاسبة القانونية سيكون من السهل الزج بأي شخص في السجن لفترة طويلة دون محاكمة عادلة او اخراج آخر من الزنزانة بمرسوم ملكي او مكرمة.
ولا يمكن للمطالب الحقوقية ان تصبح حقيقة على الارض الا اذا ارتبطت بمؤسسات تحاسب باستقلالية وليست خاضعة للاهداء والمكاسب السياسية. وان كانت الاكثرية السنية تنتظر المكرمات الملكية الاصلاحية فهي وهم كبير حيث اثبتت الاشهر السابقة القليلة ان النظام بتركيبته الحالية غير مؤهل لتقديم اجندة اصلاحية سياسية ويفضل تجاهل الموضوع في ظل تعميم خطاب المؤامرة والفتنة والفوضى مستعينا بأبواق قديمة متجددة تستحضر عند كل بادرة شعبية ناهيك عن تحويل البلاد الى ثكنة عسكرية تجول فيها وتصول سيارات الامن ورجال الاستخبارات في حالة تأهب لم تشهدها السعودية الا في فترة التفجيرات بين عام 2003 ـ 2007. ورغم ان المدن السعودية لم تشهد مظاهرات حاشدة ما عدا المنطقة الشرقية الا ان النظام يعيش حالة استنزاف بطيئة ترهقه وتجعله يعيش مرحلة تأهب بانتظار المجهول. ومن هنا تكمن اهمية الحراك ودعوات الاعتصام السلمي والتي تختلف بطبيعتها عن عمليات التفجير والعنف وان كان النظام قد نجح في استيعابها في السابق الا ان المتظاهر السلمي يفضح النظام ويقزمه امام شخص لا يحمل السلاح بل يحمل قضية وهما وطنيا لا يموت تحت زخ الرصاص وان علمنا الربيع العربي درسا فهو الآتي: اثبت الحراك السلمي تفوقه على العنف وان كان العنف قد انفجر في بعض مناطق الا ان البادئ كان دوما النظام القمعي والدولة البوليسية. ولن يستطيع النظام السعودي ان يخرج من مأزقه بترديد فكر المؤامرة ان احتشد السعوديون مطالبين بحقوقهم بطرق سلمية حضارية.

' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق