الصفحات

25 يونيو 2012

السعودية: التحصين من مخاطر التقسيم د. مضاوي الرشيد


كغيرها من دول المنطقة العربية انبثقت السعودية بحدودها الحالية بعد الحرب العالمية الاولى وعلى انقاض انهيار الدولة العثمانية وكان لرؤية بريطانيا حينها الحصن الاوفر في تصور كيان امتدت حدوده على رقعة واسعة حيث كان هدفها توسيع مساحة هيمنتها على اكبر قدر من الاراضي خاصة وان محاولات التنقيب عن النفط بدأت مطلع القرن العشرين ونجحت في اكتشاف حقول غنية في كل من ايران والعراق والبحرين حيث احتكرت شركات النفظ البريطانية عملية التنقيب.
وبعد استكمال المشروع البريطاني في السعودية تلقت الشركات البريطانية ضربة موجعة مع نجاح الشركات الامريكية في اقتناص الفرصة ودخولها للساحة السعودية على حساب الشركات النفطية البريطانية فوقعت هذه المساحة الشاسعة في القبضة الامريكية الاقتصادية ومن ثم السياسية حتى اشعار آخر. بعدها تم الترسيخ لدولة مركزية تكون الضامن الاول للمصالح النفطية والتي عملت معها الشركات النفطية لتثبيت الامن والاستقرار خاصة في مناطق اكتشاف النفط المتمركزة اولا في المنطقة الشرقية. وتحول الحكم المركزي في الرياض الى شرطي محلي يؤمن ويضمن الجماعات المحلية وينزع منها اي سلطة تنافس السلطة المركزية وتقوض مراكز اكتشاف النفط والعاملين الاجانب في مؤسسات وطرق امداداته وتصديره الى الخارج وتكرس احتكار جهة منقبة عن النفط واحدة لا تخضع لقانون المنافشة العالمية فتغلق الباب على مبادرات اخرى عن طريق عقود طويلة المدى للتنقيب عن النفط وتصديره. استمرت هذه الرؤيا الرأسمالية المرتبطة بحكم مركزي محلي ونجحت في استمرارية العقلية الاحتكارية الاقتصادية والنظام السياسي المرتبط بها حتى هذه اللحظة ونتج عنها حكم مركزي عاصمته الرياض ينشر هيمنته الامنية ورؤيته الاقتصادية وفكره الثقافي وممارساته السياسية على كافة الاراضي التي خضعت له. وحتى هذه اللحظة تدار الدولة السعودية من منطق المركزية المفرطة التي توزع المناطق على ابناء الاسرة الحاكمة والذين تحولوا الى امراء مناطق حسب الخارجة الادارية السعودية. يعينون من قبل الرياض ويعزلون حسب معطيات التوازنات الاسرية وليس حسب معطيات الاداء الاداري المحلي لكل منطقة واصبحت امارة المناطق هبة من المركز الى افراد الاسرة حيث يتوارث بعضهم المنصب من ابيه وقد يبقى محتكرا له لمدة قد تزيد عن نصف قرن تماما كما هو حال بعض امراء المناطق في المملكة. وفي ظل هذا الوضع الشاذ الذي يستمر في اطراف المملكة وحتى في مناطقها الحيوية اما لثقلها الاقتصادي او لثقلها الديني او حتى لهامشيتها نجد ان محاسبة امراء المناطق واداءهم الاداري لا يخضع لاي معيار سوى رضى المركز في الرياض مهما تسلطوا في اماراتهم الصغيرة وصادروا الاراضي وعبثوا بموارد التنمية الآنية من الخزينة المركزية ومهما تردت الخدمات التعليمية والصحية والبنية التحتية يظل امراء المناطق فوق الجميع ويصبحون قطبا يستقطب الشخصيات المحلية في محاولة لخلق حلقات محلية من المنتفعين الذين يقدمون الخدمات للسلطة المحلية مقابل نصيب من المخصصات والآتوات.
ادت المركزية المفرطة من الرياض والتحكم بالوضع المحلي وموارده من قبل الامارات ورجالها الى خلل تنموي رهيب همش بعض المناطق وابعدها عن مسارات التنمية بل جرها الى كوارث بيئية وهدر للمال العام وترد في تطويرها لتلحق بركب مناطق اخرى تعتبر واجهة النظام المركزي. هذا بالاضافة الى فقدان المناطق القدرة على التحكم بالقرار المركزي ليلائم متطلبات المجتمعات المحلية فتذمر هؤلاء من المركزية المفرطة التي تعنى اولا واخيرا بالهاجس الامني على حساب تنمية بشرية حقيقية وتطوير للثقافة ومفاهيمها في التعاطي مع حاجات المناطق التربوية والصحية والمدنية. 
ان استمرارية هذه المركزية المفرطة المتزامنة مع التغيرات الجذرية التي تشهدها الساحة العربية السياسية وارتفاع اصوات تطالب بحق التمثيل وتقرير المصير يجعلنا نتوجس من تداعيات كل هذا على الساحة السعودية والتي تعج بالمطالب الاصلاحية من مجالس منتخبة الى عدالة اجتماعية مرورا بتحسين الوضع الاقتصادي وخاصة البطالة ومشاكلها وازدياد الهجرة من الريف الى المدن الكبرى طلبا للعمل وشحة المساكن لذوي الدخل المحدود وتكدس البطالة في المناطق النائية ناهيك عن الملفات السياسية الساخنة كأزمة المعتقلين السياسيين بدون محاكمة الناشطين الحقوقيين وفي مقابل ذلك نجد القيادة مشلولة بسبب تداعيات فراغ المناصب الحساسة وعملية توزيع السلطة على شخصيات جديدة ربما لا تكون الافضل والاقدر على مواجهة تحديات المرحلة القادمة خاصة في ظل الثورات العربية العربية وتفرد امراء المناطق بالقرارات واعتبار اماراتهم مساحات شخصية وارثا عائليا يجعلنا ندق ناقوس الخطر والذي قد يهدد السعودية مستقبلا بشبح التقسيم والذي ان برز على الساحة سيكون اول من يساعد في ترسيخه هم امراء المناطق انفسهم. ومن اجل مواجهة هذه الفرضية يجب على القيادة قطع الطريق على مشاريع قد تجد صدى عند بعض المجموعات المتذمرة من المركزية المفرطة من جهة وغطرسة امراء المناطق من جهة اخرى حيث لم تترك هذه الازدواجية مجالا حقيقيا للتأثير في السياسة المحلية وتدير شؤون المناطق واستأثرت بكل القرارات على حساب المصلحة المحلية لابناء المناطق انفسهم الذين خضعوا قهرا وغلبة للمشروع السعودي الاول والذي حتى هذه اللحظة لم يتطور ويتجاوب مع التغييرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على السعودية ان تتحصن من خطر التقسيم خاصة وان الهويات الضيقة قبلية كانت ام مناطقية او طائفية في طريقها الى التبلور اكثر واكثر خاصة تحت ضغط الحكم المركزي الذي ينفي قدرتها على تدبير شؤونها وينزع عنها اي تمثيل سياسي. على القيادة اولا: اعادة النظر بالممارسة السائدة المتعلقة بارسال امراء مناطق الى اطراف المملكة والتوقف عن توزيع المناطق كغنيمة لهذا الامير او ذاك وهدية له كحصة وارث شرعي لمجرد كونه من ابناء الاسرة الحاكمة. يجب ان تستبدل الامارات الحالية بمجالس محلية منتخبة ينتخبها المقيمون في كل منطقة ويمثل مطالبهم الحياتية واحتياجاتهم اليومية.
ثانيا: توفير ميزانية لهذه المجالس من الخزينة المركزية تأخذ بعين الاعتبار التعداد السكاني لكل منطقة وما تحتاجه من خدمات ضرورية تحددها المنطقة ذاتها وليس ضرورات الحكم المركزي في الرياض. ثالثا: تخضع عملية توزيع الميزانية وصرفها لمعايير المحاسبة والشفافية وليس لمعايير مكافأة أمراء المناطق حسب قربهم او بعدهم من المركز ومدى رضى هذا المركز على ولائهم. 
رابعا: توسيع صلاحيات مثل المجالس المنتخبة لتشمل تقرير سياسات تربوية وصحية وقضائية وبيئية حسب ما يتطلبه الوضع المحلي وليس حسب معطيات واولويات السلطة المركزية واميرها المعين في كل منطقة. فكل منطقة لها احتياجات يفرضها الوضع الاقتصادي المحلي والطبيعة الديموغرافية والبنية التحتية والتي قد تختلف عن مناطق اخرى وتفشل السياسة المركزية في حلها عندما تطبق نموذجا واحدا يفرض على الجميع دون الاخذ بعين الاعتبار خصوصية كل منطقة واحتياجاتها. 
خامسا: وهذا هو الاهم على المركز ان يفكر جديا بتداعيات الصمم عن سماع اصوات الاصلاح التي تنادي بنقل الحكم الى مرحلة جديدة يكون فيها تمثيل سياسي حقيقي لكل المجتمع وكافة المناطق عن طريق مجلس شورى منتخب يتمتع بصلاحيات سياسية حقيقية وليس مجلسا صوريا كما عهدته المجتمعات العربية يكون ديكورا للسلطة السياسية التي تجرده من كل صلاحيات ما عدا البت بامور يمكن ان تحل على مستوى المناطق بكل جدية ويكون لمجلس الشورى المنتخب ممثلون من كل المناطق والمجالس المحلية المنتخبة. 
وتعتبر مثل هذه الاقتراحات السابقة الخطوة الاولى لتدعيم وحدة البلاد وتحصينها من تيارات بدأت اكثر جرأة اليوم في التعبير عن سخطها من هيمنة الدولة المركزية وتهميشها للمطالب الشعبية. ونعتقد ان القيادة السعودية بصمتها عن الاصلاح السياسي الحقيقي تحفر قبرها بيدها وستجر البلاد الى امرين تكون عاقبتهما وخيمة على الوطن برمته الاول هو انفجار الصراع على السلطة داخل الاسرة الحاكمة نفسها حيث ان تشعبها وعددها وكثرة المطالبين بحصتهم من خزينتها والمواقع المؤثرة فيها لا يمكن استيعابه الا على حساب الشعب وطموحاته. وثانيا: ستجد دعوات التقسيم صدى عند كل مهمش معزول فاقد لقدرته على التأثير في مستقبله ومصيره وستزداد مثل هذه الدعوات حدة وستجد من يقبل ان ينخرط تحت رايتها على حساب الوحدة الوطنية ليس لانه عميل او خائن بل لانه يقع تحت ضغط الهامشية والنفي والغربة في الوطن وهي من اصعب الحالات. ان يعيش الانسان في بلد قد سحب البساط من تحت قدميه هي حالة اغتراب وسلب للذات قد تنقلب الى عمل طائش يجرف الجميع في سيل خطير.

' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق