الصفحات

10 يوليو 2012

استهداف الشيخ النمر والحسابات الخاسرة


لن يضعف اعتقال الشيخ النمر بعد إصابته الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية ولا في كل الجزيرة العربية، وهو بحسب الموقف السياسي مناضل من أجل الحرية والكرامة، وبحسب اللحظة التاريخية داعية لتحرر شعب الجزيرة بأكمله على غرار تحرر شعوب في المنطقة من سطوة العوائل التي كانت متحكمة بأساليب القمع والإرهاب.


تبدو المنطقة الشرقية في السعودية مرشحة لتفاعلات أمنية كبيرة بعد اعتقال قوات الأمن السعودي للشيخ نمر النمر الزعيم الديني والمعارض السياسي البارز في المنطقة، والاعتقال هو في حقيقة الأمر محاولة اغتيال أصيب على إثرها الشيخ النمر بجراح؛ غير معروف مدى خطورتها؛ حين تم استهداف سيارته بوابل من الرصاص في كمين نصبته له القوات النظامية والتي كانت تطارده منذ أشهر عديدة.
وحين تحركت الجماهير في رد فعل عفوي وطبيعي على محاولة اغتيال أحد رموزها الدينيين والسياسيين واجهتها قوات الأمن بإطلاق الرصاص فسقط شهيدان وجرح العديد.
لم يكن الشيخ النمر إلا صاحب موقف واضح وحازم من النظام السعودي، وامتلك الشجاعة ليعلن من على منبره باسمه وباسم شريحة واسعة من المواطنين انهم لا يقبلون بحكم آل سعود..ولم يتجاوز تعبيره عن موقفه السياسي أي شكل من أشكال العنف أو العمل المسلح.
ظل الشيخ النمر ذلك الصوت الذي يتمرد على حكم الاستبداد والعائلة الفاسدة، وينتقد بكل قوة مظاهر التهميش والإقصاء السياسي والإجتماعي لمكون تاريخي وأساسي من مكونات شعب الجزيرة العربية وجد نفسه تحت قبضة زمرة وهابية متطرفة. كان "النمر" داعية من أجل مواطنة كاملة وغير منقوصة لمواطني المنطقة الشرقية، مع ضمان حقوقهم الدينية والمذهبية في إطار نظام عصري ودولة تكون في خدمة الشعب لا دولة تختزلها الأسرة والعائلة الممتدة.
هذه المبدئية والشجاعة السياسية للرجل في ظل نظام قمعي طائفي استبدادي استفزت الجهات الحاكمة كما أجهزة الأمن، فطاردوه وحاولوا مرارا اعتقاله، وقد بلغ الخنق بالأجهزة القمعية مداه والشيخ لا يكاد يتخلف عن خطبته يوم الجمعة، والتي عادة ما تحمل مواقف قوية من النظام وتوجهاته وممارساته.
وقد أصبح الشيخ النمر عقدة أمنية وسياسية مؤرقة للسلطات في منطقة العوامية بالقطيف، خاصة مع الزخم الذي اتخده الحراك الشعبي في المنطقة الشرقية في الشهور القليلة الماضية، على خلفية التدخل السعودي في البحرين، وانفعالا بالمناخ الثوري الذي هبّ على كل المنطقة العربية وحقق انجازات عظمى بإسقاطه لأنظمة فاسدة ومستبدة على غرار نظام آل سعود.
إن جريمة محاولة اغتيال رمز ديني في المنطقة له شعبيته وأنصاره، ثم اعتقاله وهو مصاب، تعتبر تعديا صارخا على كلّ الطائفة الشيعية في الحجاز وخارجه، ثم بعد ذلك يأتي الإمعان في استفزاز شيعة المنطقة الشرقية من خلال بيان المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي الذي قال: "تم بفضل الله تعالى القبض على أحد مثيري الفتنة في بلدة العوامية وهو المدعو نمر باقر النمر وذلك عند الساعة الرابعة من مساء يوم الأحد 18/8/1433هـ الموافق8/7/2012م"، كل هذه التجاوزات هي عكس السير العقلائي، ولن تزيد حركة المطالبة بالحقوق المدنية إلا توهجا وصلابة، خاصة وأن سياق "الثورات" في العالم العربي يخدم هذه المطالب وهو في خط سير هذه الحركة.
ولن يفلح النظام السعودي في تسويق قمعه وبطشه بالمواطنين الشيعة على أنه يتعامل مع حالة سياسية معزولة تتلقى الأوامر من الخارج، لأن دائرة الحراك في السعودية تخطت الأطر الطائفية والمناطقية كما شهدناه في المدة الأخيرة، ولأن السياق التاريخي لا يترك مجالا لآل سعود للمناورة والإفلات من استحقاقات التغيير الزاحف على كل المنطقة.
لقد ارتكبت القيادة السعودية خطأً استراتيجيا فاحشا عندما تقمص بعض وجوهها البارزة أدوارا ثورية في الموضوع السوري، فكان لسان حال مواطني الجزيرة العربية " أيها العطار لقد سافرت ببضاعتك بعيدا"، فالحرية والكرامة بل ومقولة الشعب السوري لها ما يقابلها في الجزيرة العربية، حيث هناك شعب في الجزيرة العربية مصادر الإرادة؛ ولا توجد لإرادته أية تعبيرات في أي إطار تمثيلي كان، وهناك أشواق للحرية التي تُطارد أشكالها البسيطة جحافل هيآت ما يسمى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما بالك بحرية التعبير وتشكيل الأحزاب وحرية الصحافة وحق الاعتراض على السياسات والصفقات..وهناك كرامة مسلوبة، حيث المناصب والمواقع العليا في هيكل (الدولة) وفي مؤسسة الجيش هي حكر على الأمراء من آل سعود وكأن باقي المواطنين غير جديرين بالمسؤولية، أو كأنهم ليسوا مواطنين في الأصل! فما أدته السعودية من دور متآمر على سوريا سيرتد عليها، وسيطالبها الشعب بنفس العناوين التي على أساسها حرضت وجيشت وسلّحت ما يسمى بالمعارضة السورية. وإنها لمفارقة أن تسلح السعودية عصابات في سورية بحسبانها معارضة، في حين هي تقوم بمحاولة اغتيال رجل دين معارض لا يملك إلا المنبر والكلمة الشجاعة .
في كثير من التطورات الكبرى كان خطأ الحسابات فيها يأتي دائما من الإستناد إلى القوة الغاشمة والإعتداد بها، لذلك نقول أن الشيخ النمر كان محقا وسيصدق توقعه حين قال خلال خطبة في مسجده في العوامية قبل عشرة أيام "أنا على يقين من أن اعتقالي أو قتلي سيكون دافعا للحراك، وجهاز المخابرات يثير شائعات لاشغال المجتمع عن الصراع الداخلي".
إنه منطق التاريخ لا غير، فالصراع يحسم دائما لمصلحة المستضعفين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق