الصفحات

5 ديسمبر 2012

"اليوتوبيا الاسلامية: وَهْم الإصلاح في السعودية"


نشرت صحيفة القدس العربي مقالا، سلط فيه الكاتب ابراهيم درويش الضوء على كتاب "اندرو هاموند" تحت عنوان 'اليوتوبيا الاسلامية: وَهْمْ الاصلاح في السعودية' تناول الاوضاع السياسية والاجتماعية في هذا البلد منها معضلة المرأة السعودية وقمع الاصلاح وفساد المؤسسات وما الى ذلك من المشاكل.
واخترنا لمتصفحينا جانبا من المقال..   
في اي كتاب عن السعودية، عادة ما يواجه القارئ بنفس القضايا التي تطرح وتعاني منها البلاد والمواطنون السعوديون، القمع وغياب حرية التعبير، مسار الاصلاح، قيادة المرأة للسيارات، المطاوعة وتصرفاتهم المحصنة من العقاب، والفساد، والخلافات بين الامراء والاجنحة، وان توقفت التقارير الاعلامية عن الحديث عن صراع الاجنحة والعمالة الاجنبيةـ معاملتها واثرها الاجتماعي والاقتصادي، ووضع الاقليات، والحرب على الارهاب وموقع السعودية فيها، والى بقية القائمة، وكل هذه الموضوعات تؤشر عادة الى ازمة المواطن السعودي في علاقته مع النظام والمؤسسة الدينية، وتثير العديد من التساؤلات حول خيارات الجيل الجديد، اذ غالبا ما تتحدث الكتابات عن تكوين الشعب السعودي الذي يمثل الشباب فيه نسبة تصل الى 75 بالمئة تحكمهم طبقة لا تزال تعود الى جيل المؤسس، الملك عبدالعزيز بن سعود، فهم اما في الثمانينات من اعمارهم او نهاية السبعينات او في نهاية العقد السادس من اعمارهم. مما يعني ان الفجوة بين طموحات الشباب المتقدمة للامام والكبار في العمر واسعة جدا. ومع ذلك فالسعودية كموضوع تظل مثيرة بسبب الموضوعات التي ذكرناها ولاهميتها الاستراتيجية والدينية فهي مهمة لانتاجها النفطي الكبير، ولمكانتها الدينيةـ حيث الحرمان الشريفان، مكة والمدينة. ولعل هذان العاملان يؤشران الى ازمة السعودية كما يراها الكثيرون اي توزعها بين الماضي والحاضر، وطموحها ان تكون دولة حديثة ودينية، والتوفيق بين الحداثة والاصالة. وقد اثر هذا على الهوية الوطنية ومحتوياتها.
تجربة شخصية ومعايشة
وفي هذا السياق يقع القارىء لكتاب اندرو هاموند 'اليوتوبيا الاسلامية: وهم الاصلاح في السعودية' على تحليل مفصل لمعضلة السعودية، والكتاب مهم لان صاحبه عمل كصحافي ومراسل في السعودية وعانى من القيود التي مارستها الدولة على المراسلين الاجانب، حيث استدعي مرات لوزارة الاعلام ورحل من البلاد بسبب تقرير عن حادث اعتقالات ومواجهات في نجران حيث تعيش هناك اقلية اسماعيلية، وخبر نشره عن رحلة علاج للامير سلطان ولي العهد، حيث كشف انه يعاني من سرطان الكولون.
ويكشف كتاب هاموند عن معضلة السعودية وتناقضاتها التي تخدم بقاء العائلة المالكة، فالدولة التي اتخذت قرارا بعد هجمات ايلول (سبتمبر) بفتح ابوابها للاعلام الاجنبي ، ظلت مكانا صعبا للاعلاميين الاجانب لدرجة ان شبكة تلفازية امريكية عينت سعوديا ليكون مراسلها هناك وبدلا من عمله من الداخل فضلت ان يعمل من استوديوهاتها في امريكا، وقد عزفت الكثير من المؤسسات الاعلامية عن فتح مكاتب لها نظرا للقيود والرقابة. ويمزج هاموند بين تجربته الشخصية- مشاهداته وتحليله للمشهد السعودي في جوانبه الاجتماعية والثقافية، حيث يكشف عن العلاقة بين العائلة المالكة والمؤسسة الدينية وكيف ان هناك علاقة تكامل من اجل خدمة العائلة، ويرصد المشهد الاجتماعي والتحولات الناجمة بفعل الحداثة المشوه، حيث توفر الدولة للمواطنين كل ملستزمات المجتمع الاستهلاكي وماركات غربية في الوقت الذي تؤكد فيه على ضرورة الانضباط الاجتماعي.
ويفهم من تحليل ونقاش الكاتب محدودية التغيير، وانجازات قليلة حققها الاصلاحيون منذ حرب الخليج حتى الان. والحقيقة التي يتوصل اليها القارىء ان الحديث عن الاصلاح ما هو الا لعبة يقوم بها النظام لتشتيت الانظار وحرف العقول عن القضايا المهمة واشغال الناس في امور حياتية لا اهمية لها. وتستخدم الدولة العلماء في تمرير سياساتها ودعم برامجها وقمع المطالب الاصلاحية في نفس الوقت.
وقارىء الكتاب يتعرف على خيبة امل في تحقيق اصلاح حقيقي في مجال المشاركة السياسية التي ظلت مجرد فقاعات وبالونات تطلق في الهواء واصلاح ذي معنى للمؤسسة القضائية بحيث تعكس الوضع المعاصر للبلاد، وتأخذ امور العدل وتحقيقه كقضية اساسية بدلا من استمرار استخدامه لتحقيق العدل للحكام وظلم المواطنين، في مجالات توزيع الثروة، والاستعداء على املاك المواطنين وتأبيد الفساد الناجم من مؤسسة الامراء وغير ذلك.
وهم كله وهم
عنوان الكتاب يؤكد ان هناك وهما للاصلاح لان الدولة ليست جادة فيه، وذلك نابع من الخوف من المؤسسة الدينية التي تكافح ضد اي تغيير يؤثر على مكتسباتها. وفي النهاية فالمقاومة نسبية ان اخذنا بعين الاعتبار ان السعودية قامت على تحالف بين المؤسسة الدينية التي يمثلها ابناء الشيخ محمد بن عبدالوهاب والدنيوية التي يمثلها آل سعود، وتاريخ السعودية الحديث هو تاريخ التعاون والخلاف بين هاتين المؤسستين فيما ظل الشعب بعيدا عن هذه الحسابات، فالمكتسبات التي تتحقق عادة ما تتم من خلال تفاهمات بين المؤسستين حول السلطة ومداها وكيفية ادارة البلد،السلطة الدينية لها المجتمع والسلوكيات الاجتماعية وآل سعود لهم المجتمع والمال والشؤون الخارجية والامن الوطني. وقد ظل التناقض والتعاون بين المؤسستين على توزيع السلطات وحجمها وليس على الالغاء الا في محاولات قليلة متواصلا.
الخصوصية وجيوب ليبرالية
ومن هنا فالقصة السعودية تظل مثيرة ومحملة بالتوقعات، ومنطقة خطرة لمن يحاول الانتقاد وتجاوز ما تراه المؤسسة 'الخصوصية' السعودية التي تحصنها من التغيرات ومن النقد، وتجعل من المطالب الاصلاحية وهما وحلما عصي المنال، لا يتجاوز حدود الكلام او التغيرات التجميلية ويأتي ضمن ظروف لحماية المؤسسة الحاكمة، وارضاء الدولة للغرب واسكاته بان هناك في الحقيقة عملية اصلاح، ولكن هذه الجهود ليست مدفوعة برغبة بناء مجتمع منفتح وحر تحكمه مؤسسة منتخبة. فمع اننا نسمع عن الاصلاح في السعودية والمطالبات به منذ نهاية حرب الخليج الاولى وحتى الان حيث حمل اعتلاء الملك 'الاصلاحي' عبدالله الحكم الكثير من الوعود والتوقعات ولكن لم يتغير شيء لان الاصلاحيين ـ اسلاميين وليبراليين- لا يزالون يتعرضون للقمع والسجن والالغاء. ومبرر تأخر الاصلاح او عدم تحققه هو ما تراه المؤسسة الحاكمة من ان التحول يحتاج الى وقت والخصوصية تقتضي عدم التسرع وحتى يتم 'التوافق الشعبي' على العملية الاصلاحية مع ان من يعارض الاصلاح هي المؤسسة الدينية التي ترى في كل المذاهب والافكار والدولة الوطنية مخالفا للشريعة، ولهذا فعندما تقول الدولة ان الاصلاح يحتاج لتوافق فانها تعني المشايخ الذين يعارضون كل تحول. وما تحقق في السعودية عبر عقدين من الزمان ومن المعارك الاصلاحية هي مناطق او 'جيوب' اصلاحية آمنة من وصول الشرطة الدينية اليها. كما وتعمل الدولة على مشاريع توفر جيوب 'ليبرالية' يمكن اعتبارها امتدادا لمدينة جدة الليبرالية، من مثل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية التي سيتم الانتهاء منها في2020 وستستوعب اكثر من مليوني شخص، وسيكون بامكان المواطنين فيها مشاهدة افلام سينمائية والتحرك بحرية بعيدا عن اعين الشرطة الدينية - المطاوعة، وفي الوقت الحالي فالمناطق التي لا تصل اليها الشرطة هذه منحصرة في احياء السفارات واحياء الامراء وبعض المناطق في المدن الساحلية مثل جدة ومناطق الاجانب.
التكنولوجيا في خدمة القمع
اما غير ذلك فالشرطة تحتل كل الفضاء الاجتماعي وهي موجودة في كل مكان ومنحتها التكنولوجيا الحديثة القدرة على التواصل الاجتماعي، فشيوخ التلفزيون السعوديون لم يعودوا يتحدثون الى رواد المساجد بل الى الملايين في السعودية وخارجها وخطبة عرفة في مسجد نمرة يشاهدها ملايين المسلمين في ارجاء العالم مما يؤشر الى حدود التأثير السعودي وقيادتها للعالم الاسلامي، كما ان الانترنت ووسائل الاتصال الاجتماعي اعطت للسعوديين بديلا عن الفتاوى الرسمية حيث ادت بظهور سوق للفتاوى التي يجيب عليها 'الشيخ غوغل' وهو ما دعا الملك عبدالله لاصدار قرار يدعو السعوديين الى اتباع فتاوى المشايخ الرسمييين. وقد منحت الانترنت السعوديين بديلا عن التلفاز الذي شكل حياتهم في غياب المظاهر الاعلامية الاخرى، من مثل السينما والمسرح وغيرهما.ولا بد من الاشارة هنا الى ان ميديا التواصل الاجتماعي وان منحت الشباب السعودي مساحة للهروب من الظرف الاجتماعي القاتم والقمع فانها منحت السلطة الدينية مساحة واسعة للتحكم بحياة الناس، مراقبة وتصفية مواقع الانترنت، والكاميرات المغلقة لتأكيد الفصل بين الرجال والنساء.
ثقافة سرية
تغول السلطة الدينية والتي تعرضت لانتقادات شديدة من الطرف 'الليبرالي' السعودي في السنوات الاخيرة ، خاصة بعد حريق مكة عام 2002 والذي راح ضحيته 15 فتاة، ادى الى انتعاش ثقافة 'هامشية' او تحت الارض خاصة في مدينة جدة، من فرق روك اند رول، ودي جي وحفلات قصف وصخب في بيوت الامراء وعلية القوم من المتنفذين في الدولة. وتحظى هذه الثقافة باهتمام الصحافة الاجنبية، وعادة ما تؤدي التقارير الاعلامية لتعريض افرادها للمنع، وهذه الثقافة كشفت عنها تقارير السفراء الامريكيين ويكيليكس- من السعودية.
ومع ان السلطة احيانا ما تغض الطرف عن بعض المبادرات الثقافية من مثل مهرجان جدة السينمائي الذي تعرض للالغاء بدون ابداء اسباب. ويجبر المخرجون السعوديون للخروج للصحراء من اجل تصوير افلامهم فيما يستعان بالممثلات الكويتيات والخليجيات لتمثيل دور المرأة في المسلسلات السعودية، ولم يتم عرض المسلسل الشهير 'طاش ما طاش' على التلفزيون الرسمي او المحطات التي انشأتها الدولة من اجل مواجهة الاعلام الفضائي من قطر وغيرها، بل عرض على قناة 'ام بي سي' الممولة سعوديا وتعمل من دبي.
في السعودية هناك تناقض تلعب على اوتاره الدولة كي تعزز بقاءها وتصور نفسها على انها الوسيط العادل، فهي تسهم في التوتر الطائفي وقمع الليبراليين واطلاق يد الشرطة الدينية، كي تكون الحكم بين المتخاصمين.
مواجهة ما بعد 9/11
تعمل الدولة العائلة على تعزيز وضمان استمراريتها من خلال اللعب على هذه التناقضات داخليا، وفي الخارج على تبيض صورتها، خاصة بعد الهجوم الذي تعرضت له الدولة بعد هجمات 9/11 والتي كانت مفصلية في علاقتها مع الغرب خاصة مع الحليف الاستراتيجي- امريكا التي كانت هدف الهجمات والتي شارك فيها 15 سعوديا، وقد نظر الامريكيون الى ان السعودية التي ترعى الفكر الوهابي هي التي تصدر الفكر المتشدد وتمول الارهاب، ومن هنا قامت الدولة بحملة مضادة كي تدفع الشبهات عن الفكر الوهابي واستعانت بباحثين اجانب للقيام بالمهمة ومن اجل ابعاد الدولة وفكرها عن تفكير القاعدة. ونذكر في هذا السياق كتاب ناتانا دي- لونغ باس 'الاسلام الوهابي- من الاحياء والاصلاح الى الجهاد العالمي' ودافعت فيه عن فكرة الجهاد عند الشيخ محمد بن عبدالوهاب، واللافت للنظر ان الكتاب ترجم بعنوان 'فكر الشيخ' بدون الاشارة للوهابية. وكتاب اخر دافع فيه كاتبه عن الملكية السعودية وفكرة كون الملك عبدالله حاكما مطلقا، فبخلاف ذلك يقول مارك ويستون في ' الانبياء والامير: السعودية من محمد الى اليوم' ان الملك لا يتخذ قرارا بدون مشاورة الامراء والعلماء ورجال الاختصاص، وقال ان السعوديين يدعمون الملكية لانها العقدة التي تربط المحافظة والليبرالية. ومع ان السعودية دعمت مراكز بحث في الجامعات العريقة في بريطانيا وامريكا الا انها كانت مضطرة للقيام بحملة اعلامية ودبلوماسية وبحثية، واستعانت الدولة بالالة الاعلامية التي بنتها في العالم العربي ومنذ حرب الخليج، مستفيدة من تراجع الدعم العراقي لمؤسسات وصحف في لبنان وصادرة في الغرب، وذلك بسبب الحصار المفروض على العراق، ولم يبق للاخير مساحة للتأثير سوى بعض محرري الصحف المصرية. اما السعودية فقد مول الامراء ورجال الاعمال الكثير من المشاريع الاعلامية، صحف ومجلات ومجلات الكترونية وقنوات تلفازية، واضطرت لشن حملات جديدة لمواجهة الجزيرة، حيث انشأت 'الاخبارية' والملاحظ في هذه القناة هي الوجود النسائي الكبير، في نشرات الاخبار والبرامج الاجتماعية والثقافية واحيانا السياسية، ولعل مملكة الاعلام السعودية التي انشأها المال السعودي معروفة، كما انها تتراوح في علاقتها مع العائلة المالكة وخطها الاخباري.
السياسة الخارجية
وفي العموم فالمملكة الاعلامية تعكس في معظم الاحيان في برامجها الخط السياسي للدولة في قضايا الارهاب، والسياسة الخارجية القائمة على 'المغامرة' والتي تؤدي لنتائج عكسية، حيث يمتد التأثير السعودي على القضية الفلسطينية والعلاقة مع "اسرائيل"، وصعود حزب الله، والحرب في سورية. وهذه المناطق التي يسهم فيها المال السعودي الرسمي في التدخل بين الفرقاء خاصة لبنان ويضاف الى ذلك باكستان التي حاولت السعودية دعم بقاء برويز مشرف في الحكم بعد ثورة المحامين عليه.
ولعل السعودية التي قادت في الستينات وتحت قيادة الملك فيصل حربا ضد القومية واستعانت بالمال من اجل نشر 'الحل الاسلامي' السعودي، اذا استعدنا كتاب محمد جلال كشك 'السعوديون والحل الاسلامي' هي التي اعتمدت على الحركات الاسلامية التي هربت من قمع ناصر الذي واجهته الدولة السعودية عسكريا في اليمن التي حاولت السياسة الخارجية تحويلها الى دولة تابعة لها في ظل علي عبدالله صالح، ودعمت القبائل وتدخلت في الحرب على الحوثيين، اضافة لذلك واجهته فكريا وعالميا عبر مؤسسسات لنشر الفكر الوهابي السعودي.
قمع في عصر الوسطية
والغريب ان الاخوان المسلمين الذين رحبت بهم الدولة في حربها ضد ناصر اصبحوا وبعد هجمات 9/11 العدو اللدود للفكر الوهابي والذين القيت عليهم تهمة دعم الفكر الجهادي، حيث ظل الامير نايف يلقي الاتهامات على الجماعة، ويبدو ان عدوى عداء الاخوان انتقلت لدول الخليج الامارات العربية والكويت، باستثناء دولة قطر التي تتعاطف مع الاسلاميين. وعلى ذكر الامير نايف فوزارة الداخلية التي كان يديرها كانت دولة داخل دولة ولديها اكثر من 700 الف موظف من الامن والشرطة الدينية. ويمكن القول ان الدولة من خلال شبكة متداخلة من الاجهزة الامنية، والرقابة الاعلامية والشرطة الدينية تمارس قمعا شديدا على المواطنين، وتستعين على هذا بخبرات اجنبية وعربية ولن نستغرب ان عرفنا ان وزير داخلية نظام مبارك البائد عمل مستشارا للداخلية السعودية في تسعينات القرن الماضي، تماما كما يعمل فلول امن نظام مبارك في مؤسسات الامن في الخليج ونفهم لهذا الهجمة على الاخوان المسلمين.
يشير الكتاب انه في عصر'الوسطية' السعودية لا تزال الدولة تمارس القمع والملاحقة لمن يرفع صوته في الاعلام حيث يفصل واحيانا يمنع من السفر للخارج، ومن يطالب باصلاحات عملية وحقيقية في المقررات التعليمية يستبعد، ومن يتجرأ على الامير ويواجهه يسجن، ومن يتجرأ على رفض مطالب اميرة بأخذ ارضه مقابل ترضية خارج المحكمة يخسر كل شيء والحالات التي يقدمها الكتاب كثيرة، فهناك سجناء رأي من مثل عبدالله الحامد ومتروك الفالح، وهناك وهناك.
وفي النهاية يكشف الكتاب من بين ما يكشف عنه، عن ثمن الفصل في المجتمع بين الرجال والنساء والاثار الاجتماعية والاقتصادية على البلاد، فنظام الفصل يكلف البلاد مليارات الدولارات تذهب للخارج، فهناك مليون خادمة في بيوت السعوديات، ومليون سائق خاص للبيوت السعودية ومليون ممرضة اجنبية تعمل في القطاع الصحي والتعليم ومؤسسات الدولة الاخرى.
وتنفق السعودية سنويا خمسين مليار دولار على هذه الخدمات، فلو سمح للنساء بقيادة السيارات والعمل لادى الى استبدال العمالة بما بين 2-3 ملايين سعودية ولوفر على خزينة الدولة 20 مليارسنويا. ولانتهى نظام الكفالة الذي يعتبر مصدر دخل للمواطنين والامراء حيث يشير تقرير ان الامراء كانوا سببا في زيادة عدد العاملين الاجانب من 4.2 6.5 مليون عامل اجنبي في الفترة ما بين 1992 1995، وهي ارقام مذهلة لكنها لا تقارن بأرقام اخرى مذهلة في مجال التسليح ومحاولات الدولة لبناء مجتمع استهلاكي يترك اثاره على المواطنين خاصة المرأة، فبحسب احصاءات حكومية عام 2006 اظهرت ان نسبة السمنة بين النساء تصل الى 54 بالمئة مقابل 45 بالمئة بين الرجال، 29 بالمئة بين الفتيات و 24 بين الاولاد، وفي السعودية اكبر نسبة من مرضى السكري كما ان النساء بسبب عدم تعرضهن للشمس يعانين من هشاشة في العظام. كل هذا لان اعطاء المرأة مساحة من الحرية 'يفسدها' لانها اصل الشر حسب مفتي الدولة وعلمائها، ويشير الكاتب الى ما وصفه واحد من مشاعل النور في الوهابية، عبدالرحمن البراك الذي اقترح على المرأة ان تخرج للصحراء مع زوجها ان رغبت بمسابقة زوجها في الجري، لان الرسول صلى الله عليه وسلم سابق عائشة. ولعل الكتاب حافل بهذه الامثلة، التناقضات الساخرة، ومعضلة المرأة السعودية وقمع الاصلاح وفساد المؤسسة وفيه لمن اراد المزيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق