الصفحات

20 فبراير 2013

يدخلن مجلس الشورى ولا يقدن سياراتهن عبد الباري عطوان


ادت ثلاثون امرأة سعودية يوم امس اليمين امام العاهل السعودي عبدالله بن عبد العزيز بمناسبة افتتاح الدورة الجديدة لمجلس الشورى السعودي، بعد ان جرى اختيارهن كعضوات فيه، في سابقة هي الاولى من نوعها في تاريخ المملكة العربية السعودية.
الخطوة جريئة بمقاييس هذا البلد المحافظ، ولكنها تظل متأخرة جدا بمقاييس دول اسلامية وعربية اخرى حظيت فيها المرأة بمساحة اكــــبر في المشــاركة السياسية والاجتماعية جنبا الى جنب مع الرجال، من ضمنها تولي مناصب وزارية وتنفيذية عليا، والوصول الى سدة القيادة في بعض الحالات مثل السيدة بنازير بوتو في باكستان على سبيل المثال.
هناك ملاحظتان رئيسيتان تتبادران الى ذهن المرء وهو يتابع عبر شاشات التلفزة عملية أداء اليمين هذه، وسط غابة من الأمراء والمسؤولين الكبار في الدولة، وغياب كامل للمرأة وسط الحضور:
*
الاولى: ان هؤلاء السيدات اللواتي يمثلن خُمس عدد اعضاء مجلس الشورى غير منتخبات، مثلهن مثل 120 عضوا من زملائهن في المجلس، وان اختيارهن تعرض لانتقادات عديدة في بعض وسائط التواصل الاجتماعي السعودية باعتبارهن لا يمثلن خريطة الكفاءات النسائية في البلاد وألوانها السياسية والاجتماعية المتعددة.
*
الثانية: ان مجلس الشورى السعودي لا يملك اي صلاحيات تشريعية، ودوره استشاري غير ملزم، ولا يستطيع محاسبة السلطة التنفيذية، واستجواب الوزراء مثلا، الأمر الذي لا يتماشى مع تطورات العصر، وموجة الاصلاحات السياسية التي تجتاح معظم، ان لم يكن كل الدول العربية والاسلامية.
' ' '
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة ولا بد انه يتبادر الى ذهن الكثيرين داخل المملكة وخارجها، هو كيفية دخول المرأة السعودية مجلس الشورى وهي لا تستطيع قيادة سيارة مثلا؟
بمعنى آخر كيف يمكن ان تناقش قضايا سياسية واستراتيجية كبرى، وتمنح ثقة من قبل اهل الحكم لقيادة البلاد، ولو جزئيا على الاقل، ولا تستطيع قيادة سيارة؟
ندرك جيدا ان المؤسسة الدينية السعودية هي التي تعارض قيادة المرأة للسيارة، وندرك جيدا ان عشرات بل مئات المقالات جرت كتابتها في الصحف السعودية ومواقع التواصل الاجتماعي حول هذه المسألة، بل ونشرنا في هذه الصحيفة انباء اعتقال سيدات قررن تحدي هذا الحظر في قلب مدينة الرياض، ولكننا ندرك ايضا ان السلطات السعودية تستطيع تحدي هذه المؤسسة الدينية وكسر قراراتها اذا ارادت.
المؤسسة الدينية السعودية كانت تعارض اي اعتراف بالمذهب الشيعي على سبيل المثال، واستطاع العاهل السعودي الحالي ان يؤسس حوارا للمذاهب داخل المملكة، وللأديان خارجها. كما افتتح جامعة تحمل اسمه يسمح فيها بالاختلاط بين الرجال والنساء. وجرى ابتعاث عشرات الآلاف من الفتيات السعوديات الى الجامعات العالمية في اوروبا وامريكا حيث حصلن على رخص قيادة ومارسنها دون اي معوقات.
ولا تفوتنا الاشارة الى ان المؤسسة الدينية السعودية عارضت استقدام نصف مليون جندي امريكي واوروبي الى ارض الحرمين قبل عشرين عاما تحت عنوان تحرير الكويت من غزو الجيش العراقي، وجرى اصدار الفتاوى التي تحلل مثل هذه السابقة.
' ' '
بمعنى آخر ان السلطات السعودية تستطيع ان تجد التكييف الديني والعرفي اذا ارادت ان تتخذ خطوة يمكن ان لا ترضي رجال الدين فيها، وتشكل خروجا على المحرمات والتقاليد المتبعة.
العاهل السعودي قال في كلمته المختصرة التي القاها في هذه المناسبة 'ان التدرج الذي نسعى اليه جميعا يقوم على التدرج بعيدا عن اي مؤثرات'. واضاف 'ان هدفنا جميعا قائم على تفعيل اعمال المجلس بوعي اساسه العقلانية التي لا تدفع الى العجلة'.
التفسير الاولي لهذا الكلام ان العاهل السعودي ليس في عجلة من أمره لتقديم اصلاحات يتطلع اليها الشعب في مملكة دستورية وبرلمان منتخب، وقضاء مستقل ومكافحة حقيقية للفساد، وهذا أمر ينطوي على الكثير من الخطورة، فهذه المطالب الاصلاحية اهم بكثير في رأينا من قيادة المرأة للسيارة، لانها لو تحققت لأصبح المطلب الاخير تحصيل حاصل.
لا ننسى في هذه العجــالة ان نقول مبروك للسيدات السعوديات دخولهن مجلس الشورى، ونأمل ان يكون دخولهن القادم من بوابة صناديق الاقتراع*القدس العربي*

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق