الصفحات

11 فبراير 2013

شباب السعودية: الى أين؟


تظل الشريحة الشبابية في السعودية، وهي اكبر الشرائح العمرية، موضع اهتمام وبحث وتفصيل، خاصة بعد انطلاق الحراك الشبابي في اكثر من بلد عربي خلال العامين المنصرفين.
وتطرح جملة من الابحاث السؤال المهم، وهو هل تستطيع هذه الشريحة الشبابية ان تحرك المياه الراكدة وتنطلق بمسيرة التغيير السياسي؟ ام انها ستظل ساكنة غير قادرة على العمل الجماعي في محيطها وبيئتها الاجتماعية والسياسية المنقسمة والمتشرذمة والمتقوقعة على ذاتها؟
وتأتي الاجابة منقسمة هي الاخرى تتأرجح بين تيارين، التيار الاول ينفي عن الشريحة الشبابية السعودية القدرة على التغيير والفعل، مرددا نظريات تتمحور حول صفات استهلكتها الآلة الاعلامية السعودية ككسل الشباب وخموله وعدم تجاوبه مع فرص العمل المتاحة والنأي بنفسه عن الاعمال والمهن الوضيعة، فيصور البعض الشباب السعودي وكأنه حالة خمول وكسل او دلال مفرط او اسوأ من ذلك، حين يتم استعراض حالات الادمان على المخدرات والكحول واحصائيات الامراض النفسية، وتهدف كل هذه السرديات عن شباب السعودية الى تكريس مفهوم الشباب كمعضلة او مشكلة مستعصية تشكل خطرا على المجتمع، حيث مفهوم الشاب العنيف المخل بالآداب العامة والاخلاق، الذي يجب تقنين وجوده في الساحات العامة والشارع والمركز التجاري حتى لا يفتك بالسلم العام والاخلاق وحصانة المجتمع.
تأتي هذه النظرة السوداوية لتنزع عن الشباب القدرة على الفعل ما عدا العمل الذي يهدد أمن المجتمع وتنتهي السردية الرسمية عن الشباب الى ما هو اسوأ، عندما تربط بين الشباب والارهاب او التطرف الديني، وقد حظيت مثل هذه السرديات باهتمام الباحثين في الخارج، حيث انصب اهتمامهم في دراسات عن المجتمع والسياسة في السعودية على خطر الشباب من منظور امني بحت. وكلما زادت سوداوية هذه المنطلقات والاستنتاجات البحثية، نجد في مقابلها تيارا آخر يحاول اعادة مفهوم الشباب الى سياق اجتماعي ينفي عنه صفة الركود والجمود او التطرف والارهاب، واعتقد ان النظرة السوداوية للشباب في السعودية قد ساهمت في احباط شرائح كثيرة، لكنها لم تستطع ان تنفي القدرة على المبادرة والعمل الجماعي، رغم ما يتعرض له الشباب في المملكة، نساء ورجالا من تمييز يعتمد على العمر كحد فاصل بين المواطن الصالح المسالم والمطيع، والآخر الذي قد يتمرد او يثور، وان كان شباب العالم العربي قد يبدو منخرطا في عمل جماعي قد تخلف عنه شباب السعودية فنعلل ذلك باسباب متعددة تتعلق بالمجتمع والنظام الذي يعيش في ظله الشباب حاليا.
اولا: يخضع الشباب في السعودية لسلطة أبوية مطلقة على مستوى العائلة والدولة، فالثقافة المحلية بطريركية صرفة تفرض على الشاب طاعة ملزمة، خاصة ان الاستقلال الاقتصادي للشاب يتأخر بل ربما يكون معدوما في ظل ارتفاع معدلات البطالة، خاصة ضمن الشريحة الشبابية التي تتعدى نسبتها 30% وتزداد اكثر عند الشرائح الشبابية النسائية، فيظل الشاب معتمدا على البيت العائلي وتمويل الأب، غير قادر على الاستقلالية الاقتصادية التي تكون ركيزة لاستقلالية فكرية وقدرة على اتخاذ القرار من دون ان يكون الشاب او قراره رهينة في يد حلقة اكبر منه واكثر سطوة عليه. وكلما طال اعتماد الشاب والشابة على الموارد الجماعية للاسرة، انتقصت قدرة الشاب على الاستقلالية بمفهومها الشامل.
ثانيا: نجاح اي شاب او شابة يظل مرهونا ليس فقط بمهارات اكتسبها او علم تعلمه، بل يعتمد على علاقات تربط الاسرة التي ينتمي اليها بأسر اخرى تستطيع ان تفتح ابواب العمل والوظيفة، فيظل الشاب رهينة للقرار الجماعي حتى بعد اكتسابه مهارات عالية ممكن ان توفر له وظيفة رفيعة المستوى، ويعلم ان فرص النجاح المستقبلية تظل مرتبطة بقدرة الاسرة على تفعيل علاقاتها الاجتماعية لتضمن له موقعا في ساحات العمل المفتوحة وفرص النجاح المتوفرة.
ثالثا: بالاضافة الى البيئة المجتمعية التي تحاصر الشاب نجد الدولة بمؤسساتها واجهزتها تساهم في تحييد الشباب، بل حتى نفيهم من المساحات العامة وتجرم تنظيمهم في حركات طلابية قد تهدد الدولة ولو من بعيد. واستطاع النظام ان يكرس مبدأ ينطبق على الشاب وهو 'مبدأ انت متهم حتى تثبت براءتك' ويتعرض هؤلاء لعملية مراقبة صارمة تمتد من المدرسة والجامعة الى المراكز التجارية والاستراحات واماكن اللهو، حيث تصبح هذه المساحات مرصدا لمراقبة الشباب وتحركاته وتصرفاته عن طريق اعداد هائلة من المراقبين، بدءا بالمطاوعة وانتهاء بعمال أمن المناطق التجارية والمؤسسات والشرطة وغيرها من اجهزة مستحدثة هدفها محاصرة الشباب ومراقبته. ومؤخرا لجأ النظام السعودي الى العقاب الجماعي، خاصة في حالات المساجين السياسيين حيث يعاقب الشخص المعني ومن ثم يزج بأقربائه وافراد اسرته معه في السجن، خاصة ون تحرك هؤلاء مطالبين بحق ابنهم السجين او فرد آخر من افراد اسرتهم. وقد يكون ذلك عامل ردع للشاب ينهاه عن تبني آراء قد تفتك بأفراد آخرين من اسرته ان هو تمادى في الافصاح عنها، ناهيك عن التردد في الانخراط بعمل قد يزج بأفراد اسرته كلهم في السجن من باب العقاب الجماعي الذي يفرضه النظام السعودي على كل من يخالفه او يتمرد على سلطته المطلقة. فعمل الانسان الواحد لم يعد عملا شخصيا تحت المنظومة السعودية، بل هو ذريعة تعتمدها السلطة لتعاقب أسرا كاملة تتكون من الاب والابن وحتى الحفيد. وقد خلقت هذه الممارسات السعودية حالة خاصة قد تجعل التردد في الانخراط بالعمل الجماعي سيد الموقف، لكنها لم تنجح نجاحا قاطعا في ثني المجموعات الشبابية او حتى الاباء عن العمل الذي تعتبره الدولة مخلا بالامن والامان، والدليل على ذلك تعدد حالات السجن التي يعاني منها طيف كبير عادة ينتمون الى اسرة واحدة، مما جعل نساء هؤلاء ينخرطن في العمل الجماعي مطالبات بحق رجالهن، خاصة بعد ان انعدمت فرص اللجوء الى مؤسسات حقوقية توفرها الدولة لمثل هذه الحالات.
وان بقيت مظاهر الحراك الشبابي محصورة في السعودية ولم تبلغ الزخم الذي وصلته في الدول العربية الاخرى الا ان رصد هذه الحالات المتفرقة يعطي صورة واقعية عن طبيعة هذا الحراك الذي تجاوز المعهود، خاصة في المنطقة الشرقية حيث المجموعات الشيعية تخوض مواجهة مع النظام منذ اكثر من 18 شهرا، ذهب ضحيتها حتى اللحظة 16 شابا قتلوا برصاص النظام.
أما في محيط الاكثرية الكبرى فنجد هذا الحراك يظهر ولو على استحياء بأعداد صغيرة وتجمعات محدودة الا انه قد بدأ بالفعل وانطلق من قضية المساجين السياسيين والمحاكمات التي يتعرض لها الحقوقيون بشكل دوري اسبوعي. وقد سبق ذلك حراك الطلاب في جامعات سعودية مختلفة تمركز حول مطالب مشروعة تخص البيئة التعليمية، ناهيك عن تجمعات العاطلين عن العمل والمطالبين بوظائف في دوائر حكومية متعددة. فحتى اللحظة لا نستطيع ان نجزم ان الشريحة الشبابية السعودية هي شريحة ثورية او رجعية، لكننا نستطيع ان نجزم انها شريحة موجودة على الساحة ووجودها ولو دون فعل قد يشكل حالة اضطراب للنظام، وان لم يتمكن الشباب السعودي ان يوقفوا الحياة العامة حتى تتحقق مطالبهم الا انهم يستطيعون ان يثيروا حفيظة النظام وآلته القمعية بمجرد وجودهم بكثافة في الساحات العامة. والمشكلة البنيوية التي يواجهها الشباب في السعودية رغم كثافة اعداده هي انعدام حركة طلابية مؤطرة بفكر نضالي يطلب نهضة حقيقية سياسية لا مطالب حياتية مجزأة، حيث تبقى هذه محصورة لن تتحقق في ظل النظام الحالي، فتجزئة حقوق الشباب الى سلسلة من المطالب تدور حول العمل والمأكل والمسكن وحقوق المساجين السياسيين يساهم في تقوية النظام المسؤول عن كل التقصير والانتهاكات.
فقوة الشباب ليست عددية فقط بل هي تنظيمية تحتاج الى حركة طلابية، كما عرفتها الشعوب الاخرى لتتجاوز الشرائح الشبابية حالة التشرذم والانفرادية والتقوقع خلف مطالب محدودة، ووحدها هذه الحركة تستطيع ان تستنجد بقوة الاتصالات الالكترونية لتبني قاعدة شعبية تتجاوز محدودية الحياة الطلابية وجمهورها، فالطالب طالب لفترة قصيرة يخرج منها ليصبح شخصا في المجتمع بفعل ارادته وحقوقه ومسؤوليته تجاه المجتمع الكبير. ومهما كبرت الشريحة الشبابية تظل محدودة ان هي لم تنخرط في عمل طلابي حقوقي يؤطر بحركة طلابية تقود نفسها الى ساحة النجاة في اطار نظام هدف الى تجريمهم وتهميشهم، بل حتى افقارهم تحت مظلة ميزانيات ترليونية خيالية.

*د. مضاوي الرشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق