الصفحات

8 يوليو 2013

السعودية والاخوان: علاقة مضطربة

 بعد عقود طويلة من احتضان السعودية للاخوان المسلمين الذين قدموا اليها من مصر وسوريا والعراق استفاقت السعودية على خطر وجودي يهدد شرعيتها.


تفاقم هذا الخطر بعد غزو صدام حسين للكويت تحين وقف الاخوان ضد التدخل الخارجي في حل الازمة وعندها انقلبت معادلة الاحتضان الى مواجهة صريحة اتهمت السعودية فكر الاخوان وتغلغلهم في الساحات التربوية والتعليمية السعودية بنشر التطرف والحزبية وحتى الارهاب كما ردد وزير الداخلية الامير نايف في اكثر من خطاب ورغم ان الاخوان في السعودية لا يتمتعون بتنظيم معلن الا ان وجودهم يبقى مبطنا يتعاطف معه طيف كبير من العلماء والتابعين والمنظرين.

وبقيت السعودية تراقب حراك اخوانها المحليين معتمدة على ترويج خطاب سلفي وهابي يرفض التنظيم السياسي بل يشكك بعقيدة اتباعه ويتهمه بتمييع الثوابت الاسلامية والجري خلف اجندات سياسية فاحتدمت الصدامات الفكرية بين الاخوان من جهة والسلفية التقليدية من جهة اخرى.

وظل الوضع على حاله الى ان جاء الربيع العربي وافسح المجال لاكبر تنظيم محلي معولم ان يصل الى سدة الحكم في تونس ومصر وهذا ما كانت تخشاه السعودية حيث ان وصولهم الى السلطة بث الامل في نفوس اخوان السعودية وجاراتها الخليجية الذين استبشروا خيرا بتسلم السلطة بعد اكثر من نصف قرن في صفوف المعارضة. وبدأت معضلة السعودية مع الاخوان وهم في السلطة تبدو اكثر وضوحا خاصة وان دولة خليجية مجاورة وضعت ثقلها خلف تيار اصبح الآن يحكم اكبر بلد في العالم العربي فتوترت العلاقة بين السعودية وقطر على خلفية دعم الاخيرة لتيار الاخوان المسلمين واصطفت الامارات مع السعودية لتحجيم الدور القطري وبالتالي تقليص امكانية استمرار حكم الاخوان خاصة في مصر لما في ذلك من تداعيات على الوضع الاخواني في الدولتين.

فدعمت السعودية الجيش المصري طيلة العامين المنصرمين وبعض التيارات الاسلامية السلفية المنافسة للاخوان بالاضافة الى تيارات بعيدة عن الفكر الاسلامي كليا. قد يبدو الموقف السعودي غريبا خاصة وانه يصدر من نظام يعتاش على خطاب تطبيق الشريعة والاحتكام لها لكن ان تمحصنا في اسباب العداء السعودي لحكم الاخوان سنجد ان هناك عدة عوامل تساهم في التوتر وتزيد حدة المواجهة والمنافسة.

اولا: تخاف السعودية من المنافسة الفكرية التي تتبلور في طرح الاخوان السياسي والذي يكرر تمسكه بالاسلام خاصة وان هذا يكشف الاحتكار السعودي لمفاهيمه حيث كانت السعودية وما زالت تردد انها الوحيدة في محيطها العربي على خلاف الممارسات في الجمهوريات العسكرية التي اعتبرتها السعودية كافرة وبعيدة عن تطبيق الشريعة فبنت شرعية وهمية تبددت مع وصول الاخوان الى الحكم عن طريق الانتخابات وآليات الديمقراطية. فظهرت فجوات الحكم الوراثي المتأسلم حيث كشفه التغيير الذي حصل في بلدان كمصر وتونس من هنا تصدت السعودية لهذه التجربة حتى تقطع الطريق على نماذج للحكم معتمدة على الاسلام.

ثانيا: تخاف السعودية من قدرة الاخوان على التنظيم والتجييش واختراق المجتمع المدني والمؤسسات الحكومية وهي التي لا تزال ترفض اي نمط من انماط التنظيم المجتمعي المستقل الذي يهدد احتكار السلطة للمجتمع وتطويعه في منظمات حكومية. فتمنع السعودية مؤسسات المجتمع المدني حتى هذه اللحظة رغم الترويج لقانون المجتمع المدني والذي لا يزال حبرا على ورق. فلا جمعيات خيرية او محافل ادبية او مؤسسات تعليمية تفلت من قبضة السلطة السعودية التي تحاول جاهدة ان تخفق العمل المدني الجماعي ومؤسساته.

وخبرة الاخوان في مجال المجتمع المدني والتنظيم المكتسبة طيلة العقود السابقة ترهب السعودية التي تعارض مثل هذه التنظيمات التي قد تنافس المؤسسات الرسمية وتخلق دولة داخل دولة قد تشكل تحديا للقبضة الحديدية التي تسعى الى تطويع المجتمع ورضوخه واحتوائه داخل التجمعات الرسمية. فالعمل الجماعي المستقل لا يزال مرفوضا وكذلك الحوار الذي لا يكون تحت مظلة رسمية لذلك هي تحارب قدرة التنظيم التي تمرست بها مجموعات الاخوان المنتشرة محليا وعالميا حتى لا تصل الى مرحلة تنافس وجودها على الساحتين المحلية والخارجية.

ثالثا: تهاب السعودية من اي خطاب اسلامي لا يتخندق خلف الفرز الطائفي والتي سعت السعودية الى ترسيخه لتقسيم المجتمع الاسلامي وجره الى صراعات طائفية دموية خاصة في مجتمعات عرفت التمازج والتعايش ومن هنا جاءت الحساسية السعودية من الانفتاح المصري تحت حكم الاخوان على ايران مثلا والتي جاءت ثورتها بعد ان تأثرت بفكر الاخوان في الخمسينات بعد ترجمة هذا الانتاج الى اللغة الفارسية من قبل رموز في الثورة الايرانية حينها. فلا تزال السعودية تعيش على امل عودة مصر الى خطابها السابق تحت حكم مبارك والذي اصطف مع السعودية ضد ما يسمى بالهلال الشيعي واعتبرت التقارب الآني والمرحلي بين مصر وايران نتيجة الفكر الاخواني وافرازاته التي تهدد خروج مصر من الهيمنة السعودية وتثبيت استقلالية قرارها وسياستها. فمصر تحت مبارك اقرب الى السعودية سياسيا واستراتيجيا من مصر تحت حكم الاخوان.

رابعا: تتبنى السعودية موقفا لا يمكن للاخوان خاصة في مصر ان ينجحوا فيه. فان هم طبقوا القيود على المساحات الاجتماعية تتهمهم بالصحافة السعودية بالتضييق على البشر ومصادرة الحريات الشخصية والانتقال الى مرحلة الديكتاتورية العسكرية المتدنية وان هم لم يقيدوا العلاقات الاجتماعية ويطهروا المساحات العامة من ممارسات تتعارض مع الاسلام فيتهم هؤلاء ان اسلامهم مزيف مائع لا يلتزم بالثوابت الدينية.

فمن منظور سعودي يبدو ان الاخوان خاسرون ان فعلوا او لم يفعلوا. وقد تصدر الترويج لمنطق الخاسر في الحالتين طيف كبير من الاقلام السعودية الرسمية والتي تندب التضييق على الحريات الشخصية تحت حكم الاسلاميين وكأنها تعيش لحظة الحريات في بلادها التي لا تقيدها الممارسات السعودية التسلطية. وتريد مثل هذه الاقلام ان تنجر مصر تحت حكم الاخوان الى الجدل المحتدم في السعودية تحت موضوعات مختلفة منها الاختلاط بين الجنسين وعمل المرأة وغيره من مواضيع اجتماعية طغت على الجدل العام في السعودية.

ولا ينتبه هؤلاء ان مصر تحت حكم الاخوان او غيرهم لا تستطيع ان تتخذ موقفا من هذه القضايا والتي يفرض ترتيبها الوضع الاقتصادي وتمرس المرأة في العمل خارج منزلها ليس موضع نقاش او سياسة تقرضها الدولة خاصة في بلد يعيش ضائقة اقتصادية فعمل المرأة المصرية ليس ترفا بل ضرورة اقتصادية قد تكون السعودية وصلت الى هذه المرحلة والتحقت بمصر دون ان تعترف بذلك قيادتها. ويظل جدل تأنيث المحلات التجارية خصوصية سعودية لا يمكن ان تتكرر في اي بلد عربي مجاور او بعيد تحت حكم الاخوان او غيرهم. من اجل هذه الاسباب ستظل العلاقة السعودية مع الاخوان مضطربة ولن تنتهي حتى بعد ان سقط حكم مرسي فالسعودية لا تعارض فقط وصول حكم الاخوان الى السلطة بل هي تجد في هذا التنظيم خطرا ان كانوا في الحكم او خارجه.

وكما تصدت السعودية لتيارات سياسية سابقة قومية كانت او يسارية ستظل تتصدى للاخوان وتنظيمهم بغض النظر عن ايديولوجيتهم وممارساتهم السياسية لان النظام السعودي يقوم على ضرورة محاربة الفكر السياسي ومؤسساته واحزابه مهما كان لونها واتجاهها لانها تطرح رؤية قد تجذب اليها من يبحث عن مخرج لازمة انعدام الفكر السياسي في الساحة السعودية والذي حرص النظام السعودي على تفريغها من احتماليات تخيل نظام آخر غير الحكم الملكي الوراثي الاسري وان كانت الرؤية تعتمد على الاسلام في مرجعيتها فسيكون خطرها اكبر على السعودية حيث نافسها على احتكار الحقيقة. ولن ترضى السعودية على مصر الا ان حكمها شخص مفرغ من الفكر السياسي يدبر شؤونها دون مرجعية فكرية يعيد مصر الى دائرة الهيمنة والتبعية لدولة لا تزال تعيش على وهم قيادتها للعالم العربي والاسلامي.

بقلم: د. مضاوي الرشيد 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق