الصفحات

2 سبتمبر 2012

لماذا تتدخّل السعوديّة في ثورات الربيع العربيّ؟!


اسلام تايمز - تعتبر الثورة ـ حسب أشهر المنظّرين لها أكاديميّاً ـ عملاً جماعيّاً واسع النطاق هدفه تقويض النخب السياسيّة الحاكمة، وإحداث هزّة تنال من سيطرة النخب الاقتصاديّة والاجتماعيّة والدينيّة المرتبطة بالحكم المستبدّ.

فالثورات إنّما تنطلق في العادة من مجموعة مفاهيم ومعطيات، كالرغبة الشعبيّة العارمة في كسر احتكار السلطة السياسيّة والاقتصاديّة، والتمهيد لمجيء أنظمةٍ أُخرى تكون أكثر انفتاحاً وشفافيّةً من الأنظمة القديمة.

واليوم نحن نقف أمام سلسلةٍ جديدة من الثورات.. ثورات سمّتها وسائل الإعلام العالميّ (الخاضعة لهيمنة التوجّهات الأمريكيّة) بـ "ثورات الربيع العربيّ"..

ومهما كانت التسمية الإعلاميّة المتّبعة وخلفيّاتها، فإنّ هذه السلسلة من الثورات قد تميّزت بمعطياتٍ جديدة لم تعرفها الثورات من قبل.. لعلّ أهمّها غياب النخب القياديّة والشخصيّات الكاريزميّة، حيث لم تعرف هذه الثورات بطلاً ثوريّاً مشهوراً، أو شخصيّةً قياديّةً جامعة، أو حتى حزباً واحداً يقودها، بل إنّما انطلقت من حالةٍ جماعيّة تبلورت في الميادين والساحات.

وعلى الرغم من مشاركة قوىً سياسيّة واقتصاديّة قديمة في حراكها خلال فترة طويلة، إلّا أنّ هذه القوى ظلّت غير قادرة على جمع فصائل المجتمع، حتى جاءت اللّحظة الحاسمة، وبلغ الحراك الثوريّ أوجّه، فانخرط تحت سقفها طيف من العمّال والطلّاب والناشطين وعموم الناس الذين لا علاقة لهم بالسياسة من قريبٍ ولا بعيد، وإنّما يغلب عليهم الهمّ المعيشيّ، والتوق إلى العيش بحرّيّة، والتحسّر على كرامةٍ أضاعوها لسنواتٍ طوال...

وللأسف الشديد، فقد مهّد هذا الوضع ـ مع ما رافقه من فوراتٍ عفويّةٍ أو فوضويّة ـ للقوى السياسيّة التقليديّة (التي لم تسلم ـ في الغالب ـ من التورّط مع الأنظمة السابقة في بعض الصفقات والمشاريع المشبوهة) أن تستثمر اللّحظة الثوريّة الآنيّة، لتخرج هي بحصّة الأسد من هذا الحراك الشعبيّ الجمعيّ، منظّرةً للثورة، ومناديةً بمبادئها، ومروّجةً لشعاراتها، وكأنّها هي التي قادت هذه الثورات، أو كأنّها هي التي تصدّرت حراك الناس، وتسبّبت في غليان الشوارع والأحياء..

وهكذا شرعت هذه القوى التقليديّة (التي كان على مروحة الثورات أن تطالها هي أيضاً) مباشرةً في الالتفاف حول الثورات العربيّة، وادّعاء احتضانها، بل وقيادتها؛ لغرض قطف ثمارها لصالحها، تمهيداً لتحقيق منافعها الخاصّة، ومآربها السياسيّة الضيّقة..
والملاحظ في الثورات العربيّة أيضاً أنّها اتّسمت بكثيرٍ من التدخّل الخارجيّ، العالميّ أو الإقليميّ. ما جعلها تترنّح أحياناً، وتتأجّل أحياناً أُخرى، بل أُجهض بعضها وفشل، إمّا بفعل التدخّل العسكريّ المباشر، أو بالمناورة ومحاولات الالتفاف وتضييع الوقت، تحت شعار مبادراتٍ عالميّة أو إقليميّة.. فقد بلغ هذا التدخّل الخارجيّ في شؤون الثورات حدّاً ضاعت ـ أو كادت أن تضيع ـ معه الهويّة الحقيقيّة لتلك الثورات، ليبدو الحراك الثوريّ في كثيرٍ من الساحات وكأنّه وليد لمصالح الخارج محضاً، وليس وليداً لإرادة داخليّة، أو رغبةٍ وطنيّة جامعة!!

ولعلّ السبب الرئيسيّ في هذا التدخّل الخارجيّ في كثيرٍ من شؤون الثورات العربيّة هو أنّ عيون الخارج، وبالتحديد: عيون المحور الأمريكيّ، قامت برصد أنّ هذه الثورات لو حافظت على انطلاقتها الوطنيّة، وبقيت تعبّر عن الرغبة الحقيقيّة للشعب وأفراد المواطنين، فهي ـ دون شكّ ـ سوف تشكّل خطراً حقيقيّاً على دول الجوار، وبالخصوص: دول "الاعتدال الخليجيّ"، التي لم يحن الأوان بعد للاستغناء عنها أمريكيّاً (بسبب امتلاكها مخزوناً من النفط والطاقة لم ينضب بعد!!!)...

ومن هنا، فقد تمّ الدفع بتلك الدول، وعلى رأسها السعوديّة وقطر والإمارات، لأن تتصدّى لقتل الثورات ووأدها وهي في مهدها، وهذا ما حصل ويحصل في بلدٍ كتونس ومصر، ورأيناه بشكلٍ سافرٍ جدّاً في ليبيا واليمن والبحرين، ونراه الآن أيضاً، وبأردأ صوره وأشكاله، في سوريا..
ولا يفوتنا هنا أيضاً وجود عامل آخر يدفع بمثل المملكة السعوديّة إلى محاربة الثورات العربيّة، وهو يمثّل عاملاً داخليّاً ذاتيّاً، بعيداً عن ضغوطات الخارج وإيحاءاته. وهو ـ هذا العامل الذاتيّ ـ عبارة عن التوجّس من أن يطالها المدّ الثوريّ، وبخاصّةٍ أنّها قريبة جغرافيّاً من أماكن اندلاع الثورات، وقد يكون لها إمّا حدود مشتركة مع الثورة، او امتداد بشريّ متّصل، كما في الحدود (السوريّة ـ التركيّة)، أو (السوريّة ـ الأردنيّة)، أو (السعوديّة ـ البحرينيّة)، أو (السعوديّة ـ اليمنيّة).

فالخوف على الأوضاع الداخليّة، هو ما دفع بالسعوديّة ـ مثلاً ـ إلى أن تتصدّى لمساعدة ثورةٍ ملتهبةٍ هنا (كما حدث في ليبيا)، أو قمع ثورةٍ ملتهبةٍ هناك بالتدخّل المباشر (كما يحدث في البحرين)؛ لأنّها بذلك تكون أقدر على احتواء حالة ما بعد الثورة، والتمهيد لعلاقة اكثر التصاقاً بجارتها لتضبط تداعيات التغيير، وتُحكم سيطرتها على الدولة المجاورة مستقبلاً.

يُضاف إلى ذلك أيضاً: الخوف من إفرازات الثورات، واحتمال أنّ أنّها قد تطيح بالطاقم الحاكم القديم، وتأتي بطاقم جديد قد يناصب العداء للسعوديّة ومثيلاتها، ويرفض التبعيّة لدولة الجوار.
ومهما يكن من أمر هذه الاحتمالات أو المبرّرات التي طرحناها، فإنّها ـ بكلّ تأكيدٍ ـ تبقى أفضل وأحسن حالاً بكثير من الكذبة التي تحاول السعوديّة تسويقها والترويج لها، وهي كذبة أنّ السعوديّة إنّما تدعم الثورات العربيّة انطلاقاً من حرصها وخوفها على الشعوب العربيّة ومصالحها وحقوقها وحرّيّاتها!!! 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق