7 سبتمبر 2012

مغمورين تحت سياط الجلاد.. رسالة من سجن ذهبان


في رسالة من ذوي المعتقلين بسجن ذهبان بالسعودية، حملت اسم "مغمورين تحت سياط الجلاد"، كشف الأهالي عن صور مظلمة لما يحدث داخل السجن، وفيما يلي تفاصيل الرسالة التي تنفرد الوكالة بنشرها.
عندما ننظر إلى المنطقة الواقعة بين مكة والمدينة نتعرف على منطقة شهدت أحداث مهمة جعلها الله سببًا لتغير العالم وعزة الإسلام والمسلمين أما الآن وبعد هذه السنين عادت هذه المنطقة لتدون صفحة سوداء في تاريخ الامة، لم تتغير المعالم كثيرًا فالرسول صل الله عليه و سلم والصحابة رضوان الله عليهم الذين اتخذوا هذه المنطقة طريقا للعبور والوقوف مواقف العزة لنصرة هذا الدين يشهد أحفادهم اليوم من اجل نصرة هذا الدين صورا من البغي والعدوان وألوانًا من التعذيب والنكال في صرح الجور والطغيان أو مايعرف باسم سجن ذهبان.
يشد الناس رحالهم من مدينة جدة متوجهين الى مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يشاهدون على يمينهم اثناء الطريق تلك البنايات الممتدة تحت حراسة مشددة يلفت الانظار اضواء الكشافات المنبعثة منها بعد غروب الشمس , انواع العدة والعتاد ومئات المجندين, كل هذه الحشود لم تسخر لحراسة الدين او لتحرير فلسطين او لمقاومة اليهود والنصارى بل على العكس من ذلك تماما.
تربض هذه المنشآت الماثلة للمار على طريق المدينة تخفي بين مرافقها ودهاليزها صور الظلم والجور , ولو أن للظلم رائحة لفاحت أنتن الروائح من بين جدران هذا السجن وزنازينه , تخيم الكآبة على جنبات القسم الجماعي الحاوي لـ12 جناح , يخترق كل جناح ممر طويل تفتح غرف المعتقلين عليه وتبلغ14 غرفة يختلف عدد الموقوفين في كل غرفة فيما لايزيد في العادة على 8 ولا يسمح للنزلاء بالخروج منها , يطبق الصمت على هذه الاجواء الكئيبة ويسود الرعب خوفا من بطش السجان وقهر السلطان, يصطف كل جناحين بشكل رأسي , يفصل بينهما دائرة للمراقبة , هناك 6 دوائر يصل بينهما ممر واسع , تكثر الحركة في هذا المكان مابين تحركات العساكر ونقل السجناء في اثناء وقت الدوام تقريبا 6 ساعات في النهار وبعدها تسكن الاجواء سكون الأفاعي في جحورها , عدسات المراقبة تغطي أغلب مرافق المنشأة وأجهزة التصنت تشارك النزلاء حديثهم , كثيرا مايخرج السجين من غرفته وزنزانته دون إعلام عن الوجهة أو المكان المتوجه إليه فيحمل نفسه متكأكئ الخطوات إلى المصير المجهول, ان المعادلة في رأس السجين هي أن المصير المجهول قد يكون أفضل من المصير المعروف , حال الرفض الذي يصل إلى السحب والضرب والإهانة أو الزيادة في مدة البقاء في السجن .
يقوم بالضرب والقمع قوى مخصصة لذلك , ترتدي لباس أسود ويغطي أفرادها وجوههم بالقناع الأسود, مدججين بوسائل القمع من السياط والهروات وعصي الكهرباء, في الغالب ان افرادها من ذوي الأجساد الضخمة الكبيرة, ينتظرون أدنى اشارة من أي ضابط بالحاق الاذى بأي معتقل , يظهر لكثير من النزلاء ان دور هذه الفرقة غير ثابت على أفراد معينين , وكل مجند يجب ان ينفذ الأوامر لو طلب منه ذلك, وهنا قد يستغرب بعض القراء مالذي يدفع اناس للتعامل بهذه الوحشية وكيف نزعت الرحمة من قلوبهم الى هذا الحد ومن اين اتو وكيف تجمعوا ؟
حقيقة هؤلاء انهم ابناء قبائل وأسر وعوائل معروفة في الغالب , اما عن هذه الهمجية والجراءة على تعذيب انسان بدون تفريق بين شاب وكهل وعجوز وانسان معافى او مريض فهذه تبدأ مع اعتياد مشاهدة هذه المناظر , فيتبلد الاحساس ويموت الضمير, يدفع هؤلاء المجندين من ضباط وافراد الحصول على المرتب الشهري الدسم وتحفزهم الاوسمة والرتب وجمع النقاط وكسب رضا المسئولين الاكبر منهم بالتقرب اليهم بالمشاركة في مثل هذه الاعمال, ويحثهم على ذلك الدكاترة الملتحفين بجلباب الدين والنصيحة ويقنعهم رأي ولي الأمر ادرى بالمصلحة , وتنتشر بينهم مقولة أنا عبد مأمور ويقصدون بذلك أن الاثم الذي يحيك في صدورهم انما هو على الآمر وماعلموا او تناسوا وغفلوا ان هذه بعينها حجة جنود فرعون مع ذلك يقودهم للإنقياد الخوف من صروف الدهر والرغبة في الاستقرار الاجتماعي , حتى وإن كان الاستقرار النفسي لم يتم بالشكل المطلوب, هذا من جانب وتبقى جوانب اخرى قد يطول المقام بذكرها علما أن بعضها أشد فضاعة مما ذكرناه وكل ذلك على المستوى العام, اما عن المستوى الشخصي والمواقف الشخصية فهي كثيرة ومتعددة وفوق نطاق الحصر , منها مايقطع القلب كمدا وحسرة وتدر له أعين الغيورين والمنصفين .... .
قد أستغرق في الوصف فتخنقني العبرة وقد أختصر الذكرى ثم أندب الحسرة , لمثل هذا يذوب القلب من كمد ان كان في القلب اسلام وايمان , يحل شهر رمضان فيستعد كثير من المسلمين للإستكثار من الطاعات في معتقلات الاستبداد على ثرى مهبط الوحي يستعد السجناء كذلك لمثل هذه المناسبة , يقضون ليالي هذا الشهر بين الصلاة وقراءة القرآن في الغالب , ويختلف الوضع بعض الشئ باختلاف الاشخاص, اذا هم مسلمون ولكن لابواكي لهم , فهم اليوم بين طي النسيان وعجز اهل الايمان.
ان حقيقة هؤلاء انهم بشر لهم مشاعر واحاسيس بعضها مرهفة فيهم المشايخ والعلماء والشعراء والادباء, وبينهم المهندسين والاطباء والسواد الاعظم فيهم من الفضلاء والعقلاء ولايخلو كل هذا الجمع من بعض العامة والغوغاء.
يدخل شهر رمضان وتنصرم ايامه على اهالي هؤلاء المغمورين المشوهة سمعتهم اعلاميا لأجل مصالح سياسية لاترحم شيخا أنهكه الهرم , اوعجوزا اتعبها السقم ومع هذا كله انجرف ضحية لهذه المآرب الخبيثة اطفال يعايشون اليتم وصغارا وكبارا اضناهم الظلم , فليقل قائلهم كما قال ابو يوسف (انما اشكوا بثي وحزني إلى الله) تطوى الايام والاشهر والسنوات وتلتهب معها مشاعر اهالي المعتقلين فتكدر صفو حياتهم ذكرى ابناءهم وفلذات اكبادهم فأبناءهم اموات في عداد الاحياء, ان هؤلاء الاسرى بعد الاحكام الجائرة في حقهم والسنين المطوية من اعمارهم وتطويفهم بعد انقضاء احكامهم مع اخبار من قضوا نحبهم في السجون تحت ظل ظروف غامضة , بدعوى انهم انتحروا اصبحوا بالنسبة لأهلهم لا أحياء فيرجون ولا أموات فينسون , في نفس الوقت الذي لايبقى فيه الروافض داخل هذه السجون أكثر من بضعة أشهر يزفوه بعدها الى اهاليهم ويستقبلون استقبال الفاتحين . ان واقع الاهالي يحمل من المرارة ولوعة الفراق الشيء الكثير .
(الانتفاضة الاولى لسجن ذهبان)
اعتاد بعض سكان مدينة جدة في شهر رمضان بعد صلاة العصر التوجه الى الشاطئ لتناول الافطار بعد مشهد الغروب ..
في نفس الوقت تقريبا وفي 1433/9/2 الكآبة الموجودة في مرتع الظلم في سجن ذهبان على ماهي عليه يسري في هذه الاجواء الرهيبة ضحكات عسكر المراقبة واحيانا اصوات حديثهم وصراخهم , الاجواء الرتيبة في ممرات الاجنحة كما هي في الجناح رقم 11 بدأ يسري صوت سرعان مابدأ يرتفع انه شجار بين احد العساكر والسجناء انتهى باستغاثة السجين بباقي السجناء لقد كان يغلبه البكاء حتى انه لايكاد من شدة البكاء أن يتضح ماذا يقول , لقد كان يرفع صوته المتحشرج مستغيثا بالسجناء , فكان من كلامه (العسكري كسر يدي, ضربني, انصروني يااخوان انا اخوكم , انتم نصرتم المسلمين في العراق وافغانستان انصروني, هذا ظلمني) في مثل هذه المواقف يتذكر المسلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم : لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب إلي أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الاسلام لأجبت .
إن السجناء يعيشون حالة من الاحتقان عصيبة , فكان هذا الموقف شرارة الفتيل المتفجر للثورة على الظالم , فثار قرابة السبعين موقوف في الجناح وبدأوا بطرق الابواب بالكاسات , ثم تصعدت الاوضاع فكسر بعضهم الابواب الحديدية لدورات المياه وحمولها يضربون بها الابواب الموصدة على الصالة, كانت اصوات الارتطام مدوية, يخيل للواقف وسط الجناح أن الارض تميد ثم لم تلبث النوافذ المغلقة وسط أبواب الصالات أن تتفتح من جراء الضرب عليها , شاهد السجناء بعضهم البعض عبر هذه النوافذ , فكان ذلك لوحده بمثابة النصر وتبادلوا منها الحديث والتحايا, الان أصبحت الصالات متواصلة مع بعضها داخل هذا الجناح .
بدأت ادارة السجن تتفاعل مع الوضع فقامت باخراج السجين الذي تعرض للأذى من العسكر ووعدوه باصلاح الوضع, وهددوه ان لم يهدئ الوضع في الجناح فسوف يحصل له مالا تحمد عقباه , ثم قاموا باخراجه في ممر الجناح واخذ يطلب من باقي السجناء عبر النافذة العودة للهدوء لكن السجناء لم يكن الدافع الذي اثارهم هو ارجاع الحق الشخصي لعبد الله فحسب بل كان الدافع الاكبر حينها هو كف الظالم عن ظلمه الذي طال كل الموقوفين , فاليوم هو عبد الله وغدا غيره ومن أمن العقوبة أساء الادب.
يبدو أن الوضع أخذ يتصعد بشكل أكبر فبدأ الضباط يتوافدون داخل ممر الجناح ومع دخول أي أحد منهم يضاعف السجناء الطرق على الأبواب وفي مشهد يظهر الشجب والاستنكار حاول الضباط تهدئة الوضع والاستماع لمطالب السجناء وجميع السجناء يرفضون التحدث معهم لعلمهم أن هذه حيلة للامتصاص تنتهي بالوعود الكاذبة يخرج المستفيد الأكبر منها هم الضباط , حضر في تلك اللحظات كبار الضباط والمسؤولين في إدارة السجن الذين كان السجناء يطالبون مقابلتهم لتحسين الأوضاع وحل المشاكل قبل هذه الثورة ولكن لا حياة لمن تنادي , الآن حضر هؤلاء الضباط إذاً هم متواجدين وعلى علم بكل ما يحدث ولكن هذه سياسة الكبت , فكان من أوائل الداخلين للجناح النقيب بندر بزيع البيضاني الحربي المعروف بإقتحامه لقمع المعتقلين ثم تبعه محمد مزيد ثم جاء كبار الضباط فحضر عصام الغالبي المعروف بشدة بطشه بالموقوفين والتنظير لسياسة التضييق داخل السجن بعدها حضر مساعد مدير السجن العقيد ماجد السقا الذي لم تشهد إدارة سجن ذهبان ضابط أشد شراسة وتنكيل واضهاد للمعتقلين مثله ولم يحضر مدير السجن العقيد حسين الشهري كعادته في الإختفاء من السجناء .
استوت الرغبة في الحياة مع الرغبة في الموت لدى كثير من المعتقلين وبعضهم يتمنى القتل على أيديهم ولا غرابة في ذلك فالسنين المغصوبة من حياة السجين والأمراض التي تعتريه في هذه المخازن البشرية كفيلة بتحقيق هذه الأمور , وكان هناك شريحة من السجناء يطلبون المواجهة وتسمع هتافهم من خلف الأبواب "يا شباب حاولوا تجرونهم لمواجهة" إن أغلب المعتقلين لا يشكون أن قتلهم شهادة فاستشرفت نفوسهم للموت استشراف المنتظر للمسافر القادم قال النبي صلى الله عليه وسلم "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه" .. اقسمت أن أعيش بعزتي .. بكرامتي أو أن تدق عظاميا .. ضج الجناح بالتكبير حينها وجادت القرائح حينها بكلمات التصبير واستحثاث الهمم بعد انصراف الضباط خائبين قدم الرائد سعيد هادي القحطاني ضابط المناصحة أو ما يسميه البعض سفير النوايا الحسنة للتحدث مع ياسين العمري المعروف بسالم الشريف "زوج أروى بغدادي" الذي اتفق سجناء جناح 11 على تعينيه متحدثاً باسم الجناج فكان جواب المتحدث واضح : إن كان عندك صلاحيات أو أني أرفض التحدث معك فانصرف الرائد ليبحث الموضوع , لم يستقبل السجناء طعام الإفطار في منظر للإضراب الجماعي حتى تلبى مطالبهم في رد حقوقهم المغصوبة , مضى نصف الليل تقريباً وممر الجناح خالي بعدها قدم شخصين يمثلون حقوق الإنسان , الأول الدكتور مازن بترجي والثاني مرافق له وتصحبهم فرقة من العساكر , وقدموا على صالة المتحدث صالة 6 وقبل التفاوض طلب السجناء انصراف العساكر فانصرفوا ,
كانت في مستهل الأسئلة المطروحة من قبل الممثلين ما هي طلباتكم ؟ كان السجناء يتابعون ما يجري عبر النافذة فكان الجواب جماعي من خلف الأبواب الموصدة تكاد تنتظم بصوت واحد "نريد إطلاق سراح"
أخذ الدكتور يشير بيديه ويهديء الوضع ويعد النزلاء بالمرور عليهم والسماع منهم _تحسب لهذا الدكتور رحابة صدره وجديته في عمله_ بعدها استمع للمتحدث الذي طلب بدوره أن يخرج من الصالة ويمر على باقي الصالات لمساعدة الموقوفين وتوضيح الصورة بشكل أفضل لم تمانع إدارة السجن فخروجه يصب في مصلحة الطرفين .
يعد ياسين العمري شخصية معروفة على مستوى السجن يكّن له غالب السجناء الود والإحترام خصوصاً بعد ما جرى لزوجته أروى في هذه السجون من تعذيب أثار تعاطف الكثيرين معه ويرجع هو وعائلته وزوجته في نسبهم إلى الأشراف "آل البيت" وكذلك أم زوجته الذين جرجروا جميعاً في السجون في موضوع يطول ذكره يدمى له القلب وتجود لمثله أعين الغيورين ، ومع ذلك لم يستغل ياسين هذه الأوضاع لأجل مصالحه فكان يقدم مصالح وطلبات سجناء الجناح بالرغم أنه حينها وحتى كتابة هذه الورقات يفتقد أبناءه الذين غيبتهم إدارة المباحث العامة بحجة أن تنظيم القاعدة يجند دور الرعاية فأبناء ياسين هم أبناءه من الرضاعة الذين أخذوا من الدور وربوا مع عائلته منذ نعومة أظافرهم غصبوا فيما يسمى بمملكة الإنسانية في مطلع عام ١٤٣٢هـ
كان وقتها مصطفى يبلغ من العمر ٩سنوات وياسين ٨ سنوات ووليد الذي لم يبلغ الـ ٣ سنوات هذا الأخير كان في زنزانة الحبس الإنفرادي مع أخويه يظل يبكي الأيام ولا يجد من يغير له الحفاظ مما تسبب له ببعض الأمراض لقد كانت أخبار هؤلاء الأطفال الثلاثة فاجعة مأساوية في بدايات سجنهم ثم انقطعت أخبارهم ليس هذا هو موضوع الحديث علماً بأن قضية ياسين تحوي فصول وتفاصيل مأساوية كثيرة فيها ماهو شر من ذلك بكثير ..
بعدما حصل في الجناح ١١ التقى الدكتور مازن بأغلب الموقوفين في الجناح إن لم يكن جميعهم وكان يستمع ويدون ثم دون السجناء اسمائهم ومدة سجنهم ومدة أحكامهم ثم خرج الدكتور مازن بمرافقة ياسين من قبل مساعد مدير السجن إلى مكان آخر خارج الجناح وتم التفاوض على الوعد من قبل الممثل لحقوق الإنسان بمتابعة الوضع وبذل ما يمكن ورفع كامل الطلبات للمختصين في المقابل تهدئة الوضع لمدة اسبوع واحد وبعدها قطع الدكتور مازن بترجي وعداً بالحضور وإخبار ياسين بكل ما جرى لمطالب السجناء وقبل أن يوافق ياسين اشترط على مدير السجن الوعد بعدم الغدر بإدخال قوى مكافحة الشغب للإنتقام من السجناء ووافق مساعد المدير بقوله "عيب يا أبو شرف" بعدها طلب ياسين من السجناء بالجناح تهدئة الوضع في الجناح واستقبل السجناء تلك الليلة طعام السحور .
إن عدم التزام الهدوء سيجر إدارة السجن لمواجهة وهناك كبار في السن جاوزوا الـ60 وتهدئة الوضع لمدة اسبوع على امل تحسين الاوضاع واخراج بعض الموقوفين لم يكن رأي ياسين ولكنه امر استحسنه اغلب السجناء في الجناح, في الثلث الاخير من تلك الليله بدأت أصوات طرق الابواب ترتفع في جناح (12) إن سجون الاستبداد كلها قابلة للانفجار في لحظة وفي وقت واحد ومن غير تنسيق لقد طفح الكيل وبلغ السيل الزبى ، في 9/3 وبعد صلاة العصر بدأت أصوات سجناء جناح 12 ترتفع لنفس المطالب ونفس ماحصل تقريبا من الطرق والاستبسال استطاع بعض السجناء في الصالات القريبة من دائرة المراقبة في جناح 11 مشاهدة مايجري عند دائرة المراقبة الفاصلة بين الجناحين 11, 12
كان المنظر مروع ضرب وسحب للسجناء العزل من صالة 10 في جناح 12 كان الضرب مبرح كان احدهم هو فهد السميري الأخ أكبر لعبد الله السميري وهناك عبد الله العنزي وعبد الرحيم السميري وغيرهم, ان هذا التصرف القمعي بالنسبة لسجناء 11 يعد من بوادر الغدر والخيانه , وقد قال عليه الصلاة والسلام : انصر اخاك ظالما او مظلوما , فثار المعتقلين في جناح 11 مرة اخرى وبدأوا بضرب الابواب بكل شجاعة وعنف وارتفعت المعنويات واستمات المعتقلين في النصرة واستعدوا للمواجهة بكل ما أوتوا من عدة وعتاد والتي لاتزيد أن يكون قطع حديدية من حطام الابواب وأدوات حادة , بعد سقوط الانظمة المستبدة ارتفعت راية الاستبداد بكل بجاحة ووقاحة وللاسف انها في مهبط الوحي وعلى عادت المستبدين في فرض سيطرتهم بالإرهاب في الوقت الذي ترتفع فيه شعارات الدعوة للحوار .
على اثر ماحدث في جناح 11 اقتحمت فرقة من المقنعين باللباس الاسود والدروع الواقية لترتكب أبشع الجرائم باسم النظام , يقود الفرقة الضابط هاني الجعيد , توجهت فرقة لاقتحام صالة 6 بالرغم من دخولهم لاثارة الرعب فلم يتوقف السجناء عن طرق الابواب , هذا التكاتف يوحي بالاستعداد للمواجهة واقرارا منهم بأن الظلم الواقع أشد من سياط الجلاد , لم يفتح الباب لهم في صالة 6 بالرغم من محاولتهم لفتحه , فتوجهوا بسرعة إلى صالة 2 وقاموا باقتحامها .
إن السجناء يعلمون أن الضرب الذي سيحصل لهم قد يودي بحياتهم أو يتسبب لهم في العاهات أو الأمراض المزمنة ولكن الأمر هو نصرة المظلوم , وكف الظالم عن ظلمه , حتى لو كان المقابل كل هذا , هؤلاء الأباة يقفون موقف الأبطال الأشاوس ويصمدون في الشدائد إذا تراجع أهل الكلام وإذا تقاعس المسلمون عن نصرتهم , يصورون لأمتهم وللمسلمين صور الحب في الله وينشئون للأجيال أمثلة الأخوة في الدين.
قامت الفرقة بإقتحام الصالة وحدث مشهد الاجرام الدموي بطشٌ بهؤلاء الضعفاء العزل ثم سُحبوا وسالت دماءهم في الجناح , ونقل بعضهم إلى العناية المركزة خالد وسامي جالس الصاعدي, ووجدي معوض , وياسر المزيني, وأحمد الغامدي, بالرغم من هذا المشهد المخيف فقد ثبت المعتقلين داخل الجناح, وكأنهم يطلبون نفس المصير, أضرب السجناء بعدها عن استقبال الطعام , تخللت هذه الأجواء بعض الأناشيد والكلمات الحاثة على الثبات وعلت أصوات التكبير .
انسحبت الفرقة بعد ارتكاب الجريمة وسحبوا معهم سجناء الصالة 2 , كل هذا مع الوعد منهم بالإنتقام من باقي السجناء والعودة إليهم .
بعد هذا الانسحاب كان ممر الجناح خالي وأصوات الثائرين في جناح 12 لم تنقطع وأغلق شبك جناح 11 بالكلبشات , يبدو أن إدارة السجن كانت تتوقع من السجناء كسر الأبواب , وهذا بالفعل ماكان سيحدث فيما لو استمر الضرب على الأبواب و حضر بعد ذلك أحد العساكر يصحب أحد عمال النظافة لإزالة آثار الدماء , وقتها تناوب السجناء على حراسة النوافذ والتأهب لأي اقتحام وتقسيم أوقات النوم , يبدو أن الجميع متوقع لحصول مواجهة .
على اثر ذلك كان من أوائل الداخلين للجناح الرائد سعيد , اقترب بحذر وتحدث مع احدى الصالات وأخبرهم أن لديهم نقل, ثم من بعد نظر إلى صالة 6 التي يطل من نافذتها اثنين من الملثمين , كان الوقت متأخر من الليل ويظهر أن الخوف اعتراه من هذه الأشباح التي تطلب الموت ففضل الانسحاب, وجاء وقت السحور فرفض السجناء استقبال طعام السحور, وما إن جاء وقت السحر حتى قدم أبو سياف ( محمد المطرفي ) أحد الشخصيات البارزة من المجاهدين القدماء , وأحد المعمرين في السجن ,يحترم كثير من المعتقلين رأيه وأخرجته إدارة السجن ليلعب دور الوسيط في التفاوض , جراء ذلك جرت مفاوضات مطولة وعدت فيها ادارة السجن بعدم الخيانة, وبعودة المعتقلين ..... بعد التحقيق معهم , وغض الطرف عن ماحصل من تكسير وطمس للكمرات -عدسات المراقبة- , ويتم الموعد الماضي لحقوق الإنسان على ماهو عليه , ويعطى السجناء أوراق يكتبوا فيها طلباتهم من إدارة السجن, وفي المقابل تدخل فرقة الطوارئ وتفتش الصالات والسجناء, وتسحب جميع قطع الحديد الموجودة , انتهت هذه المفاوضات قرابة الساعة 8 صباحا , ودخلت قوات الطوارئ وسحبوا الحديد وأشياء أخرى وأتلفوا أشياء أخرى , وبدأت إدارة السجن بعدها بوضع الغمة على أعين السجناء أثناء تنقلاتهم داخل السجن , وجاء الموعد المنتظر للدكتور مازن بترجي ولم يحضر وناب عنه ممثل آخر لايريد أن يطيل الإستماع ولم يظهر أي تفاعل .
لقد ثارت بعد ذلك أجنحة أخرى , وبعضها يوجد فيها من هو مضرب عن الطعام , استخدمت ادارة السجن خلالها ممثلي حقوق الانسان كإبر مهدئة للعنابر والسجناء, كل مافي هذه المعاناة نجد في المقابل أن الروافض الذين يكفرون السنة ويصرحون بمناوئتهم للدولة ويثيرون البلابل لأجل مصالح دينية وسياسية واضحة ويساهمون في عمليات عسكرية ضد النظام لا يلبثون بضعة أشهر .. إن وقوف أهاليهم معهم كان له بإذن الله وقع كبير في مصيرهم
هؤلاء المغمورين الذين كان لأهاليهم من الطيبة وحسن الظن ماصدقوا به الحملة الاعلامية المشوهة لسمعة أبنائهم واعتقادهم الضال بأن الدول تسعى في تقويمهم ومعاملتهم معاملة الأب لإبنه , فهذه دفعت ببعضهم للتبرؤ من أبناءه والآخر إعطاء الثقة الكاملة لسياسة المستبد المتقنع بقناع الرحمة .
ولكن الله متم نوره , فقد بدأت تظهر الصورة على حقيقتها, وقد تكون هذه السجون إن لم يفرج عن أبناء الشعب بداية الثورة في بلاد الحرمين , فاليوم عاد الأهالي يتضامنون مع أبناءهم , وغدت الأوضاع على فوهة بركان قابل للإنفجار في أي وقت , أرجو من الله أني كنت صادق في كل مانقلته فإن الله حرم الظلم حتى على الظالم , وأسأل الله أني كنت ممن تحرى الصدق في كل هذه التفاصيل (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خير الأنبياء والمرسلين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق