10 يناير 2013

الكويت ودول الخليج … من يسقط أولاً؟


الرياض  - نتمنى عاما سعيداً ولكن ما نيل المطالب بالتمني. رسالتان، اقتصادية وسياسية، ودعنا بهما باراك أوباما أو بالأحرى «فخخنا» بهما في انتظار من يضغط على زر التفجير، وكالعادة قرأنا وما فهمنا، أو فهمنا وما صدقنا، أو صدقنا وما استطعنا إلا… الصمت.

الرسالة الاقتصادية ان أميركا ستصبح مكتفية بإنتاج الغاز والنفط مع اكتشاف الحقول الجديدة بل وستصبح مصدرة للطاقة إلى أسواق كانت تعتمد بالدرجة الأولى على صادرات الخليج. نترك انعكاسات ذلك لحملة الآلات الحاسبة وللمسؤولين في المنطقة الذين رسموا استراتيجياتهم على أساس أن العالم ما زال يعتمد بشكل رئيسي على نفطنا… ونتذكر – فقط نتذكر – كم ضيعت الكويت مثلاً من الفرص التنموية في كل المجالات وكم فرطت في نعمة ارتفاع أسعار النفط من دون توجيه الفوائض إلى الصناعات البديلة والمشاريع العملاقة.

الرسالة السياسية، وهي مرتبطة بالأولى ارتباطا وثيقا، ان اكتفاء أميركا من النفط والغاز وقدراتها التصديرية الجديدة سيغيران دعمها للأنظمة الموجودة وسيسمحان لها بالحديث عن شرق أوسط مختلف، بل ذهب أوباما إلى التصويب على «الديكتاتوريين» وهو مصطلح يعني في أعرافه ومفاهيمه جملة من التوصيفات، تبدأ من عدم حصول تداول في السلطة مروراً بعدم وجود هيئات تمثيلية ورقابية منتخبة وانتهاء بالاستفراد والتسلط والقمع.

وكوننا نقرأ ونفهم ونصدق ونحلل، فالموضوعية تقتضي ألا نضحك على بعضنا بعضا، وان نسمي الأشياء بمسمياتها. أوباما في رسالتيه الأخيرتين يقصد دول الخليج النفطية تحديدا.

هل كشف ان أميركا كانت طيلة هذه العقود تبيع المبادئ من أجل المصالح؟ لا يهم، فلم نكن متوهمين يوما بان أميركا أم المبادئ.

هل كان الرؤساء الأميركيون يكذبون في حديثهم عن الصداقات والتحالفات والعلاقات التاريخية والاستراتيجية مع دول الخليج؟ بكل بساطة… ممكن و60 ألف ممكن.

هل كشف أوباما ان أميركا كانت تسايرنا من أجل سواد النفط لا من أجل سواد عيوننا؟ وحده الأحمق من يعتقد غير ذلك.

انكشف ما انكشف برسالتي أوباما، انما مرة جديدة يجب ألا ننشغل بتحليل نسبة المبادئ والسكر والدهون في دماء السياسة الأميركية. هذا شغل الأميركيين. علينا ان نهتم بمنطقتنا وتحديدا بـ «كويت ما بعد الرسالتين». فنحن وان كنا غير معنيين بقضية الديكتاتوريات لكننا في صلب هموم كثيرة ومخططات كثيرة وسيناريوهات كثيرة ترسم لا يمكن ان نغفل عنها.

الرسالتان، ومن دون مبالغة، قد تكونان سببا في تشكيل المنطقة لعقود طويلة، وعلينا ان نستوعب ان كلام أوباما لم يكن وليد ساعته أو «هفوة» إعلامية، تماما كما لم تكن المواكبة الأميركية الحثيثة للربيع العربي فجائية. هناك كلمة سر بالتغيير، أو بدعمه، أو برفع اليد عن أنظمة والتضحية بها، أو بانتظار نتائج تحركات الشوارع والميادين… وهناك قوى اقليمية كثيرة وجهات أكثر تركب موجة التغيير وتنقض عليه وقد يكون ذلك بالتوافق غير المعلن مع من كانت تعتبر «ام المبادئ».

كان النظام الديموقراطي (نسبيا) في الكويت وخلال السنوات الخمسين الماضية من أهم نقاط تميزها اقليميا. أسرة حكم وبرلمان منتخب وحكومة خاضعة للرقابة وشعب بينه وبين حكامه عهد وعقد، ودستور ناظم للعلاقات بين السلطات والمؤسسات. تدللنا كثيرا، وتراخينا اكثر، لأن بعضنا اعتبر الميزة التي نملكها دائمة ومستمرة تماما كما اعتبر البعض النفط ثروة دائمة ومستمرة، إلى ان بدأ الجميع باللحاق بركب الكويت في مجالات التنمية بشكل أساسي وفي المجالات السياسية والدستورية بشكل تدريجي… وإذا استمرت الوتيرة على ما هي عليه فلن نرى أي ميزة للكويت مستقبلاً خصوصاً إذا تقدم الآخرون وسبقونا في المجالين السياسي والدستوري كما سبقونا في المجالات التنموية.
إذا لم تنتقل الكويت إلى نظام أكثر تطوراً فلن تحافظ على بقائها، نقول ذلك ويدنا أكثر من غيرنا على قلبنا. نقول ذلك ونحن نرى أضلاع المثلث: الأسرة، السلطات والمؤسسات، الشعب… غير ذي قبل.

بعد أكثر من خمسين سنة على اقرار الدستور لم تتمكن أسرة الحكم من اقناع الناس بوجود صف ثانٍ أو ثالث مؤهل وقادر على الإدارة والمبادرة وتحمل المسؤولية والوقوف على مسافة واحدة من الجميع والارتقاء فوق الصراعات وان يكون القدوة في تطبيق القوانين والالتزام بالدستور. طبعا أصابع اليد ليست واحدة لكن التحضير بمعنى التأهيل المنظم المدروس لم نره حتى الآن… بل رأينا عكس ذلك من بعض أبناء الصفين الثاني والثالث.

وبعد أكثر من خمسين سنة على اقرار الدستور ها هو الأداء البرلماني والحكومي من سيئ إلى أسوأ. لن نطيل في هذا الموضوع لان الضرب في الميت حرام. يكفي ان نقول ان وسائل إعلامنا ما زالت تستذكر بالخير محاضر المجلس التأسيسي الأول لإظهار الفارق بين اللغة الحضارية والقدرات التشريعية آنذاك وبين لغة الحاضر وقدرات البعض اليوم. أما الحكومات فانتصاراتها تتمثل في ضعف البرلمان وشراء الذمم وعقد الصفقات وحماية الرؤوس. وبين المجلسين المتعاقبين على مر عقود اصبحت الكويت «منارة» للعمل الفردي الشخصاني المصلحي والغرائز الطائفية والقبلية والمذهبية.

وبعد اكثر من خمسين سنة ها هم الكويتيون وعلى رأسهم جيل الشباب يدفعون ثمن كل ما سبق وتنعكس عليهم أسوأ سلبياته. هل شباب الكويت الحائر اليوم بين دوائر البطالة وميادين السياسة وساحات الحراك الشعبي راضٍ عما يراه ويعيشه؟ الجواب معروف، فعندما تتعطل بوصلة الإدارة يسود الضياع، وعندما تتراكم الايجابيات والخبرات تتكون سلسلة مترابطة من التواصل بين الاجيال تفيد وتستفيد… لكن هذه السلسلة مقطوعة للأسف في أكثر من مكان. لقد اهملت الحكومات المتعاقبة الشباب كعنصر استراتيجي باعتباره الضلع الأهم، تعاملت معهم كما تتعامل التيارات السياسية والمرشحون للانتخابات، كل حسب المصلحة والظرف، ما أدى إلى فراغ كبير يسمح لأي طرف بملئه ولو على حساب الشباب انفسهم.

لو كان النظام السياسي الكويتي يملك رؤية عميقة ومستقبلية لتم استيعاب الجميع في الإدارة والشراكة، ولسبقت الكويت نظراءها في تطوير التجربة بإشهار احزاب وفق برامج وطنية تنموية حديثة لا تيارات طائفية أو مذهبية أو قبلية كما يحصل الآن، ولاتسعت المشاركة في السلطة على قواعد التحول إلى إمارة دستورية بالتدرج كما سمح الدستور لا كما تفرض الازمات، ولاستقام وضع الغالبيات والاقليات السياسية في المجلس والحكومة، ولتم استيعاب مختلف مكونات المجتمع وعلى رأسهم الشباب في قنوات التحرك والتعبير الشرعية على قاعدة برامجهم هم، واهدافهم هم، ورؤاهم هم، وجذبهم هم للحكومة والنواب إلى قضاياهم… لا على قاعدة استغلالهم في التجاذب بين مجلس وحكومة.

ما نيل المطالب بالتمني، ومع ذلك أتمنى ان يقرأ المعنيون ما سبق بعين أخرى غير العين التي قرأوا بها تصريح أوباما… اللهم إلا إذا اعتقد المعنيون عندنا ان الكويت هي آخر من سيتأثر من دول الخليج بينما الواقع يقول إنها قد تكون أول من يتأثر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق