18 نوفمبر 2013

السعودية بين مواجهة إيران و مواجهة الغضب الشعبي

بقياس ما تملكه السعودية من ثروات و موارد فان ما تحقق من تقدم في كل المجالات بعيد كل البعد عن المنتظر ، و بلدان عديدة في العالم أقل موارد و إمكانيات و أكثــر تعـدادا للسكان و أقل مساحة حققت معجزات غير متوقعة لن تصل إليها السعودية.
الأمطار الأخيرة و أمطار سابقة كشفت عيوب البنية التحتية السعودية و هشاشة التخطيط العمراني فضلا على عدم قدرة التعامل مع الحدث مما يحيل إلى سوء التخطيط الذهني ، الفشل السعودي تتحدث عنه كل الصحف ووسائل الإعلام بكثير من المرارة و الإحباط لكنها تمتنع كالعادة على توجيه الاتهام الصريح لمن يقف وراء هذا الفشل مكتفية بتلميحات باهتة أو بتحميل بعض المسئولين درجة عاشرة نتائج هذا الإخفاق .
التخطيط هو ما ينقص السعودية، و الفشل المتواصل في المجال الاقتصادي و التعليمي إضافة إلى الفشل السياسي في إدارة الأزمات و التعامل معها في العالم العربي كشف كل العيوب ، و بات من الواضح أن النظام يعانى من شيخوخة العقول المتحكمة في كل مجالات الحياة في السعودية، و من انسداد أفق من يقومون على إدارة البلاد و العباد على اعتبار أن الفشل هو نتيجة حتمية لسوء الإدارة و سوء الإدارة هو نتاج لفقدان العقل الحاكم للنظرة الاستشرافية التي تمكنه من التخطيط لكل الاحتمالات.
و لكنه من الأكيد أن النظام قد ترك الحبل على الغارب في مجالات كثيرة بحيث عمت الرشوة و الفساد و المحسوبية و غيبت الكفاءات تغييبا مقصودا و كان من نتائج هذا أن كشفت الأمطار بعض العيوب المزمنة المتراكمة فـي ” الداخل ” و كشفت الأحداث في سوريا بعض عيوب النظام المتراكمة في ” الخارج ” ، كشف الحساب هذا كان متوقعا لكثير من الملاحظين و المتابعين لكن الإعلام السعودي كالعادة كان يعزف في الاتجاه المعاكس.
من المعلوم أن السعودية تسخر كل إمكانياتها المادية و السياسية لأمرين لا ثالث لهما الأول الهاجس و الشماعة الإيرانية ، الثاني لضرب المظاهرات الشعبية المتواصلة و ” طمس” معالمها داخليا و خارجيا.
فالنظام لا تهمه البنية التحتية ، الاستثمار في البحث العلمي ، مواجهة تحديات المستقبل بكل أبعادها ، نشر الوعي الديني الوسطى ، نشر الإسلام في العالم ، مساندة القضايا العربية العادلة، الوقوف إلى جانب المستضعفين في الأرض، حوار الأديان، مناهضة التعذيب و مساندة حرية التعبير، فصل الدين على الدولة، التحرر من وصاية المؤسسة الدينية المتشددة، نشر ثقافة التسامح و البحث عن لم الشمل الطائفي العربي، الوقوف في وجه المشروع الصهيوني، تركيز إعلام متطور قادر على إعطاء الصورة عن الإسلام و المسلمين، إلى غير ذلك من العناوين المهمة التي نسمع عنها في السعودية و لا نراها على عين الواقع، لذلك هناك حالة تشابك مصالح و أهداف مع الصهيونية العالمية ، و هناك حالة إنكار لما يحدث بالداخل من غضب و مظاهرات و مطالبات يومية.
تستخدم السعودية ما بقى لها من نفوذ، أعنى ثروتها الهائلة لا غير، لتجييش دول مجلس التعاون الخليجي ضد إيران و الظهور في موقف موحد ضدها، لكنها لا تحصل على إجماع خليجي في هذا المجال لأسباب يطول شرحها و غاية ما “يمنح” لها هو بيان باهت متكرر في كل قمة خليجية يشبه بيانات التنديد و الاستنكار الهزيلة التي تصدر عن المؤسسة الفضفاضة الباهتة الأخرى الجامعة العربية التي أصبحت مدار تندر.
و في حين تواصل الجمهورية الإسلامية نشاطها و تقدمها في مجالات البحث العلمي بشكل لافت يشكل مدار بحث في كل الأوساط العالمية و مدار تخوف في كل الأوساط الغربية الصهيونية، يعتمد النظام السعودي على الإعلام و بعض القنوات الصهيونية لنشر فكرة مكررة تتحدث عن خطر شيعي خيالي لا يمكن أن يوجد إلا في شبه عقول تعودت على نظريات المؤامرة و الفزاعات الواهمة حتى تغطى فشلها في التعامل مع الأحداث و قدرتها على التعايش مع محيطها ، بما يعطى الانطباع لكل المتابعين أن هذا “الموقف” السعودي هو مجرد تهويش على الفاضى لان السعودية لا تملك أي مقوم من مقومات الوقوف ضد القوة الإيرانية ، أو أي مقوم من المقومات الاقتصادية للوقوف أمام تنامي القدرات الاقتصادية الإيرانية رغم الحظر القاسي الذي تنفذه الصهيونية العالمية بإسناد معلوم من هذا النظام الفاشل .
لعل النظام السعودي ، قد أدرك متأخرا بعض الشيء أن مصالح أمريكا و الصهيونية العالمية لا تقف أمامها مصائر الحكام العرب ، فتخلى الإدارة الأمريكية عن الرئيس مبارك رغم خدماته للصهيونية و لتركيز المشروع الصهيوني في المنطقة العربية مثال معبر.
لذلك فالنظام السعودي يقف أمام خيارين أحلاهما مر ، الأول مزيد نزع الثياب الأخلاقية الداخلية بتقديم خدمات للصهيونية على حساب المصلحة السعودية و العربية ، و هو ما يحدث في سوريا منذ ما يزيد عن السنتين ، الثاني مواجهة مصير محتوم بالسقوط ، و هو الخيار الذي أصبح في الأفق رغم محاولة النظام تأخير الآجال بضرب المعارضة الداخلية و تشديد قبضته الأمنية التي أصبحت تتراخى بفعل تنامي الضغوط الشعبية و فك عقدة لسان بعض وسائل الإعلام الغربية التي حاولت التعتيم لأسباب معينة عن كل خروق النظام .
تقول الكاتبة السعودية مضاوى الرشيد أن السعودية تستخدم المال النفطي لإسكات كل الأصوات المنادية بالتغيير ، و المساعدات المالية السعودية لمصر تأتى في سياق وئد تحركات الإخوان لمحاولة إرجاع نظام محمد مرسى.
هذه المساعدات لم تأت كما يسوق بعض إعلام النظام أو بعض المنافقين من إعلام مصر المحروسة لغايات”إنسانية” أو كموقف متميز تقفه السعودية ضد الضغوط الأمريكية على مصر ، فهذا هراء و تخيلات و نفاق إعلامي مكشوف يعلمه المتابعون للشأن المصري ، لان النظام باعتباره محمية أمريكية لا يتحرك ” خارجيا” إلا ضمن المجال المسموح به أمريكيا.
لذلك يمكن القول أن الأموال السعودية ستبعد قليلا عن المملكة ما يمكن أن يترتب عن رجوع الإخوان إلى سدة الحكم في مصر من خطر مشروع الإسلام السياسي الذي يشرف عليه حزب العدالة و التنمية التركي و يسطر عناوينه العريضة السيد أحمد داوود أوغلو وزير الخارجية التركي أو ستحبط أية محاولة إيرانية للوقوف ماديا أو اقتصاديا مع مصر .
يؤكد المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل هذا الاستنتاج بالقول أن ” المملكة قلقة جدا من الموجة الثورية ، إنها لا تريد أن تصل الموجة إلى شواطئ الخليج ” ، لكن هذا القلق لن يمنع التحولات الحاصلة في المنطقة العربية خاصة أن النظام بخاصيته الشمولية الرافضة للتغير و التغيير يستدعى الحراك الشعبي بشكل لا ريب فيه ، لان الوجدان السعودي قد تفطن أن هذا النظام لن يكون عصيا على التغيير بعد أن سقط الفرعون المصري تلك السقطة المدوية التي وصلت ارتداداتها إلى أسماع كل من يريد التغيير في مملكة العم ” صام ” ، بحيث لن يكون بمقدور النظام أن يقف في وجه التحولات التاريخية التي تحدث دائما كشكل من أشكال التجديد.

* أحمد الحباسى / بانوراما الشرق الاوسط

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق