بسم الله
الرحمن الرحيم
حسم
تطالب النظام السعودي بتحمل مسؤولياته تجاه الشعب والوطن وتغليب المصلحة الوطنية
على المصالح الضيقة للأسرة الحاكمة
الرياض,
المملكة العربية السعودية
الاثنين
26 ربيع الأول 1435هـ , 27 يناير 2014م
طالعتنا
قبل أيام إحدى القنوات التي أنشئت بأموال الشعب لتضليله محاولة تبرئة النظام
السعودي من خروج الشباب السعودي للقتال في الخارج محملة المجتمع وحده المسئولية
وزجت بأسماء رجال دين عرف عن بعضهم عدم تأييده لخروج الشباب للقتال في الخارج منذ
حرب أفغانستان حين كان النظام يزج بشبابنا علناً وبشكل منظم في حروب الوكالة,
وبعضهم عرف عنه قربه من النظام وبعض الأمراء.
والحقيقة
أن النظام السعودي هو الذي يتحمل المسئولية الكبرى, فنحن تحت سلطة مطلقة تتحكم في
كل شيء في البلد, وهي التي صاغت التعليم وثقافة المجتمع وفرضت عليه آيدلوجيتها
المتطرفة والاقصائية وبالتالي حتى الأشخاص الذين تتهمهم السلطة بالتشدد هم نتاج
مدرستها, وخلافها معهم ليس لتشددهم ولكن لأنهم وجهوا تشددهم تجاه السلطة وليس تجاه
المجتمع فقط كما أراد النظام, إن الخلل ليس في المجتمع وإنما في النظام السياسي
المستبد, وإذا أراد صناع القرار في النظام السعودي أن يعرفوا من هو المسئول
المباشر عن جميع مشاكل الدولة والمجتمع فعليهم الوقوف أمام المرآة ليعرفوا, فالنظام في
بلادنا ليس لديه مشروع ومشروعه الوحيد هو الاستئثار بالسلطة والثروة من دون الشعب
وتبعيته للأجنبي واعتماده على حمايته بدلا من أن يكون النظام مستمدا شرعيته وبقاءه
نابعا من إرادة شعبية.
ونتيجة
لذلك ارتبطت سياسات النظام الداخلية والخارجية بالسياسات والمصالح الغربية و رهن
ثروة البلاد ومقدراتها لتلك المصالح وبالتالي عدو الغرب هو عدونا, فمرة القومية
العربية ومرة الشيوعية ومرة الإيرانيون ومرة الإخوان المسلمون, وكل حقبة زمنية
يفرض النظام السعودي على المجتمع آيدلوجية معينة, ففي الستينيات فرض النظام على
المجتمع أدبيات الإخوان المسلمين ووصفهم بأنهم مجاهدون, لصد المد الناصري
(القومية/ اشتراكية عربية) وحينما اعتنق شريحة من المجتمع هذا الفكر يأتي الأمير نايف ليقول: "إن مشكلاتنا وإفرازاتنا كلها وسمّها كما شئت جاءت من الإخوان المسلمين", وفي
الثمانينيات في ذروة الحرب الباردة فرض النظام على الشعب خطابا دينيا متشددا يحارب
التسامح والتعددية ويعتمد العنف ويعادي معطيات العصر, ولم يكتف بفرض هذا الخطاب في
الداخل بل دفع أموالاً هائلة لتصديره للعالم الإسلامي, واليوم نرى نتاج هذا الخطاب
المدمر في جنوب آسيا وأثره التدميري في إعاقة تقدم الثورات العربية نحو أهدافها,
ولم يكتف النظام بأدلجة المجتمع في الثمانينيات بل قام بإرسال شبابنا للمشاركة في حروب بالوكالة أثناء الحرب الباردة وعندما عادوا استقبلهم بالسجون والتعذيب, فكانت المعتقلات والقمع
السياسي بيئة خصبة لولادة التطرف والعنف, وبعد الحادي عشر من سبتمبر حاول النظام
فرض لبرالية ممسوخة على المجتمع لكنه بعد الربيع العربي عاد إلى أصوله المتطرفة.
وهكذا في
كل فترة زمنية يفرض النظام آيدلوجية معينة على المجتمع حتى يعتنقها شريحة كبيرة ثم
إذا نفذت مصالحه واستنفذ الغرض منها انقلب على تلك الشريحة وقدم نفسه للمجتمع
مخلصاً منها وطلب من الذين نجو من أدلجته مساعدته في القضاء على الشريحة التي
صنعها, فلم يترك النظام المجتمع لينمو نمواً طبيعياً في جو حر تولد فيه الأفكار
والتيارات وتتحاور وتتدافع سلمياً وضمن تكافؤ الفرص.
وفي
العقد الأخير اعتمد النظام سياسة مزدوجة ظاهرة وسرية, فظاهرا يعلن أنه ضد خروج
الشباب للقتال في الخارج ويعتقل جزءاً ممن أراد الخروج وبعض من أفتاهم, ليظهر
للغرب أنه يحارب الإرهاب, وسرا يتساهل ويتغاضى عن خروج جزء منهم لمواطن القتال
للخلاص منهم ولاستخدامهم سياسياً ضد بعض دول الجوار, وليربكوا المقاومة والثوار
فيها وقد شارك في ذلك علماء دين رسميون, حيث تسرب تسجيل
صوتي لأحد المشائخ الرسميين يحث فيه الشباب للخروج للقتال في العراق والتبرع بالمال وهذا
الشيخ الرسمي ارتبط بالنظام منذ أكثر من أربعة عقود ولا يمكن أن يتصرف دون ضوء أخضر من النظام, وقد نشر ذلك التسريب في
أحد القنوات الأمريكية.
وأيضا
سهل خروج بعض الشباب الذين كانوا يتظاهرون للمطالبة بمحاكمة ذويهم المعتقلين إلى
سوريا للخلاص منهم ووقف المظاهرات, فقد كان بعضهم صغير السن ومراقبة هواتفهم
وأماكن إقامتهم ومع ذلك خرجوا بسهولة, وقال أحد المحققون لوالدة ذلك الشاب
"إذا كنت تحبين الجهاد لماذا لا تخرجين ابنك للجهاد" كما روت. كما أن
أحد القضاة حرض تسعة عشر شاباً من المتظاهرين عندما أحضروا أمامه للمحاكمة وبالفعل
خرج بعضهم بسهولة وقتل بعض من خرج منهم في سوريا.
إن
التطرف والعنف بضاعة النظام القمعي السعودي ردت إليه, فهو استخدم الدين في معاركه
السياسية, ولا يتوانى عن التكفير بالجملة, ففي الثمانينيات دعم نظام البعث العراقي ماديا ومعنويا وفي التسعينيات كفره, ويحاكم دعاة حقوق الإنسان والإصلاح السياسي السلمي ويطعن في دينهم
ويعتبرهم خوارج, وخطابه الديني الرسمي المفروض على المجتمع إقصائي
يرفض التسامح والتعددية ويحرم معطيات العصر كالدستور والمواطنة والمشاركة الشعبية
والمجتمع المدني والبرلمان, وأوجد بيئة خصبة للتطرف والغلو والعنف والتكفير, ولم
يكتف بذلك بل صدره للعالم الإسلامي, متناسياً أن الغلو والتطرف والعنف وفّي لمنهجه
وليس لمن أنتجه وأنك مهما صدرته لتمزيق نسيج مجتمعات متسامحة أو إفشال الثورات فإن
العنف والتطرف يعود لمنابعه أكثر غلواً وتعصباً, كما ينقل الصحفي سيمور هيرش في تقرير له عن بندر بن سلطان قوله
للبيت الأبيض: "نحن من صنعنا هذه الحركات، ونحن من يمكنه السيطرة عليها, إن
المسألة لا تتعلق بأننا لا نريد من الأصوليين أن يقذفوا القنابل وإنما تتعلق بمن
نريد إصابتهم بتلك القنابل".
إن
الخطاب الديني الرسمي للنظام وسياساته القمعية ودخوله في حروب الوكالة وزجه
بشبابنا في المحرقة هو أساس المشكلة فعلى النظام أن يتحمل المسئولية ويعترف بخطئه
وكوارثه ويعتذر للشعب, لأن الاعتراف بالخطأ هو بداية الحل للمشكلة, لتبدأ رحلة
البحث عن حل بمشاركة شعبية.
واستمرت
إخفاقات النظام السعودي في كافة المجالات على الرغم من الوفرة النقدية التي تدفقت
على البلاد نتيجة ارتفاع أسعار النفط , فالخدمات التعليمية والصحية وغيرها متدهورة
وكل يوم نرى في المواقع الإلكترونية مواطنين يطلبون الحصول على سرير لمرضاهم
خصوصاً في المناطق النائية, ووصل الأمر بإحدى المواطنات للطلب في أحد الفضائيات من
أمير خليجي مساعدتها في العلاج, والبنية التحتية متهالكة تغرق المدن أثناء المطر,
وأزمة الإسكان الحادة التي تشهدها البلاد وهي ناشئة من احتكار كبار الأمراء
والمتنفذين لمئات الملايين من الأمتار في مدن مختلفة من البلاد, والبطالة المرتفعة
بين الذكور والإناث خاصة فئة الشباب, وفضائح الفساد التي يتورط فيها الأمراء
وتنقلها وسائل الإعلام العالمية كتورط أحد كبار الأمراء وأبنه في غسيل الأموال, حيث قال الابن لشريكه في محادثة هاتفية: "أنت عليك التنفيذ نحن
نتعامل مع من نريد التعامل معه، سواء كان ذلك حزب الله أو المافيا أو حتى
اليهود", ويعيث بعض رجال الأعمال الفاسدين بالاقتصاد الوطني ويعرضونه للمخاطر
ويتم التغاضي عنهم, في جلسة
استماع عن غسيل الأموال في الكونجرس الأمريكي نقلت إعلاميا، تحدث مسئول أمريكي عن تورط رجل أعمال سعودي في قضية
غسيل أموال منذ الحادي عشر من سبتمبر بلغ مجموعها تريليون دولار.
وسيطرة
الأمراء على مفاصل الاقتصاد الوطني واحتكار المناقصات الحكومية, ورغم مرور أكثر من
ثمانون عاماً على التأسيس لا تزال بلادنا بدون دستور وبدون مؤسسات فلا مجلس نواب
ولا مجتمع مدني ولا قضاء مستقل وقوي, وتدار البلاد من خلال أشخاص معدودين مرهونة
البلد بمزاجيتهم, دون أن يكون لهم مشروع واستراتيجية واضحة, فهل يستطيع أحد صناع
القرار أن يخرج على التلفزيون الرسمي ويتحدث للشعب عن مشروع السلطة في المدى
المنظور والاستراتيجي وما هي رؤيته لحاضر ومستقبل البلاد؟.
وتركت
البلاد دون حماية فلا يوجد مؤسسة جيش قوي, وإنما قطاعات عسكرية استخدمت كضرورة
لتوازن القوى في الداخل, وعلى الرغم من أنه رصد للجيش ميزانيات ضخمة وصفقات تسليح
كبيرة يعلن عنها كل فترة إلا أن ذلك لم ينتج جيشاً قوياً, واتضح أن تلك الميزانيات
استخدمت لشراء ولاء الغرب بصفقات السلاح, ولإثراء بعض الأمراء, وفضيحة صفقة اليمامة
خير شاهد, وطبيعي أن نظاماً يعتمد بالحماية على الأجنبي ووالغ في الفساد أن لا
يؤسس جيشاً وطنياً قوياً.
من
المؤسف أنه بعد كل تلك العقود من تأسيس البلاد أننا لم نتحول من إقطاعية إلى دولة,
وتحول النظام إلى نظام فصل عنصري يستأثر فيه أبناء الأسرة المالكة وحاشيتهم
بالثروة والقرار السياسي والامتيازات من دون الشعب, إن كل هذه الإخفاقات من علامات
الدولة الفاشلة إن اعتبرنا أنفسنا في دولة مجازاً.
وفوق كل
ذلك ازداد القمع وتكميم الأفواه نتيجة للرعب الذي أصاب النظام بعد الربيع العربي,
واستخدم القضاء كأداة للقمع فسقط وفقدت الثقة بعدالته, وامتد القمع حتى داخل
الأسرة الحاكمة تجاه بعض أفرادها, وأصاب الحكم الترهل والجمود ويرفض التغيير حت ى
من داخل الأسرة الحاكمة, فالمناصب السيادية يسيطر عليها الأمراء ولا يزيحهم عنها
إلا الموت, وهو ما أدى إلى مزيد من التدهور في أداء الحكم.
واستخدمت
الثروة الوطنية لتجهيل الشعب والإضرار بشعوب المنطقة, وتقوية الدكتاتوريات العربية
وتمويل الثورة المضادة في دول الربيع العربي, ونحن نسأل السلطة: هذه الأموال التي
تذهب للخارج هل هي أموال عامة أم أموال خاصة؟ وإذا كانت أموال خاصة فمن أين لكم
هذا؟! وإن كانت أموال عامة, فهل لديكم تفويض شعبي لإرسالها خارج الحدود؟ وما هي
الضمانة أن لا تستخدم هذه الأموال في قمع الشعوب العربية أو تنتهي في حسابات
المسئولين الفاسدين هناك, فلم نر لها أثر على تحسين وضع تلك الشعوب.
ويبدوا
أن النظام غير مدرك للتحول في المجتمع والتحول الإقليمي في المنطقة, فالتحالفات
بدأت تتغير حتى دول الخليج بدأت تنفض عن النظام السعودي, وهناك خشية من أن تكون
المنطقة أمام سايس بيكو جديد والحكم في أضعف حالاته, والشعب مكبل بالقيود.
لذلك على
النظام في هذه اللحظة الحرجة أن يبادر إلى الاعتراف أن هناك شعب هو صاحب الأرض
والثروة, وهو من يجب أن يكون مصدر السلطة والشرعية, ويجب أن يكون ولاء السلطة له,
وهذا يقتضي التخلص من ذهنية الغنيمة التي تسيطر على الأمراء والكف عن النظر للبلد
ككعكة يجب تقاسمها بينهم, وإعادة صياغة العلاقة بين الشعب و الأسرة الحاكمة لتكون
علاقة تعاقدية, يضعها الطرفان في عقد اجتماعي مكتوب (دستور), ويبدأ ممثلين عن
الطرفين لصياغة خارطة طريق للتحول من الملكية المطلقة إلى الملكية الدستورية, من
الإقطاع إلى دولة المؤسسات والمجتمع المدني, ويبدأ بناء مؤسسات الدولة وسلطاتها,
وتحدد الفترة الانتقالية اللازمة لذلك في زمن محدد متفق عليه, يكون بنهايتها أنشئ
مجلس نواب منتخب بصلاحيات كاملة في المراقبة والمحاسبة وسن الأنظمة, وكتابة
الدستور والتصويت عليه من قبل الشعب, والفصل بين السلطات الثلاث, وإصلاح القضاء
وضمان استقلاله, وتنشأ محكمة دستورية, ويسن نظام فعال لمؤسسات المجتمع المدني يضمن
استقلالها عن الحكومة, ويكون الإعلام حراً, وحرية التعبير مكفولة للجميع, وترشد
ثروات البلاد وتوزع بشكل عادل ويفرض عليها مجلس النواب رقابه.
وبناء
مؤسسة عسكرية على أسس وطنية بحيث لا تتدخل في السياسة وتكون مهمتها حماية البلاد
من أي عدوان خارجي, وبناء هذه المؤسسة ليس لشن الحروب وإنما من أجل السلام في
المنطقة فتوازن القوى هو الذي يضمن السلام ويضمن استقلال قرارنا السياسي ويجبر
القوى الإقليمية على تقاسم المصالح مع بلادنا بدل محاولتها الهيمنة علينا نتيجة
ضعفنا وفشل ساستنا.
هذه هي
وصفة الخلاص للدولة والمجتمع، والعقلاء في الأسرة الحاكمة يعلمون ذلك وعليهم أن لا
يركنوا للمثقفين ورجال الدين الذين يزينون لهم سوء إدارتهم وفشلهم, فهؤلاء يؤمنون
بشرعية المتغلب أي شريعة الغاب وهم مع من غلب ولا يخفون ذلك بصكوك أحكامهم
ومحاضراتهم وكتبهم, أي أنه إذا حصل انقلاب عسكري على الأسرة الحاكمة أو استولت
مجموعة مسلحة على السلطة سينفضوا عن الأسرة الحاكمة ويتبعوا المتغلب.
نخشى أن
يكون حال جمعية حسم مع النظام السعودي كحال إحسان نراغي مع شاه إيران كما شرح في
كتابه "من بلاط الشاه إلى سجون الثورة" عندما كان ينصح الشاه بأن يصلح شأن
أسرته ونظامه الذي انتشر فيه الفساد والامتعاض الشعبي منه, وأن لا يركن لتقارير
مخابراته التي تكتب تقارير مرضية له كي لا تثير غضبه ولا تشخص الواقع, ولكن الشاه
لم يستمع له وغره الاستقرار الظاهر والهش إلى أن أطاحت به الثورة فانتهى منفياً
منبوذاً خارج إيران, فليبادر النظام للإصلاح قبل فوات الأوان فنحن في سباق مع
الزمن, وما هو مقبول اليوم قد يكون مرفوضا غداً, وسقف المطالبة بملكية دستورية
اليوم قد يرتفع في الغد, والقوى الأجنبية التي طالما استقوي بها على الشعب قد تنفض
عنه غداً إلى حلفاء جدد وتتركه يواجه أزماته الداخلية والخارجية وحيداً إن لم
تساهم في أضعافه.
والله
ولي التوفيق
جمعية
الحقوق المدنية والسياسية
حسم