وضعت السعودية ثقلها المعنوي والمادي خلف التغيير الذي قاده الجيش في مصر
متبنية اهدافه ونتائجه والتي لا تتوقف عند حدود الدولة المصرية بل تتعداه الى
ابعاد اقليمية مهمة بالنسبة للنظام السعودي فجاء احتضان السعودية لاقدم المؤسسات
العسكرية العربية متوجا تغيرا وحاجة سعودية ماسة في لحظة تاريخية فرضت نفسها.
بل نجدها ازدادت وتكرست في ظل جمهورية عبد الناصر كان ابرزها الصدام السعودي ـ المصري في اليمن في فترة الستينات حيث خاضت الدولتان صراعا دمويا على ارض طرف ثالث ولم تتوقف الريبة من الجيش المصري على انماط الصراع المفتوح العسكري بل ظل نمط الجيش المصري وافرازاته التي اتت تحت مسميات مثل الضباط الاحرار هاجسا سعوديا ينظر له بعين الريبة خاصة وانه ظهر بشكله السعودي على صيغة امراء احرار.
ومن ثم تبلور في محاولات انقلابية من قبل شريحة عسكرية سعودية ارسلت الى مصر في الستينات طلبا للتمرين العسكري وما ان عادت الى بلادها حتى ظهرت ملامح التأثير المصري التي انتهت بحركة انقلابية تم التخلص منها في فترة حكم الملك فيصل.
ظلت السعودية حذرة من المؤسسة العسكرية المصرية الى ان تغيرت العلاقة في السبعينات تحت حكم السادات فجاءت المصالحة السعودية مع المؤسسة العسكرية المصرية بعد مرحلة كامب ديفيد لتعيد صياغة العلاقة الحرجة وتجعلها تتجه من الحيطة الى التعاون والذي تتوج بمشاركة الجيش المصري في صد احتلال الكويت كجزء من قوات عربية واجنبية دخلت السعودية بناء على طلبها فأضفت مشاركة الجيش المصري بعدا عربيا لما كان يوصف بانه عملية عسكرية امريكية صرفة.
ومنذ التسعينات انتفت حالة التوجس بين القيادة السعودية والمؤسسة العسكرية المصرية وتطورت لتشمل الابعاد الامنية الداخلية للبلدين خلال فترة حكم مبارك. ليس غريبا اذا ان تقف السعودية خلف التغيير الذي حصل في مصر مؤخرا والذي قادته هذه المؤسسة العسكرية المصرية.
الا ان لمثل هذه الوقفة الواضحة والصريحة بيئتها الحالية التي تنبثق من احتياجات السعودية التي فرضتها الاوضاع الاقليمية من جهة والوضع الداخلي السعودي من جهة اخرى. على الجبهة الاقليمية تبدو السعودية وكأنها تحتاج الى وقوف المؤسسة المصرية العسكرية الى جانبها كسند بشري له تاريخ طويل في الصراع العسكري الحربي ضد محاور جديدة افرزتها الساحة العربية من اهمها محور طهران ـ بغداد ـ دمشق بيروت.
فبعد عام 2003 وجدت السعودية نفسها وحيدة امام هذا المحور خاصة بعد انتقال العراق بجيشه القوي الى الجانب الاخر وخروجه من دائرة الحلقة العربية التي تدور في تلك السعودية. فأختل التوازن العربي وفقد اكبر مؤسسة عسكرية اصطفت خلف المحور السعودي خلال الثمانينات ولم يبق على الساحة الا المؤسسة العسكرية المصرية.
ورغم ان السعودية بذلت جهدا واضحا في تمكين قدراتها العسكرية مستعينة بالتقنية الامريكية والدعم اللامتناهي وتصدير الاسلحة الثقيلة والتدريب، الا ان هذا لم يعوضها عن الزخم البشري الذي تفتقده المؤسسات العسكرية والامنية المحلية التي تبقى مجزأة تحت قيادات متنوعة ولها مهام امنية مختلفة.
لذلك يبقى البعد العسكري المصري مهما في السعودية ولو لفرض رمزية قد لا تتبلور على الارض في حال اي مصادمة قادمة بين الرياض والمحور الايراني واطرافه العربية العراقية والسورية واللبنانية المتمثلة بحزب الله خاصة بعد العداء الواضح الذي تمثل في تبني السعودية الاطاحة بنظام بشار الاسد وما قد ينتج عنه في المستقبل.
لذلك حرصت السعودية منذ لحظة سقوط نظام مبارك ان لا تخرج مصر ومؤسستها العسكرية عن الحلقة السعودية الفاقدة للبعد العسكري العربي والذي قد يملأها الجيش المصري في المستقبل ولو بشكل رمزي.
فمنطقة الشرق الاوسط اليوم تعرف ثلاثة جيوش اولها الاسرائيلي والتركي والايراني ومعها كلها لا تنعم السعودية بقدرة المناورة فأي تعاون سعودي ـ اسرائيلي له تبعات خطيرة على العمق السعودي وتظل العلاقة بين السعودية وتركيا حرجة غير مستقرة خاصة بعد الانتقادات التركية للسياسة الخارجية السعودية الداعمة للتغيير العسكري المصري اما مع ايران نجد ان العلاقة السعودية تظل فاترة بل عدائية خاصة بعد انفجار الوضع السوري واصطفاف ايران وحزب الله خلف النظام السوري.
من هنا تظل السعودية تراهن على الجيش المصري كقوة اقليمية تساندها ولو معنويا كبعد عربي لمواجهة المحور الآخر. اما على الصعيد المحلي السعودي تتوجس السعودية من تداعيات الثورات العربية وافرازاتها على ساحتها رغم ان الحراك السعودي لم يتبلور بعد ليشكل خطرا يحتاج الى المواجهة الامنية الحاسمة ورغم ذلك نشطت منذ بداية الثورات العربية لدعم التعاون الامني اولا مع الملكيات الاخرى الاردن والمغرب وثانيا مع المؤسسات الامنية المصرية التي ربما قد ظهرت وكأنها ستتجه نحو استقلالية قد تخرجها من الحلقة السعودية بتحول مصر نحو حكم الاخوان المسلمين، ومن هنا ظهرت الرغبة الملحة للتخلص من هذه الفرضية بأسرع وقت وعودة المؤسسة العسكرية المصرية لمركزها المحوري في ادارة الشأن المصري الداخلي حيث تطمأن السعودية لاستمرارية الوضع كما كان عليه في عهد مبارك.
وفي حالة بروز بوادر حراك سعودي داخلي قد لا تستدعي السعودية الخبرة المصرية في صده او القضاء عليه الا انها ستعول عليه ولو استشاريا خاصة وانه متمرس في التعامل مع مظاهر الاعتصامات وفضها ناهيك عن التعامل مع الارهاب ومشتقاته، هذا بالاضافة الى الخبرات الاستخباراتية التي تميزت بها المؤسسات الامنية المصرية.
من هنا اهتمام السعودية الواضح باعادة تصدر المؤسسات العسكرية المصرية والامنية كحلقة حاسمة في تقرير مصير مصر وسياستها بشكل يضمن بقاء مصر في دائرة الحلقة السعودية ومحورها ومهما نوعت السعودية مصادر الدعم الامني والعسكري من دول الجوار العربي او من دول كباكستان الا انها ستجد نفسها مضطرة للشريك المصري خاصة في مواجهة الساحة الداخلية ان هي افرزت حراكا واضحا تعتبره القيادة السعودية خطرا على امن النظام سلميا كان هذا الحراك او عسكريا، ففي الحالة العسكرية لا يزال شبح حلف بن لادن والظواهري مرعبا رغم ان السعودية نجحت في تقليصه داخليا وتصديره الى اليمن.
الا ان الثنائية المصرية السعودية التي تمثلت وتجسدت بفكر القاعدة واستراتيجياتها اثبتت للجميع ان المال السعودي والايديولوجية المصرية فجرا صراعا طويلا طالت ابعاده كل دول المنطقة العربية والاسلامية وانتقل الى الساحات الغربية طيلة العقد السابق وربما يظل كذلك في المستقبل القريب والبعيد.
فالتحصن ضد هذا الزواج السعودي المصري الذي تبلور تحت ظل القاعدة ومشتقاتها لا يمكن للسعودية ان تواجهه الا بتعاون رسمي سعودي مصري امني بالدرجة الاولى تتصدره اجهزة استخباراتية وعسكرية في الدولتين.
لذلك حرصت السعودية ان تظل الساحة المصرية متعاونة مع اهدافها الامنية ضد خطر مشترك هو نفسه افراز مشترك فرضته مرحلة تاريخية سابقة في افغانستان ومن ثم انتقل ليصبح ظاهرة معولمة انخرط بها من هو خارج عن الثنائية المصرية ـ السعودية حيث وفرت مصر الخطاب والتنظير وتكفل الجانب السعودي بالتمويل والدعم المادي الذي تمثل اولا بالدعم الرسمي ومن ثم انقلب ليصبح جريمة يعاقب عليها.
من اجل هذه السلسلة من الاحتياجات السعودية على الساحة الاقليمية والداخلية وجدت السعودية نفسها ترمي بثقلها خلف المؤسسة العسكرية المصرية حرصا منها على استمرارية السند والتعاون على مستويات مختلفة ومن هنا حرصها على اعادة هذه المؤسسة الى مركزها المحوري في مصر اولا وعلى مستوى علاقتها مع السعودية ثانيا. فخروج هذه المؤسسة من اللعبة السياسية في مصر او وضعها تحت ظل القرار السياسي لأي حكومة منتخبة مهما كان لونها سيجعلها خارج الحلقة السعودية مما يجرد القيادة من سند تحتاجه الان اكثر من اي وقت سابق.
من هنا جاء الدعم السعودي لانقلاب مصر امتدادا لهواجس القيادة السعودية في لحظة حرجة خاصة وان علاقتها بجيش مصر مرت في مراحل اعتبرتها السعودية تهديدا واضحا لامنها القومي وتنفست الصعداء عندما انتقلت هذه العلاقة من المواجهة المباشرة في المراحل السابقة الى التعاون الواضح في العقود الثلاثة الماضية.
بقلم: د. مضاوي الرشيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق