لا احد ينكر ان
الثورات العربية التي انطلقت منذ عام 2011 فاجأت النظام السعودي الذي لم يكن مهيأ
لمثل هذه الحشود البشرية تنطلق في ميادين العواصم مطالبة برحيل انظمة كان النظام
السعودي غير موفق في القضاء على هذه الحشود، او احتوائها الا ان السياسة السعودية اتجهت
نحو استيعاب التداعيات بضخ الاموال المناصرة للوضع القائم كما حصل في البحرين او ترتيب
عملية انتقال السلطة الى شخصيات اخرى تكون اكثر رضوخا لسياسة الرياض كما حصل في اليمن او وضع
ثقلها خلف تغيير النظام كما حصل فيسورية.
اما في مصر فكان الرد سريعا حبكت خيوطه بدقة تمهيدا لازاحة نظام ورئيس واستبداله بتركيبة جديدة لا تزال تقسم المجتمع المصري وتهدد بمزيد من الانزلاق نحو العنف والفوضى وتوجت السعودية هذا التحول الخطير بدعم اقتصادي كبير بعد ايام من الاعلان عن ازاحة الرئيس المصري المنتخب حيث اعلنت الرياض عن تقديم مساعدات بمبلغ 5 مليارات ضخت لمساعدة مصرمن الضائقة الاقتصادية وتدهور العملة فيها.
جاءت هذه المساعدة بعد الوعود التي تلت ازاحة مبارك عن الحكم والتي اعلن عنها حينها وقيمتها مليارا دولار ولكن يبدو انها تأخرت او لم تصل الى مصر حينها. وان كانت غنيمة مصر من الدولة الريعية السعودية كبيرة الا ان دولا عربية اخرى هي ايضا استفادت من الدعم السعودي في محاولة لتثبيت القوة الشرائية للانظمة كوسيلة لتحصينها من تداعيات الثورات العربية منها الاردن والمغرب وسلطنة عمان وان كان الدعم هذا لا يقارن بما وعدت السعودية مصر من هبات مالية او نفط وغاز.
السعودية ليست وحدها من يخصص ميزانيات باهظة للخارج فالولايات المتحدة قد سبقتها في اقتطاع جزء مهم من ميزانيتها للدعم العسكري والانساني والاقتصادي لتدعيم انظمة كاسرائيل ومصر وغيرها حيث تعتبر الدول الغنية مثل هذا الدعم ضروريا كذراع اخرى للسياسة الخارجية وتثبيت امنها القومي. فالدول ليست مشاريع خيرية او صناديق تنمية بل هي تسعى لمكاسب سياسية واضحة وصريحة خلف مشاريع تمويل الدول الاخرى لتخلق حلقات خارجية تدور في فلكها معتمدة عليها فلا تستطيع بعد ذلك الوصول الى استقلالية في قرارها السياسي الذي يصبح مرهونا للدولة الداعمة. فتقلص الدول الداعمة مساهمتها في المشاريع العالمية ومؤسساتها كالامم المتحدة مثلا حيث يأتي الدعم غير مرهون بسياسة دولة معينة بل بارادة المجتمع الدولي بينما تفضل التعامل مع الدولة الفقيرة المحتاجة بشكل مباشر يضمن استمرارية التبعية الاقتصادية والقرار السياسي للدولة المانحة مباشرة.
والفرق الوحيد بين بعض الدول الممولة والسعودية كبير حيث في الاولى نجد ان اي منحة او دعم خارجي لا بد له ان يمر عبر قنوات الشرعية كبرلمان منتخب له الكلمة الاولى والاخيرة في تحديد قيمة الدعم والدولة المتلقية له بينما في السعودية يأتي الدعم الخارجي معزولا عن الارادة الشعبية في الداخل السعودي وربما على حسابه وحساب مصالحه القومية حيث لا تمثيل لهذا الشعب في اي مؤسسة او منظومة محلية. فيتفاجأ المجتمع بالكميات الخيالية التي تعلن عنها القيادة السعودية والدول المتلقية لهذا الدعم. فالمجتمع معزول تماما عن قرارات فوقية تعتبر من اختصاص القيادة التي تحتكر القرار السياسي وتحدد المنتفع من الدعم الخارجي دون الرجوع الى مؤسسات اقتصادية او سياسية محلية. فينبهر السعودي بأرقام خيالية تصدر الى الخارج ولا تعتبر استنزافا للثروة النفطية فيمر الخبر دون اي نقاش عن مصادر الدعم والميزانية التي تخصص له في مثل هذه الحالات او المشاريع التي سينفق عليها.
فمن الجانب السعودي يبدو الدعم الخارجي للانظمة مسألة تخص النظام فقط والدولة المتلقية له بشخصياتها السياسية ولا تتوقع السعودية اي نوع من الشفافية او المحاسبة او المساءلة في موضوع الدعم الخارجي من مجتمعها طالما ظل هذا المجتمع على هامش المساحة السياسية والاقتصادية فهو يتلقى اخيار الميزانيات المتتالية وتقسيمها على الوزارات والمساحات التنموية التي تقرها مجموعة صغيرة من المتنفذين دون الرجوع الى تقييم احتياجات المجتمع. وهذه سمة ملازمة للدولة الريعية التي تعتبر المجتمع متلقيا للدعم والهبات خاصة وانها غير معتمدة عليه في دخلها حيث يأتي هذا الدخل من الثروة النفطية وليس من انتاج مجتمعي تفرض عليه الضرائب.
فمبدأ الدولة الريعية لا يلزمها بالاعتراف بهذا المجتمع او مشاورته في كيفية صرف الثروة النفطية داخليا او خارجيا وان صرفت على المجتمع فهو من باب احتواء تململه او تهيئته وتمكينه باسلوب يضمن بقاءه تحت سيطرة النظام كمتلقي للتربية والتعليم والخدمات الصحية مقابل الولاء المطلق.
ويعمم هذا المبدأ على المنحات والهبات للخارج حيث خلقت الثروة النفطية السعودية حلقات ولاء خارجية تدور في فلك السياسة السعودية غير قادرة على اتخاذ مواقف مستقلة تجاه قضايا عربية عالقة ناهيك عن استقلالية سياستها عن السياسة السعودية. وتحول الدعم الخارجي او تأخره كوسيلة ضغط سعودية تمارس تجاه الدول الاخرى تساندها سياسة تهجير اليد العاملة العربية عند كل بادرة تعتبرها السعودية مخالفة للخط الرسمي فيعاقب العمال الوافدون الى السعودية ان اختلفت انظمتهم عن الخط السياسي السعودي ويتحول هؤلاء الى غنيمة سهلة ابتزازية ووسيلة ضغط وتهديد وبهذا تضمن السعودية معاقبة الانظمة وشعوبها معا في حال الاختلاف او الانحياز لسياسة مستقلة عنها.
وبما ان معظم المنطقة العربية غير النفطية تعيش اسوأ مراحل الفشل الاقتصادي والبطالة وتدني الخدمات وتقلص الاستثمار الخارجي تجد نفسها في هذه اللحظة غير قادرة على الثبات دون الدعم الخارجي المرهون بارادة الخارج فتجتمع العوامل الاقتصادية لتخلق حالة سياسية غير مستقرة تهدد بانهيار الدول والفوضى العارمة ويتحول الدعم الخارجي الى وسيلة تقوي القدرة الشرائية للانظمة الفقيرة التي بدورها تبدو معدومة الشفافية والمحاسبة فيبقى هذا الدعم الخارجي متداولا بين اطراف سياسية فاسدة غير مقيدة بمعايير المحاسبة تعتاش عليه في حروبها الداخلية مع اطراف اخرى في مجتمعها. وان كان الدعم الخارجي مرتبطا بنجاح الثورة المضادة كما هو حال الدعم السعودي لمصر فستكون تداعياته على مسار التطور السياسي في مصر خطيرة حيث جاء منحازا لفريق معين على الساحة المصرية ضد فريق آخر مما يعمق الفجوة بين الفريقين ويؤخر أي مبادرة توافقية تنتشل البلاد من حالة الاستقطاب والفوضى خاصة وان فريقا واحدا اصبح مدعوما من الخارج بشكل واضح وصريح. وتحولت مصر الى مساحة تتنافس عليها مجموعة من الدول النفطية قد تتفق او لا تتفق في ما بينها على مسيرة مصر باتجاه الاستقرار السياسي وطبيعته تحاول كل منها ان تهزم مشروع الدولة الاخرى على الساحة المصرية. دون اي حساب لتداعيات المنافسة وما ستؤدي اليه قد يكون في صالح الدولة الممولة او لا يكون. فالهبات العفوية تكون مرتبطة بسياسة قصيرة الامد غير قادرة على تحديد تداعياتها في الامد الطويل. ومهما دعمت السعودية الانظمة الموالية الا انها بعد الثورات العربية غير قادرة على تحديد مسيرات الشعوب والتي أفلتت من قبضة الانظمة القمعية ولن تهدأ حتى تصل الى مبتغاها فشراء الانظمة قد يبدو سهلا الا ان التعددية العربية الحالية وتشابك المصالح وآنية التحالفات السياسية وتشعبها تدل على حالة يصعب على النظام السعودي او غيره على تحديد اللاعبين ومن ثم تمويلهم مما يؤدي الى استنزاف للثروة السعودية دون القدرة على احتواء النتائج. لكن النظام السعودي يظل يرسم سياسته الداعمة للخارج على مبدأ العلاقات المشخصنة القديمة دون ان ينتبه الى التغيير الجذري الذي طرأ على الساحة العربية حيث كل يوم يبرز تجمع جديد بمطالب جديدة يحشد خلفه جمهورا عريضا مستعدا لان يملأ الساحات في العواصم بملايين المتظاهرين والمؤيدين المستعدين لان يقوضوا اكبر خارطة طريق او سياسة خارجية فيذهب الدعم السعودي هدرا لا يستفيد منه النظام السعودي نفسه او المنافسون له على ساحات دعم الانظمة في الخارج ولا بد للنظام السعودي ان يراجع سياسة دعم الخارج خاصة وانها هدر للمال العام قد تنعكس سلبا على الداخل ان استمرت القيادة بتبذير الثروة النفطية يمينا ويسارا على ثورات مضادة قد تنتج ما هو أسوأ على الساحة السعودية في المستقبل البعيد. ولا توجد سابقة تاريخية لدولة دعمت انقلاباً عسكرياً في دولة اخرى استمر الى الابد بل دوما يتحول مثل هذا الدعم الى عبء ثقيل تدفع فاتورته الدولة المانحة والمتلقية معا ولنا عبر سابقة من تاريخ امريكا اللاتينية والجنوبية حيث لم يقض الدعم الخارجي على ارادة شعوبها بنهضة اقتصادية وسياسة مستقلة تحررها من التبعية للخارج. فهل يتعفن النظام السعودي من تجارب العالم ويعيد النظر في مسلسلات دعم الانقلابات وتمويل الثورات المضادة؟
‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
اما في مصر فكان الرد سريعا حبكت خيوطه بدقة تمهيدا لازاحة نظام ورئيس واستبداله بتركيبة جديدة لا تزال تقسم المجتمع المصري وتهدد بمزيد من الانزلاق نحو العنف والفوضى وتوجت السعودية هذا التحول الخطير بدعم اقتصادي كبير بعد ايام من الاعلان عن ازاحة الرئيس المصري المنتخب حيث اعلنت الرياض عن تقديم مساعدات بمبلغ 5 مليارات ضخت لمساعدة مصرمن الضائقة الاقتصادية وتدهور العملة فيها.
جاءت هذه المساعدة بعد الوعود التي تلت ازاحة مبارك عن الحكم والتي اعلن عنها حينها وقيمتها مليارا دولار ولكن يبدو انها تأخرت او لم تصل الى مصر حينها. وان كانت غنيمة مصر من الدولة الريعية السعودية كبيرة الا ان دولا عربية اخرى هي ايضا استفادت من الدعم السعودي في محاولة لتثبيت القوة الشرائية للانظمة كوسيلة لتحصينها من تداعيات الثورات العربية منها الاردن والمغرب وسلطنة عمان وان كان الدعم هذا لا يقارن بما وعدت السعودية مصر من هبات مالية او نفط وغاز.
السعودية ليست وحدها من يخصص ميزانيات باهظة للخارج فالولايات المتحدة قد سبقتها في اقتطاع جزء مهم من ميزانيتها للدعم العسكري والانساني والاقتصادي لتدعيم انظمة كاسرائيل ومصر وغيرها حيث تعتبر الدول الغنية مثل هذا الدعم ضروريا كذراع اخرى للسياسة الخارجية وتثبيت امنها القومي. فالدول ليست مشاريع خيرية او صناديق تنمية بل هي تسعى لمكاسب سياسية واضحة وصريحة خلف مشاريع تمويل الدول الاخرى لتخلق حلقات خارجية تدور في فلكها معتمدة عليها فلا تستطيع بعد ذلك الوصول الى استقلالية في قرارها السياسي الذي يصبح مرهونا للدولة الداعمة. فتقلص الدول الداعمة مساهمتها في المشاريع العالمية ومؤسساتها كالامم المتحدة مثلا حيث يأتي الدعم غير مرهون بسياسة دولة معينة بل بارادة المجتمع الدولي بينما تفضل التعامل مع الدولة الفقيرة المحتاجة بشكل مباشر يضمن استمرارية التبعية الاقتصادية والقرار السياسي للدولة المانحة مباشرة.
والفرق الوحيد بين بعض الدول الممولة والسعودية كبير حيث في الاولى نجد ان اي منحة او دعم خارجي لا بد له ان يمر عبر قنوات الشرعية كبرلمان منتخب له الكلمة الاولى والاخيرة في تحديد قيمة الدعم والدولة المتلقية له بينما في السعودية يأتي الدعم الخارجي معزولا عن الارادة الشعبية في الداخل السعودي وربما على حسابه وحساب مصالحه القومية حيث لا تمثيل لهذا الشعب في اي مؤسسة او منظومة محلية. فيتفاجأ المجتمع بالكميات الخيالية التي تعلن عنها القيادة السعودية والدول المتلقية لهذا الدعم. فالمجتمع معزول تماما عن قرارات فوقية تعتبر من اختصاص القيادة التي تحتكر القرار السياسي وتحدد المنتفع من الدعم الخارجي دون الرجوع الى مؤسسات اقتصادية او سياسية محلية. فينبهر السعودي بأرقام خيالية تصدر الى الخارج ولا تعتبر استنزافا للثروة النفطية فيمر الخبر دون اي نقاش عن مصادر الدعم والميزانية التي تخصص له في مثل هذه الحالات او المشاريع التي سينفق عليها.
فمن الجانب السعودي يبدو الدعم الخارجي للانظمة مسألة تخص النظام فقط والدولة المتلقية له بشخصياتها السياسية ولا تتوقع السعودية اي نوع من الشفافية او المحاسبة او المساءلة في موضوع الدعم الخارجي من مجتمعها طالما ظل هذا المجتمع على هامش المساحة السياسية والاقتصادية فهو يتلقى اخيار الميزانيات المتتالية وتقسيمها على الوزارات والمساحات التنموية التي تقرها مجموعة صغيرة من المتنفذين دون الرجوع الى تقييم احتياجات المجتمع. وهذه سمة ملازمة للدولة الريعية التي تعتبر المجتمع متلقيا للدعم والهبات خاصة وانها غير معتمدة عليه في دخلها حيث يأتي هذا الدخل من الثروة النفطية وليس من انتاج مجتمعي تفرض عليه الضرائب.
فمبدأ الدولة الريعية لا يلزمها بالاعتراف بهذا المجتمع او مشاورته في كيفية صرف الثروة النفطية داخليا او خارجيا وان صرفت على المجتمع فهو من باب احتواء تململه او تهيئته وتمكينه باسلوب يضمن بقاءه تحت سيطرة النظام كمتلقي للتربية والتعليم والخدمات الصحية مقابل الولاء المطلق.
ويعمم هذا المبدأ على المنحات والهبات للخارج حيث خلقت الثروة النفطية السعودية حلقات ولاء خارجية تدور في فلك السياسة السعودية غير قادرة على اتخاذ مواقف مستقلة تجاه قضايا عربية عالقة ناهيك عن استقلالية سياستها عن السياسة السعودية. وتحول الدعم الخارجي او تأخره كوسيلة ضغط سعودية تمارس تجاه الدول الاخرى تساندها سياسة تهجير اليد العاملة العربية عند كل بادرة تعتبرها السعودية مخالفة للخط الرسمي فيعاقب العمال الوافدون الى السعودية ان اختلفت انظمتهم عن الخط السياسي السعودي ويتحول هؤلاء الى غنيمة سهلة ابتزازية ووسيلة ضغط وتهديد وبهذا تضمن السعودية معاقبة الانظمة وشعوبها معا في حال الاختلاف او الانحياز لسياسة مستقلة عنها.
وبما ان معظم المنطقة العربية غير النفطية تعيش اسوأ مراحل الفشل الاقتصادي والبطالة وتدني الخدمات وتقلص الاستثمار الخارجي تجد نفسها في هذه اللحظة غير قادرة على الثبات دون الدعم الخارجي المرهون بارادة الخارج فتجتمع العوامل الاقتصادية لتخلق حالة سياسية غير مستقرة تهدد بانهيار الدول والفوضى العارمة ويتحول الدعم الخارجي الى وسيلة تقوي القدرة الشرائية للانظمة الفقيرة التي بدورها تبدو معدومة الشفافية والمحاسبة فيبقى هذا الدعم الخارجي متداولا بين اطراف سياسية فاسدة غير مقيدة بمعايير المحاسبة تعتاش عليه في حروبها الداخلية مع اطراف اخرى في مجتمعها. وان كان الدعم الخارجي مرتبطا بنجاح الثورة المضادة كما هو حال الدعم السعودي لمصر فستكون تداعياته على مسار التطور السياسي في مصر خطيرة حيث جاء منحازا لفريق معين على الساحة المصرية ضد فريق آخر مما يعمق الفجوة بين الفريقين ويؤخر أي مبادرة توافقية تنتشل البلاد من حالة الاستقطاب والفوضى خاصة وان فريقا واحدا اصبح مدعوما من الخارج بشكل واضح وصريح. وتحولت مصر الى مساحة تتنافس عليها مجموعة من الدول النفطية قد تتفق او لا تتفق في ما بينها على مسيرة مصر باتجاه الاستقرار السياسي وطبيعته تحاول كل منها ان تهزم مشروع الدولة الاخرى على الساحة المصرية. دون اي حساب لتداعيات المنافسة وما ستؤدي اليه قد يكون في صالح الدولة الممولة او لا يكون. فالهبات العفوية تكون مرتبطة بسياسة قصيرة الامد غير قادرة على تحديد تداعياتها في الامد الطويل. ومهما دعمت السعودية الانظمة الموالية الا انها بعد الثورات العربية غير قادرة على تحديد مسيرات الشعوب والتي أفلتت من قبضة الانظمة القمعية ولن تهدأ حتى تصل الى مبتغاها فشراء الانظمة قد يبدو سهلا الا ان التعددية العربية الحالية وتشابك المصالح وآنية التحالفات السياسية وتشعبها تدل على حالة يصعب على النظام السعودي او غيره على تحديد اللاعبين ومن ثم تمويلهم مما يؤدي الى استنزاف للثروة السعودية دون القدرة على احتواء النتائج. لكن النظام السعودي يظل يرسم سياسته الداعمة للخارج على مبدأ العلاقات المشخصنة القديمة دون ان ينتبه الى التغيير الجذري الذي طرأ على الساحة العربية حيث كل يوم يبرز تجمع جديد بمطالب جديدة يحشد خلفه جمهورا عريضا مستعدا لان يملأ الساحات في العواصم بملايين المتظاهرين والمؤيدين المستعدين لان يقوضوا اكبر خارطة طريق او سياسة خارجية فيذهب الدعم السعودي هدرا لا يستفيد منه النظام السعودي نفسه او المنافسون له على ساحات دعم الانظمة في الخارج ولا بد للنظام السعودي ان يراجع سياسة دعم الخارج خاصة وانها هدر للمال العام قد تنعكس سلبا على الداخل ان استمرت القيادة بتبذير الثروة النفطية يمينا ويسارا على ثورات مضادة قد تنتج ما هو أسوأ على الساحة السعودية في المستقبل البعيد. ولا توجد سابقة تاريخية لدولة دعمت انقلاباً عسكرياً في دولة اخرى استمر الى الابد بل دوما يتحول مثل هذا الدعم الى عبء ثقيل تدفع فاتورته الدولة المانحة والمتلقية معا ولنا عبر سابقة من تاريخ امريكا اللاتينية والجنوبية حيث لم يقض الدعم الخارجي على ارادة شعوبها بنهضة اقتصادية وسياسة مستقلة تحررها من التبعية للخارج. فهل يتعفن النظام السعودي من تجارب العالم ويعيد النظر في مسلسلات دعم الانقلابات وتمويل الثورات المضادة؟
‘ كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق