وقع أكثر
من 300 شخص من اهالي المعتقلين في السعودية، بيانًا، طالبو فيه وزارة
الداخلية بالإفراج عن المعتقلين، ومعاقبة من يثبت انتهاكه لحقوق السجناء، فضلا عن
تعويض السجناء عن الفترة المظلمة التي قضوها في المعتقلات.
وفيما
يلي نص البيان...
الحمد
لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على من أرسله ربه رحمة للعالمين، وبعد …
فإن الله
تعالى يقول: {ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين
يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم}.
ولقد تكفل
الله بنصرة المظلوم، فقال -كما في الحديث القدسي-: (لأنصرنك ولو بعد حين) وقال
تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} وقد أبان
الله -في كتابه العزيز- مآل الظالمين الذين يظلمون الناس بغير حق، فقال:
{وجعلنا لمهلكهم موعدا} ثم أبان تعالى أن هلاكهم له موعد لا يتخلف، فقال جل
ذكره: {فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا} وأبان تعالى أن أمره لا غالب له ولا
صارف، فقال تعالى: {إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون}.
وحتى لا
يتطرق الشك في نفوس المظلومين، ويدب اليأس بينهم، أقسم الله تعالى في علوه وعظمته -وهو
غني عن القسم- فقال: {فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} يعني: القرآن؛
وما فيه من الوعيد للظالمين، والنصرة لأولياء الله، فسبحان من عطاءه كلام، ومنعه
كلام {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون}.
وقد قال
الله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم} ويعلم الله أننا
جهرنا -في هذا البيان- بما أملته علينا تصرفات أصحاب القرار والمتنفذين, حين
غابت حقيقة الأبواب المفتوحة بزعمهم، وحالنا كما قال الله تعالى: {إلا ما اضطررتم
إليه},وكما قال الأول: إذا لم يكن إلا الأسنة مركب *** فما حيلة
المضطر إلا ركوبها.
بعد هذا
نتقدم نحن أولياء أمور السجناء ومناصروهم -الذين انتهكت حرماتهم، وصودرت
حرياتهم، وأهينت كرامتهم سنين عددا- إلى من يهمه الأمر من الحكام والعلماء
والوجهاء وعموم المسلمين ووسائل الإعلام المختلفة، نتقدم بمطالبنا، وهي مطالب لا
ترقى لسقف الحقوق المكفولة شرعا؛ بل هي أقل من ذلك بكثير؛ لأن أمتنا-ونقولها حقيقة
مرة وصريحة- قد عاشت ذلا لا مثيل له، وقد سلكنا الطرق الكتابية والمشافهة -مع
علمنا بعدم جدواها- فوجدنا أبوابا موصدة، وإن فتحت فهي تؤدي لذات المشكلة
التي جهرنا من أجلها، فصارت طرقنا التي سلكناها سببا لتوسع السجون والاعتقالات،
وقد طفح بنا الكيل، وحالنا كما قال الأول عن نفسه:شكوت وما الشكوى لمثلي عادة*** ولكن
تفيض العين عند امتلائها.
وحتى
يعلم الجميع ما يعانيه أبناؤنا في سجون المباحث، التي خالفوا فيها شرع رب
العالمين، وخالفوا فيها أنظمتهم التي وضعوها، ويا للتناقض! إنهم يحاكمون
أبناءنا لمخالفة الشريعة –زعموا- ومخالفة الأنظمة، ولكي يعلم الجميع صدق ما
نقول نورد بعض مخالفاتهم على سبيل المثال لا الحصر، فمن ذلك:
أولاً:اتفق
الأئمة الأربعة كغيرهم من الفقهاء أن لا حكومة بعد العقوبة، وهاهم أبناؤنا منهم من
مكث أكثر من عشر سنين دون محاكمة، وكما يعلم الجميع أن الإجماع من أعظم سبل
المؤمنين، وقد توعد الله من اتبع غير سبيل المؤمنين بقوله: {نوله ما تولى ونصله
جهنم وساءت مصيرا} .
ثانياً:قال
شيخ الإسلام في الفتاوى: “إنما العقوبة على ذنب ثابت” فأين الذنب وهم لم يحاكموا
أصلا .
ثالثاً:قال
ابن القيم كما في الطرق الحكمية: “الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق
سببها، وهي من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعها بالشبهة”.
هذه
أمثلة لمخالفاتهم الشرعية، ومن أمثلة مخالفتهم للأنظمة ما يلي:
أولاً:نصت
المادة الثانيةمن نظامالاجراءات الجزائية على ما يلي:[يحظرإيذاء المقبوض عليه
جسدياأو معنويا، كما يحظر تعريضه للتعذيب أو المعاملة المهينة للكرامة...] ولكن
الحال كما شاهدتموه بأم أعينكم، الأخ صالح المهوس والأخ ياسر السابح وغيرهما، دخلا
بأرجلهما بصحة وعافية، وخرجا على سريرين، والجميع يعلم أن هناك من خرج ميتا، أو
مسحورا، أو مصابا بأمراض نفسية وجسدية، والعياذ بالله، وهم بالمئات، وأسماؤهم
معروفة، وما حالة الأخ شريف التشادي -رحمه الله، الذي مات في سجن عسير بالأمس
القريب- عنا ببعيد .
ثانياً:نصت
المادة الثالثة على ما يلي: [لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص؛ إلا على أمر
محظور ومعاقب عليه شرعا أو نظاما، وبعد ثبوت إدانته بناء على حكم نهائي، بعد
محاكمة تجرى وفقا للوجه الشرعي]والسؤال هل هناك عقوبة أعظم من السجن، وما يتعرض له
السجين فيه من ظلم وعنت واعتداءات متكررة، لا يصدقها سوى من وقعت عليه؟ .
ثالثاً:نصت
المادة الرابعة عشرة على ما يلي: [تتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق،
طبقا لنظامها ولائحتها] وكما هو معلوم أن التحقيق مع السجناء -كلهم دون
استثناء- تم من قبل جهة غير مخولة، وهي المباحث العامة، وحسب هذه المادة وما
سبقها من مواد يكون التحقيق باطلا يجب عدم الاعتداد به.
رابعاً:نصت
المادة الرابعة عشرة بعد المائة على ما يلي: [لا تزيد مدة التوقيف -في أقصى
حالتها- على ستة أشهر من تاريخ القبض، ويتعين بعدها إحالة المتهم للمحكمة، أو
الإفراج عنه] وأبناؤنا مكث أكثرهم قرابة السبع سنين دون محاكمة ألبتة، وبعضهم
مكث أكثر من عشر سنين، وأسماؤهم موجودة معروفة لا تخفى.
خامساً:نصت
المادة الثامنة والثمانون بعد المائة على ما يلي: [كل إجراء مخالف لأحكام الشريعة
الإسلامية أو الأنظمة المستمدة منها يكون باطلا] وكذلك المادة التاسعة
والثمانون بعد المائة، والمادة التسعون، والحادية والتسعون، والثانية والتسعون بعد
المائة، كلها تنص على إبطال السابق واللاحق من الاجراءات إذا خالفت الشرع والنظام .
سادساً:نصت
المادة الأولى بعد المائتين على ما يلي: [ينقض الحكم إذا خالف نصا من الكتاب أو
السنة أو الإجماع] ونصت المادة الثانية بعد المائتين: [ينقض الحكم إذا خالف
الأنظمة المتعلقة بولاية المحكمة...]كل هذه المواد من نظام الاجراءات الجزائية
خالفوها، فقد نظموا تلك المواد محاولة لإصلاح الحال؛ ولكن أفسدوها بنقضها، كما قال
الأول: بالملح نصلح ما نخشى تغيره*** فكيف بالملح إن حلت به الغير .
سابعاً:نصت
المادة الثالثة من نظام المرافعات الشرعية على ما يلي: [لا يجوز توقيع عقوبة على
أي شخص، إلا بعد ثبوت إدانته بناء على حكم نهائي] فأين هذا الحكم يا ترى؟
ثامناً:قال
مفتي الديار السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم -رحمه الله- كما في
الفتاوى، في قضية رفعت له من الشرطة: “إن اعتراف المتهم غير موصل فيما يظهر؛ لأن
المعروف من اجراءات الشرطة -في مثل هذا، وما هو أقل منه- التي تسلك
وسائل التعذيب والتهديد مع المتهمين حتى يعترفوا تحت الضغط، لاسيما وهو سجين
عندهم، ولا يخفى أن مثل هذا دلالة واضحة على الإكراه…”.
وقد
أوردنا هذه المواد حتى ما يخص ما بعد المحاكمة؛ لنوضح أنها باطلة، لأنها مبنية على
باطل -كما تقدم-وليعلم الجميع ما يقاسيه أبناؤنا من بلاء تنوء بحمله الجبال،
ووالله إنه لمن العار أن نبيت في رغد من العيش والحياة المترفة وفلذات أكبادنا
يئنون ويصرخون، ليس ممن ظلمهم -كلا، فهذا له شأن أخر؛ لأن الظلم سجية للظالم- ولكن
من سكوتنا عن نصرتهم؛ وسبب ذلك تعودنا على عبودية الذل والمهانة، بدعوى أننا
مخالفون للشريعة تارة، أو بدعوى مخالفة النظام أو إثارة الفتن تارات أخرى، وكل هذا
لا ينكره من ألقى السمع وهو شهيد، وليس يصح في الأذهان شيء***إذا احتاج النهار إلى
دليل .
وإنه لمن
العجب أن يوصف المطالب بخروج ابنه أو ابنته بإثارة الفتن وتأليب الرأي العام،
ويسكت عن الظالم وأعوانه، وهم في الأصل حماة البلاد وتوفير الأمن، فصرنا كما قال
الشاعر: المستجير بعمرو عند كربته***كالمستجير من الرمضاء بالنار
وبناء
على ما تقدم فإننا أولياء أمور السجناء وذووهم ومناصرهم نطالب بما يلي:
أولاً:الإفراج
الفوري عن السجناء والسجينات جميعا دون شرط أو قيد، ومن كانت عليه قضية يحاكم -وهو
خارج السجن- بمحاكم شرعية، تحكم بالكتاب والسنة، لا محاكم مسيسة، كما هو واقع
المحكمة الجزائية المتخصصة.
ثانياً:محاسبة
كل من شارك في تعذيب السجناء والسجينات أو ظلمهم، أيا كانت وظيفته أو موقعه، فليس
أحد فوق شريعة رب العالمين.
ثالثاً:التعويض
الكامل الذي يقرره الشرع المطهر لكل مظلوم من السجناء والسجينات، تعويضا يكافىء
بعض ما نالهم من عنت وبلاء عظيم، مع أن الدنيا بأسرها لا تعوض كرامة سجين أريقت
كرامته في ردهات السجون المظلمة.
وإننا
نؤكد في حالة عدم الاستجابة لمطالبنا -وهي كما سبق لا ترقى لبعض الحقوق
المهدرة- فإننا نعذر أمام الله، ثم أمام إخواننا وإعلام الأمة الحر المنصف،
حال قيامنا بكل الوسائل المشروعة، التي ترفع الظلم عن المعتقلين، وترد لهم
اعتبارهم .
وختاماً:فإنا
نؤكد أننا لسنا دعاة فتنة وإثارة؛ بل طلاب حق، ودعاة للجماعة، تحت راية العدل
والإنصاف، ونذكر المسلمين بقوله صلى الله عليه وسلم : (ألا لا يمنعن أحدكم
رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده، فإنه لا يقرب من أ جل، ولا يباعد من رزق
أن يقول بحق أو يذكر بعظيم…) رواه أحمد بسند صحيح
وأخيرا
نقول: إننا والله صمام أمان دون اندفاع الناس المحتقنة؛ جراء الظلم والقمع
والتهديد الذي ولى وقته، وأصبح لا يجدي، نسأل الله أن يفك أسر المأسورين في سجون
الظلم والطغيان، وأن يبرم لنا ولهم أمرا رشيدا، إنه سميع قريب مجيب، وصلى الله على
محمد وآله وصحبه وسلم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق