24 سبتمبر 2012

هل نحن شعب خارج الزمان والمكان؟ د. مضاوي الرشيد

لا شعار تطرب له مسامع الحكام العرب اقوى واكثر تأثيرا من شعار 'اوباما اوباما.. كلنا اسامة' ولا علم يرفرف وتهب ريحه بردا وسلاما اكثر من علم القاعدة الموشح بالسواد فتبيض ايام الحكام والملوك الذين ينتظرون ساعة الثورة بخوف وارتجاف. جاءت الهتافات من تجمع صغير في شوارع الكويت بعد ان ردده المتظاهرون في اكثر من عاصمة عربية في غمرة احتجاجات متوالية وحاشدة لخص هذا الشعار سياسة الانظمة العربية خلال عقد كامل بعد احداث ايلول (سبتمبر) وتبنوا معادلة مغلوطة تقوم على اقناع شعوبهم ان هناك خيارين اما نحن او القاعدة كبديل لانظمة انتهت صلاحياتها واقتنع الكثيرون بهذه المعادلة ذات الزاويتين دون الحاجة الى التفكير بخيار ثالث كانت الانظمة نفسها قد قتلتها وسجنتها لتستبعدها من الساحة هذا بالاضافة الى اقتناع العالم وخاصة الغربي ان الحكام العرب هم صمام الامان ضد الايقونة التي ترفض ان تموت حتى لو القيت جثة هامدة في بحر العرب. 
فرتب الحكام العرب ملفاتهم حسب خيارين لا ثالث لهما واقنعوا العالم ان الشعوب العربية ستجد نفسها تلهث خلف اسامة ومشروعه الجهادي العالمي ان فسح لاتباعه المجال بزوال صمامات الامان المعسكرة القمعية فعاشوا لحظة استمتاع بنشوة آنية ولحظة غضب الشعوب وهتافاتها لتعود مجددا وتصر على خطابها الدعائي الهادف الى تثبيت نظريتها الثنائية. 
ورغم رسائل الاعتذار والوعود بملاحقة الهاتفين والقاتلين والمعتدين على السفارات الا ان معظم الحكام العرب المتبقين يتبنون نظريات مماثلة لنظريات الآخرين عن الشعوب العربية والتي حسبتها سلسلة من الصور على صفحات الجرائد والمجلات العربية والعالمية منها الايكونوميست وتايمز ونيوز ويك التي التقطت صورا لذلك العربي والمسلم الغاضب في لحظة هيجان وقد اكفهر وجهه وجحظت عيناه وتشنجت شرايينه واندلق لسانه خارج فمه يردد شعارات القتل ويهتف باسم الايقونة الغائبة الحاضرة. تستبشر الانظمة العربية بهذه الصور المقيتة المنتقاة حسب معايير الاثارة والتحريض والتي تثبت تنبؤات الكثيرين الذين لا يرون في هذا المسلم العربي سوى عاطفة الغضب غير المرشد وهمجية العصور الغابرة والتطرف الديني الذي لا يخضع لمعايير الحضارة وقواعدها فلا قاعدة سوى القاعدة ولا معيار سوى معيار الثأر والقتل وهو ما جاهد حكام العرب على تكريسه في اذهان الآخرين في مشروع البقاء على كراسي الحكم واعتقد هؤلاء ان سقوط هذه الصورة النمطية هو بالضرورة سقوط للعروش وكراسي الانظمة التي استمدت ديمومتها من خطر القاعدة وهمجية الشعوب العربية التي سعى هؤلاء لتكريسها في أذهان من ضمن سلامة الانظمة ومدها بالسلاح والتقنية والخبرة لكبح جماح الطوفان الهمجي والتخلف الحضاري المزعوم.
عودة الايقونة الغائبة الى شوارع العواصم وميادينها بشرى سارة للانظمة المتبقية والتي انتظرت بفارغ الصبر العودة الى الجهاد ضد العدو البعيد لتستريح من شعارات الجهاد ضد العدو القريب ولو لفترة قصيرة تستعيد انفاسها بعد عامين من الثورات التي قلبت المعايير ودقت نواقيس الخطر في كل العواصم العربية حتى تلك التي تتغنى بتدجين شعوبها ورشوتها لهم في سبيل استبعاد خطر الثورات فجاءهم الفيلم المسيء وردات الفعل عليه كهدية من السماء لتذكر العالم المتوجس من التغيير التاريخي في المنطقة من تداعيات سقوط الانظمة القمعية حيث تأتي جحافل القاعدة وتتمركز في قلب السلطة وتستأثر بموارد اقتصادية يعتمد عليها العالم بأجمعه. وكانت الرسالة واضحة وصريحة اهداهم اياها طيف من المتوترين الذين نذروا انفسهم لاستفزاز العالمين العربي والاسلامي بالتعرض لمقدساته وثوابته منتظرا ردة فعل بحجم الاساءة وصورا كالتي التقطتها عدسات الكاميرات العالمية وتسجيلات صوتية تهز مضاجع الغرب منذرة له ومنبهة له بخطر ذلك الآخر الذي يرفض ان يصل الى سن الرشد الحضاري فيضحك على افلام التهكم والكوميديا الساخرة التي تحتويها انتاجات المخيلة الضاربة في حقدها وعنصريتها على الاسلام واهله ورموزه تماما كما يضحك هو.
لقد خدم المحتجون على الفيلم المسيء للرسول نظامين متكاملين متممين لبعضهما اولا النظام العربي القمعي وثانيا النظام الغربي المساند لهذا النظام. للمحتجين الحق الكامل في الاحتجاج والتظاهر ولكن ليس من حقهم ان يعتدوا على الآخرين تماما كما هو ليس من حق الانظمة ان تمنع الاحتجاج او تقمع المحتجين وتسجنهم كما حصل في السعودية. فالانسان الذي لا يحتج يتحول الى مطية من السهل ركوبها وتمرير مشاريعه عليها بسهولة فائقة. لن يكون الفيلم المسيء للرسول آخر حلقات الاستفزاز الا بحلول جذرية لمعضلة العالم العربي والاسلامي مع الغرب. هذه المعضلة تمتد جذورها الى الماضي والذي لم يتحول الآن الى صفحة في الذاكرة التاريخية تنطوي الى الابد. العلاقة المختلة بين الغرب والعالم الاسلامي لا تزال موجودة وقائمة على مبدأ الهيمنة والاحتواء لكل تيار يهدد استمراريتها وان كانت العلاقة متأصلة في عدم توازنها في قاعات صنع القرار الغربي الا انها تتعداه الى الثقافة الغربية السائدة والعامة التي تبرز في الفن والافلام والصور وغيره من مساحات الابداع حيث يظل التهكم على الآخر المسلم مدعاة للفكاهة والتندر والتعدي على مقدساته جرأة حسب معايير الحرية الفكرية المزعومة.
العلاقة المختلة بين الغرب والعالم الاسلامي بشقيها السياسي والثقافي من جهة وشقها الاقتصادي من جهة اخرى تعتبر ارضية خصبة لاستمرار الصراع الذي قد يصوره البعض انه صراع ازلي لن ينتهي الا بانتصار احدهما على الآخر وفناء المهزوم فالعلاقات بين ابناء الحضارات المختلفة لا تقوم على مبدأ النصر والهزيمة بل على علاقات الترابط والتواصل خاصة في مساحات معولمة مفتوحة اثبتت ان التعددية هي الحل الوحيد والقبول بها ولو على مضض هو مفتاح الامان والسلام ومن اجل هذا السلام ان يصبح حقيقة على الارض على الغرب ان يقبل ان حدود حرية التعبير لن تكون صرحا يحميه من احتجاجات قادمة وهي حرية ليست مطلقة تخول الغرب ان يتطاول على مقدسات الآخرين ويتهكم بها وكذلك على العالم الاسلامي والعربي ان لا يعيش على وهم النصر المطلق فكما لنا حساسيتنا كذلك لهم حساسياتهم ولن يأتي هذا النصر بالغاء الآخرين او اسوأ من ذلك تصفيتهم تصفية كاملة. ومن اجل هذا الحل ان يصبح مستساغا تحتاج المنطقة العربية خاصة حكومات تمثل شعبها تستطيع ان توصل ارادته الى المحافل العالمية لتضغط على المجتمع الدولي ان يتقيد بقوانين تجرم التعدي على المقدسات فكما يؤمن المسلم بأنبياء سابقين على المؤسسات الحقوقية العالمية اولا والمحلية ثانيا ان تقبل بهذا الاسلام والذي ان جاء متأخرا تاريخيا عن الديانات الاخرى كاليهودية والمسيحية الا انه حاضنة لمفاهيم انسانية عالمية تشترك فيها حزمة كبيرة من الاديان السماوية وغير السماوية وان كانت ردة فعل الشارع العربي والاسلامي على الاساءة عنيفة فلن يتجرأ مسلم واحد على التعرض لعيسى او لموسى وكلاهما نبيان يؤمن بهما المسلم فقصص موسى وفرعون لا تزال محطة الهام لمسلمين ملوا من حكم الطغاة وسيرة عيسى لا تزال عبرة لمسلمين يقتدون أثر الرسول والانبياء في تعاملهم مع قومهم. وطالما ظلت الشعوب العربية مفتقرة لحكومات تمثل طموحها وآمالها وطالما ظل الغرب متعنتا يلجأ للحلول العسكرية عند كل محطة في علاقته مع العرب والمسلمين لن نستبدل منظومة التهكم على المسلمين بمنظومة التعامل المبني على الاحترام والاعتراف بحقهم في المطالبة بسن قوانين تضمن عدم التعدي على مقدساتهم في المستقبل. والتغيير المطلوب لا يقع على اكتاف الآخرين بل هو مسؤولية العرب اولا واخيرا حيث يأخذون زمام المبادرة ويقتلعون الانظمة التي اعتاشت على مقولات همجيتهم وتخلفهم وتطرفهم الديني ويثبتون لانفسهم اولا وللعالم ثانيا انهم يستطيعون تقرير مصيرهم باسلوب حضاري ينبذ العنف ويلجأ للاحتجاج السلمي. وهذا سيظل الخيار الثالث الذي لا يطيقه حكم الطغاة لانه خيار يفضح زيف دعايتهم المبتذلة بحق شعوبهم وتصويرهم المستمر لهذه الشعوب انها شعوب عاطفية لا تزال في مرحلة الطفولة المبكرة او المراهقة السياسية التي تعتاش على ايقونات ماتت.
فقط الشعوب الحرة التي تقرر مصيرها هي الشعوب التي تعتبر كل شخص في مجتمعها ايقونة مصانة لها حقوق وعليها واجبات. بعدها فقط لن يهتف المسلم المهانة مقدساته الا هتافا واحدا: نحن شعب ليس خارج الزمان والمكان.

' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق