21 أغسطس 2012

مقولات عدم جاهزية السعودية للديمقراطية د. مضاوي الرشيد


تتردد في الاوساط السعودية وخاصة المثقفة التابعة للسلطة السياسية والعاملة في مؤسساتها الاعلامية مقولات تنفي عن المجتمع السعودي جاهزيته للديمقراطية والتغير السياسي الجذري الذي يقنن الاستبداد والحكم التسلطي والاستئثار بالسلطة المطلقة ويفتح المجال للمشاركة الشعبية عن طريق انتخابات وطنية تمثل اطياف المجتمع.
 وترتكز هذه المقولات على التلويح بخطر الانقسام الطائفي والمناطقي وتتنبأ بوصول المتطرفين والمتشددين ان فتح المجال لهم واصبحوا متمكنين في الدولة مما يؤدي الى تقليص الحريات الشخصية ومزيد من القمع وتأخير عجلة التنمية ويهدد بعض المثقفين بالخطر القبلي وبعبع الاقتتال على محاور قبلية ونعرات عشائرية تفتك بالسلم الاجتماعي وتؤدي الى التشرذم والعنف، فيرسم المحذرون من الديمقراطية صورة قاتمة عن المجتمع السعودي وكأنه مزيج من وحوش كاسرة شرسة ستنقض بعضها على بعض في حروب داخلية ازلية طاحنة لا يوقفها عند حدها سوى النظام الحالي المتسلط فيكبح جماحها ويقلم مخالبها وينشر السلام والامن والاستقرار ويفرح المتثقفون والمعتاشون على مؤسسات النظام المتسلط الاعلامية بكل تعثر لعملية ديمقراطية ناشئة في دول الجوار العربي وكأنهم يترحمون على الانظمة السابقة وكأنها كانت مثالا للحريات الشخصية والامن والامان. ويبتهج بعضهم بحمامات الدم التي تنتج عن عمليات تفجير عشوائية تستهدف المدنيين ويتغنى آخرون بما يسمونه العملية الديمقراطية الصامتة في السعودية حيث الابواب المفتوحة تدخلها افواج المظلومين والمطالبين بحقوقهم الانسانية والمدنية والسياسية في السعودية فيرسمون صورة بهيجة منمقة لآليات الزبونية والتبعية والواسطة التي يقوم على اساسها النظام السعودي ويعتبر مثقفو السلطة ان هذه البوابات هي الآلية الشرعية الآمنة لدخول البلاد تدريجيا الى عتبات الاستقرار والتنمية خاصة في مجتمع لا يزال في مرحلة الطفولة السياسية والثقافية ولم يصل حتى هذه اللحظة الى الرشد الحضاري الذي يخوله ان يمسك زمام الامور ويتصرف ثقافيا حسب معطيات ومستلزمات الديمقراطية السياسية.

ولا يحدد هؤلاء مرحلة انتهاء الطفولة او المراهقة الاجتماعية بل هم يعتقدون انها حالة ازلية ومرحلة مفتوحة قد لا يتبعها امتحان صعب قد يرسب فيه المجتمع السعودي وكأنه في امتحان مدرسي لا يتجاوز المرحلة الابتدائية. عندما يجعل المثقف الثقافة كحجر عثرة يقف في وجه التغيير السياسي ينسى هذا ان الثقافة لا تنمو بمعزل عن المعطيات الاقتصادية والبنية السياسية حيث تتفاعل معها وتفرز اطيافا متنوعة بعضها يجنح نحو الانفتاح السياسي وبعضها يظل متقوقعا خلف علاقات الزبونية والهويات الضيقة التي تغذيها اساليب السياسة القمعية. ويرد لك مثقف عدم جاهزية المجتمع للديمقراطية سلسلة من الاسئلة الشخصية ان كان جوابك عليها بنعم تكون قد اصبحت جاهزا وان كان الجواب لا فأنت لا تزال تترنح في تقليديتك لا تصلح لك الديمقراطية منها وربما اهمها ما يتعلق بالحرية الدينية والعلاقات الجنسية فيسألك هل تقبل بزواج المثليين او العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج او هل تزوج ابنتك لقبيلة اخرى او لغير قبلي الى ما هنالك من اسئلة هدفها الوصول الى اجوبة تعتبر دليلا على عدم جاهزيتك للممارسة السياسية الديمقراطية. وهنا يخلط هؤلاء بين النظام الديمقراطي السياسي وبين الخيارات الشخصية التي قد لا تتعلق بالممارسة السياسية ولا تزال هذه الاسئلة موضع جدل حتى في اعرق الديمقراطيات التي تعتمد على المرجعية البشرية في تشريعاتها رغم ان ارثها الديني القديم قد اثبت دخوله الى اكثر القوانين علمانية وضعية.
ان اخذنا بريطانيا كمثال نجد انها لفترة قصيرة اعتمدت تعريفا قانونيا للزواج مستمدا من ارثها المسيحي وكذلك فرنسا الاكثر علمانية فالديمقراطية السياسية مهما كانت عريقة وقديمة لا تنفي كليا ماضيها وثقافتها وحتى هذه اللحظة هناك ديمقراطيات لا تسمح بحريات جديدة خاصة في مواضيع زواج المثليين او غيره كتبنيهم للاطفال وان نظرنا الى المجتمعات التي تحكمها الديمقراطيات نجد ان ثقافتها وخياراتها الشخصية ليست دوما ديمقراطية او ليبرالية مفرطة، فالعنصرية واقصاء الآخرين والطائفية وعدم المساواة بين الجنسين في العمل او الحياة العامة لا تزال مواضيع ساخنة اجتماعيا رغم القوانين المتبعة والمطبقة والهادفة للتقليص من حدتها وهيمنتها على الحياة العامة. وفقط القوانين وحدها من يكفل تفشي العنصرية والاقصائية والتعدي على الآخرين بعد ان تعلمت الديمقراطيات وخاصة الغربية دروسا هامة من تاريخها الاسود حيث الحروب الدينية والابادة الجماعية وانتهاكات حقوق الانسان والاستغلال الطبقي كان صفة ملازمة لتطورها التاريخي ولم تنهض نهضتها المادية والتقنية الا بعد ان وضعت حدا قانونيا لمثل هذه الانتهاكات المزمنة وحتى هذه اللحظة لا تزال مؤسسات المجتمع المدني في الديمقراطيات ناشطة للتصدي للانتهاكات المزمنة تفضح ممارسات الدولة والمجتمع كلما ظهرت بوادر التراجع عن الحقوق المكتسبة.
ولا نستطيع ان نجزم ان المجتمعات التي تعيش تحت انظمة ديمقراطية هي مجتمعات مثالية تنتفي فيها انواع العنصرية وتقبل بالآخر بشكل مطلق او تروج لزواج المثليين وغيره من امور ترتبط بالخيارات الشخصية ولم تنتظر هذه الشعوب ان تنجح في امتحان الديمقراطية ثقافيا لتتبنى انظمة فيها تمثيل سياسي حقيقي ومؤسسات مجتمع مدني مستقلة وسلطات منفصلة تشريعية وتنفيذية ولم تروج لعدم جاهزية مجتمعاتها ثقافيا عندما خرجت لتنفض عنها التسلط الاقطاعي وحكم الاسر المستبدة وسرقة ثروات البلاد والاستئثار بالقرارات التي تطال المجتمع وثروته. الامتحان العسير الذي يروج له مثقفو السلطة في السعودية هو امتحان فاشل مبني على خلط اوراق كثيرة وملفات شائكة ونظرة دونية للمجتمع هدفها الوحيد تأجيل المواجهة الحقيقية المستحقة بين قوى ملتزمة بالطاعة للسلطة المطلقة ومنتفعة من عدم التحول الى الديمقراطية لانها نفسها تسقط في امتحان ديمقراطي ووجودها في مواقع مفصلية في الدولة يعتمد اولا واخيرا على طاعتها وولائها وليس عمقها الثقافي وحجتها المنطقية وارثها الفكري وقوى اخرى نذرت نفسها ان لا تنشغل بامتحانات الشعب بل بامتحان المقاومة لنظام متسلط ينهب الثروات ويقمع الحقوق دون حسيب او رقيب ويعلم مثقفو الديمقراطية المؤجلة ان الاطاحة بمثل هذا النظام سيؤدي حتما الى الاطاحة بزمرة الترويج للديمقراطيات الصامتة او المؤجلة التي تقبل ان تعيش اكبر كذبة واسطورة متخفية خلف مؤسسات تدعي الفكر والثقافة وهي ابعد ما تكون عنهما وان فشل المجتمع حتى هذه اللحظة بتبني ثقافة ملائمة للديمقراطية فهذا دليل آخر على فشل مؤسسات الدولة التربوية ودور مثقفي السلطة السلبي. ليفهم من يدعي عدم جاهزية المجتمع السعودي للديمقراطية ان مجتمعنا لا يحتكر العنصرية والقبلية والتقليدية والتشدد الديني او التطرف كما يزعمون فهذه سمات تلازم كل الشعوب الفرق الوحيد ان بعض المجتمعات انتفضت ضد من يسلبها حقوقها الانسانية واخرى لا تزال ترزح تحت التهديد بالسجن والاعتقال ان هي اثبتت انها مجتمعات انسانية حية تتحرك وتواكب التغيرات العالمية والاقليمية وتتجاوب مع الفكر الذي يطالب بتقرير المصير والمشاركة في العمل السياسي.
لا يستطيع اي مثقف ان يدعي انه نجح في تغيير الثقافة لكنه يستطيع وبكل فخر ان ينأى بنفسه عن ثقافة الحكم المتسلط وتبرير الاستبداد وتبني استعلائية على المجتمع الذي يصوره البعض انه مجتمع طفولي مراهق. المثقف الحقيقي الفاعل لا يمتحن مجتمعه ليستنتج انه طالب فاشل يرسب في امتحان ثقافة الديمقراطية بل يعري العنصرية والطائفية والقبلية والمناطقية ان فتكت بالمجتمع ايا كانت الجهة المسؤولة عنها. اثبت مثقف السلطة انه شريك لمثقف الهويات الضيقة همه الوحيد اقصاء الفكر الذي يعري زيفه الفكري وخداعه لمجتمعه وعلاقته الحميمة مع السلطة يجعله ينأى بنفسه عن فضح ممارساتها التي تنتج وتعيد انتاج علاقات القمع المجتمعي والديني والشخصي والسياسي. معضلة تأخر رياح الديمقراطية في السعودية ليست الثقافة السائدة بل علاقات سياسية واقتصادية ودينية تشابكت تحت مظلة النظام السعودي لتخلق ثقافة الطاعة العمياء للحكم التسلطي الذي ينتفع منه الكثير من المثقفين وغير المثقفين الذين سيخسرون الكثير في مرحلة قادمة تنفي تسلطهم على المجتمع وفكره وثقافته. ولا تخيف الديمقراطية سواهم حيث سيفقد هؤلاء المنصب كذيل للسلطة القمعية يلهث خلفها حفاظا على مكانة ووجاهة ومرتب شهري لا يستحقونه.
* القدس العربي -د. مضاوي الرشيد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق