منذ
بداية ما سمي بالربيع العربي والأنظار تتجه نحو مملكة آل سعود وأهمية التغيير فيها
وما إذا كان هذا التغيير سيعني نهاية حقبة الممالك والمشيخات في منطقة الخليج
العربي.
المتابع لتطورات
الأوضاع في المملكة يعرف أنها الدولة الأكثر احتياجاً للتغيير وإعمال القوانين
الإنسانية فيها كما أنها الأكثر تدخلاً في شؤون الآخرين رغم السياسة المحافظة التي
موه بها النظام طريقة تعاطيه مع الشأن الخارجي.
لا يتسع المقام هنا للبحث في طبيعة النظام في المملكة ولا بحجم المظالم والظلام الذي يحيط بحياة الناس الاجتماعية والسياسية، كما أننا غير معنيين هنا بنقاش آليات الكبح التي يستخدمها النظام ضد الناس وعلى رأسها الدين والمذهب الوهابي المتطرف على وجه الخصوص كما بحجم الرشا التي يقدمها أحياناً لوقف تداعيات حدث كالذي وقع في تونس ومصر، ما يهمنا هنا هو رؤية الأسباب والدوافع لتعيين شخص من الدائرة الملكية الضيقة لآل سعود كان موضوعاً على الرف لفترة طويلة تحت مسمى رئيس لجنة الأمن القومي بالمملكة مديراً للمخابرات العامة والذي يعني انتقال الرجل إلى الدائرة الخاصة جداً حول الملك عبد الله عمه ومليكه وبالتالي الأهمية الكبرى ليس فقط للموقع بل لدواعي هذا التعيين الذي جاء مفاجئاً للبعض ومفهوماً للبعض الآخر. إن احتلال بندر بن سلطان هذا الموقع يشير أولاً إلى اتجاه المملكة لمزيد من التوافق والتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها العدائية للمصالح العربية وتحديداً تجاه ضرب الدولة السورية تحت شعار إسقاط النظام وحماية الشعب السوري الباحث عن الحرية برغم علم الناس جميعاً أن حياة وحرية الشعب السوري هي آخر اهتمامات أمريكا وآل سعود.
عمل بندر بن سلطان سفيراً لمملكته اثنين وعشرين عاماً في الولايات المتحدة الأمريكية تعلم خلالها كل فنون التآمر وأعمال التجسس ونسج علاقات وطيدة ونفعية مع عدد كبير من المسؤولين الأمريكيين سواء في البيت الأبيض وإداراته المتعاقبة أو في الكونجرس الأمر الذي أهله لعلاقات قوية مع قوى إسلامية متطرفة كانت تعمل لصالح الولايات المتحدة الأمريكية سواء في أفغانستان أو باكستان أو لبنان أو غيرها من الدول، وكذلك جعلته قادراً على معرفة المداخل الصحيحة لاجتذاب هؤلاء نحو أهداف محددة تبتغيها مصالح عائلته ومملكته، وقد اتهم الرجل كثيراً بالوقوف خلف بعض العمليات الإرهابية أو تمويلها بما فيها التفجير الإرهابي أمام سور فرع فلسطين على المحلق الجنوبي بدمشق قبل الأحداث الأخيرة والذي أشارت الدلائل إلى قيام تنظيم " فتح الإسلام بتنفيذه بتمويل منه.
إذن وبعد مدة إحالته للتقاعد عملياً ما الذي دفع الملك عبد الله إلى تعيينه في هذا المنصب الحساس والخطير؟ بالإضافة لما ذكرناه من سعي لمزيد من التنسيق مع أمريكا كون الرجل خبير في العلاقة معها فإن السبب الهام لتلك العودة هو محاولة الملك والنظام السعودي الآيل للسقوط حماية نفسه وتأخير موعد اختفائه عبر جهود الخبير بندر بن سلطان صاحب العلاقات الوطيدة مع قوى التطرف وإمكاناته المشهودة في تحويل وجهات العمل "الجهادي" لغير ما اراده الجهاديون في مشرق الوطن العربي ومغربه، وبالتالي إمكانية أن يبعد هذه الجماعات عن القيام بما تقوم به في سورية ومصر وتونس حيث أنها جميعاً بمن فيها حركة الإخوان المسلمين تضع هدف الاستيلاء على السلطة كأولوية مطلقة وتسبقها عن تحالفاتها أو علاقاتها التكتيكية سواء مع السعوديين أو الأمريكان، والأمر ينطبق على هدف تدجين القوى الليبرالية والديمقراطية التي تناضل داخل المملكة وخارجها منذ زمن طويل.
إن تعيين بندر بن سلطان وقيامه بمهمات من نوع خاص بات معروفاً من الجميع وهي تأتي في سياق محاولات صرف الأنظار عما يجري في المملكة من حراك سيودي بحكم أسرته القروسطي وبكل التراكم السيء للحكم التوليتاري والفساد الذي ينخر عظام الحجاز منذ عقود ناهيك عن عمليات النهب المنظمة لثروات البلد وتسخير إمكاناته لخدمة المصالح الأمريكية التي قصد من ورائها تأمين الحماية من جانب الدولة الإمبريالية الأكبر لهذه الأسرة الحاكمة هناك بقوة السيف، وهي مهمات طابعها أمني تآمري. إن كافة المحللين قد أجمعوا على أن تعيين بندر يرتبط مباشرة بالحراك والأزمة في سورية وبالتالي فإن هذا يوضح لمن لا يعرف مخططات المملكة وتنسيقها مع الأمريكيين بأن العمليات التي سيقوم بها مدير المخابرات السعودي الجديد ستنصب على التدخل والتخريب داخل سورية ومحاولة سد ثغرات السياسة المرتبكة والعاجزة وغير المقنعة لبلده تجاه الداخل وما يجري فيه سواء في المنطقة الشرقية و المدن الرئيسية أو الخارج وتحديداً تجاه سورية والنقيض في البحرين واليمن.
إن سعي أفراد الأسرة المالكة في السعودية لإبعاد شبح التغيير عن بلادهم يأخذ هذه المرة طابعاً أمنياً مخابراتياً، وكل حديث ودعاية حول اهتمامهم بالحرية وحقوق الانسان هي موضع سخرية من الناس ولن ينجح بندر بن سلطان لا في سورية ولا داخل مملكته، وإن غداً لناظره قريب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق