19 سبتمبر 2011

شيءمن الفساد ..,, رحلة 80 مليار ... بقلم الأميرة بسمه بنت سعود بن عبدالعزيز


جلست أمام جهاز التلفاز أشاهد بهدوء وموضوعية ما تقشعر له الأبدان ‏ويحار منه الزمان ويولد علامات تعجب واستفهام، ثمانون مليار ريال، وما ‏أدراك إلى أين ذهبت الثمانون مليارا، وفي جيوب من عبرت تلك الأرقام لتصل ‏إلى ما صرفت له؟ ‏

مشروع القطار، كلنا نعرف تكلفته الأصلية والشكل الذي عرض قالبه على ‏الملك وكان شبيها بالرصاصة الفولاذية والحضارة اليابانية، والتقنية ‏الأمريكية، والرفاهية الفرنسية، ذو أرقام فلكية، وعندما بدأ تشغيله رأينا ‏بضاعة صينية، لا تشبه الصور المقدمة إلى الملك والسلطات التشريعية، ولا ‏تمت بصلة إلى الأرقام الفلكية التي سحبت من أجل تشغيل هذا القطار الذي ‏وصف من أحد الحجاج بالخارج 'عجبت يا جماعة المملكة تشغل هذا النوع ‏من الأجهزة، إحنا ما عندناش فلوس، بس شغلنا أحسن القطارات، بأقل ‏الأسعار، حتى لو كان إتاكل منها كتير، ولكن صرف منها الكثير'.‏

عندما سمعت هذه العبارات هززت رأسي، وقلت لنفسي: ما هو الجديد في ‏الساحة، فهذا ما تعودنا عليه في كل مرة، أرقام فلكية، وتنفيذ لا يرقى إلى اقل ‏الحضارات تقدما، قالبا من غير قالب، قشور ذهب والقالب من تنك!‏

أما وفي نفس المجال، تقف الساعة الرهيبة، ذات الشكل البريطاني الذي ‏ينتمي إلى ساحة بيكنجهام، وليس فوق بيت الله الحرام، والشعار الذي يعلو ‏الساعة وكأنه محتار إلى أي ثقافة ينتمي، فشكل الساعة فوق المسجد الحرام ‏بحد ذاته'حرام'.‏

وإن لم يجرؤ أحد من مشايخنا الكرام أن يقوله خوفا من السلطات المحلية ‏والأوامر التنفيذية، فإنني أقولها ووجدت جمهور لا يخاف إلا رب العزة ‏والجلال، إن كل الأشكال الهندسية التي أحيطت بالبيت الحرام، هي ذات دلالة ‏خطيرة، لتغطية الكعبة الشريفة عن أعين المعتمرين والحجاج، وسكان بكة ‏الطيبة، ومرتع لمنتجعات لا تمت بصلة على روحانيات هذا البلد الأمين، ولا ‏لشعائر الحج والعمرة من جهاد وشعور بالانتماء إلى الثقافة الإسلامية ‏والشعائر الدينية التي أمرنا بها بان نزهد في الدنيا وما عليها ونتساوى كخلق ‏أمام الرحمن، وشعائر هذا الدين الحنيف الذي ساوى بين العربي والأعجمي ‏بالتقوى.‏

أما كانوا يسألون أحفاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين ‏عندما كانوا يعتمرون أو يحجون لماذا لا يمتطون الأحصنة ويحملون الخيام ‏ويتزودوا بأحلى الطعام وهم ذاهبون إلى هذه المناسك المقدسة، ألم يكن ‏جوابهما شاف للقلوب الميتة بأنهما يريدا الأجر في كل خطوة مرتجلين الرحلة ‏على الأقدام حتى ينالا الجر والثواب الكاملين؟

وألم يقولا إنها رحلة الجهاد الأكبر والشعور بالزهد من ما يعكر صفو هذه ‏الرحلة الروحانية، ألم يطلب الرسول بعدم أخذ أجر مبيت المسلمين الذين ‏يصلون إلى مكة للحج والعمرة ألم.... ألم.....؟

بينما نحن غارقون في بناء المنتجعات السياحية بمكة، وشوارعها ومن ‏يقطنون بيوتها أو بالأحرى من بقي منهم يئن من الجوع وخراب الشوارع ‏والبيوت، والفقر المدقع. ‏

ومن لا يصدقني فليأخذ يمنه أو يساره عند وصوله إلى مكة ويجول في أروقة ‏شوارعها، سيرى ما تقشعر له الأبدان من فقر مدقع، وبطون فارغة، وشيوخ ‏وأطفال يئنون من أمراض مستعصية، بينما تؤجر الغرفة في أحد فنادق مكة ‏أمام الحرم بعشرات الألوف، ويعطى لأصحاب العقارات المنزوعة القروش، ‏ويفرضون عليهم القبول وإلا الويل والثبور.‏

ولنعود إلى مسألة الثمانين مليار التي منها توسعة المسعى، هل من المعقول ‏هذا الرقم الخيالي الذي بتنا نعرف أنه عنوان إحدى الشركات الكبرى التي ‏باتت الوحيدة في الساحة، تأخذ كل المناقصات الحكومية، وتوزعها في الباطن ‏بأسعارها المعهودة، وجودة بنائها الذي بتنا نرى نتائجه في كل شوارع ‏المنطقة الغربية، وأبنية الأماكن المقدسة ونرضى بان نسكت عن هذه المهزلة ‏الأزلية.‏

فبالله عليكم، ألا يكفي هذا المبلغ لبناء كل المنطقة الغربية والشرقية، وما ‏جاورها من قارة إفريقية باتت تنام وتستيقظ على الجوع والموت السريع، ‏ونحن نرى هذا المبلغ الرهيب، يمرر عبر جلسة افتتاح، ولا أحد يجرؤ أن ‏يتقدم إلى مليكنا الحبيب ونايف الأمين ويقول لهما هذا هو الكذب الرهيب الذي ‏يجب أن يحاسب عليه كل من نفذ واشرف على هذا المشروع الركيك، من ‏قطار مشاعر إلى ساعة لا تنتمي إلى الحضارة الإسلامية ومسعى لا يحتاج إلى ‏هذه الأرقام الخيالية.‏

ثمانون مليار.. لنعدها، فلن نستطيع لأنها مبلغ يكفي لبناء وإشباع كل شعب ‏المملكة العربية السعودية، ويلغي كلمة فقر من هذه البقعة الجغرافية، وتعلو ‏كلمة الحق التي يجب أن تستعيدها هذه السلطة التنفيذية التي أصبحت متعلقة ‏في كراسيها منذ العهود البدائية الحجرية.‏

لابد من المحاسبة ومساعدة كل بيت وأسرة في هذه البلاد الطيبة، لتوظف هذه ‏الأرقام الضخمة لأولويات وهي إسكان وإطعام سكان هذه الجزيرة العربية، ‏وليس لتوسيع وتعمير ساعة تشبه أصنام الجاهلية، وأبنية تلغي هوية هذه ‏البقعة الشريفة المكية، وتغطي على أول بيت وضع للإنسان وقطار ينتمي إلى ‏العصور ما قبل الهجرية والصناعية.‏

من يجرؤ ويقول كلمة الحق لملك الإنسانية

، لا صوت لمن تنادي، وهذا ما ‏تعودت عليه عند كتابة مقالاتي، ولكن يوما ما سيصل الصدى ليصبح أزيزا ‏وعندها ستسمع كلمة الشفافية وتصل إلى مليكنا، وأتمنى أن تكون من خلال ‏علمائنا الذين أحملهم المسؤولية وأداء الأمانة بكل شفافية ومصداقية، فكفانا ‏أكل لحوم البشر وصرف النظر.‏

همسة الأسبوع

لم يعد للهمس فائدة...‏
فيجب من الآن أن يكون الهمس رسالة واضحة لكل من له صوت ونخوة ‏إسلامية، فهذه مسؤولية سنسأل عليها ورسالة سنحاسب عليها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق