21 سبتمبر 2011

قضية العقار بين خيال العاجزين وعزيمة المدركين


اخذ موضوع العقار والأراضي هذه الأيام حيزا كبيرا من اهتمام الناشطين وصدرت تعليقات كثيرة حول الموضوع لكنها في معظمها لامست طرف القضية ولم تدخل في صلبها. الذين تحدثوا عن الموضوع لم يتمكنوا من الخروج من فلك العقلية الامتلاكية بصفتهم هم أنفسهم من المملوكين، فعرضوا المشكلة بمنظار داخل إطار الاستبداد ومن ثم طرحوا للحل أطروحات هامشية جزئية لا هي التي تحل المشكلة ولا هي القابلة للتطبيق. لقراءة البيان اضغط على المزيد


المشكلة في إطارها الصحيح
هذه محاولة للنظر لقضية العقار من منظار خارج إطار الامتلاك والاستبداد وطرحها كما يجب أن تطرح بأسلوب منهجي شامل. وبعودة بسيطة  إلى الحقائق الأساسية في موضوع العقار في بلادنا نوفر على أنفسنا البحث عن حلول، فوضوح هذه الحقائق في تصور قضية العقار يرشدنا تلقائيا وبطريقة مباشرة للحلول الأمثل:
 
الحقيقة الأولى التعامل مع الأراضي والعقار لا يخضع لمرجعية شرعية سواء في تملك الاراضي أو طريقة توزيعها أو في حل المنازعات حولها رغم زعم الدولة تطبيق الشرع. وآخر مبدأ شرعي تم إلغاؤه هو نظام الإحياء الذي كان معمولا به إلى نهاية الستينات الميلادية. وبناء على ذلك لا يمكن تملك الأرض على أساس شرعي ولا التنازع عليها على أساس شرعي بل المرجعية دائما لقوة السلطة فقط.
 
الحقيقة الثانية لا يوجد نظام إجرائي مكتوب بشكل منهجي وشامل للتعامل مع قضايا الأراضي. وكل الموجود بضعة تعاميم مبعثرة بعضها من مجلس الوزراء وبعضها من وزارة البلديات وبعضها توجيه من أمير المنطقة. ولم تجمع هذه التعاميم في نظام واحد بطريقة منسجمة خالية من التداخل والتناقض. وبدلا من ذلك فإن المرجعية في التعرف على طريقة التملك وترتيب أسلوب التنازع خاضعة لللإجراء الذي يختاره صاحب السلطة فقط في اللحظة المعينة في المكان المعين في الظرف المعين.
 
الحقيقة الثالثة لا يوجد في البلد سجل مرجعي موحد للأراضي مبني على معطيات جغرافية أو علامات ومسافات علمية كما هو موجود في كل دول العالم تقريبا (نظام الشهر العقاري في مصر ونظام الطابو في العراق وسوريا والمغرب العربي). وبدلا من ذلك تعرّف الأراضي بطريقة نسبية تتداخل فيها السجلات والتوثيقات وتتضارب الصكوك. وحتى اصحاب النفوذ لا يعرفون خريطة الأراضي بطريقة رسمية مرجعية ولذلك فإنهم حين يقررون الاستيلاء على أراض غير مسجلة فإنهم يبحثون عنها ميدانيا ويرسلون المستكشفين والعيون لاكتشاف ما لم يكتشف بعد. وبسبب غياب التسجيل المرجعي فإن كل صاحب نفوذ يستطيع أن يثبت لنفسه تسجيلا ويجعل توثيقه مقدما على أي توثيق سابق إلا أن يأتي أمير أعلى منه فيلغي توثيقه.
 
الحقيقة الرابعة النظام الوحيد الواضح عرفا وتطبيقا هو أن كل أراضي الدولة تعتبر نظاما وقانونا ملكا لآل سعود. وطبقا لهذا النظام  توزع الاراضي على الأمراء ثم تباع من قبلهم إلى مرافق الدولة المختلفة، أو تباع على البلدية كمخططات توهب لبعض المواطنين، أو تباع من قبلهم مباشرة على المواطنين. ورغم كل البيع الذي حصل للمواطنين ومرافق الدولة والبلديات لا يزال الجزء الأكبر من أراضي البلد (80 ألى 90 بالمئة ) بيد آل سعود ولم يتم بيعها من طرفهم لمرافق الدولة ولا للبلديات ولا للمواطنين بسبب تشبثهم بها رغبة في ارتفاع سعرها.
 
الحقيقة الخامسة أي وثيقة امتلاك قبل الحكم السعودي تعتبر غير معترف بها ولا اعتبار لها، وللمتنفذ من آل سعود حق وضع اليد على أي أرض أو استخراج أمر ملكي أو تنسيق مع القاضي لامتلاكها مهما توفرت الأدلة على ملكية سابقة لها. وهذا يندرج على كل وثيقة امتلاك من أيام الدولة العثمانية أو من الممالك السابقة وعلى كل قبول عرفي تاريخي بامتلاك شخص أو عائلة أو قبيلة لمنطقة ما. وكل ذلك يعتبر ملغيا أمام أي أمر ملكي أو استحواذ من أمير المنطقة.
 
الحقيقة السادسة ان ملاك الأراضي من الأمراء الكبار لديهم دخل ضخم من غير هذه الأراضي ولذلك فتعاملهم مع الأراضي ليس خاضعا لقوانين العرض والطلب ولن يبيعوا أرضهم إلا بعد أن تشكل لهم دخلا ينافس دخلهم الضخم من غير الأراضي. وبسبب استحواذهم على معظم أراضي البلد فإن هذه الأراضي التي يملكونها تصبح في حكم الخارجة من نظام العرض والطلب ولن تشكل حسابا في تخفيض سعر العقار بسبب حجمها الهائل. وبذلك فإن كل القوانين التقليدية في صعود وهبوط الأسعار لن تعمل في بلادنا مثلما تعمل في غيرها.
 
الحقيقة السابعة أن تخطيط الأراضي التي يملكها الأمراء -بصفتهم من العائلة التي لها امتيازاتها وحصانتها- ليس خاضعا لأي نظام أوقانون أو تعميم يخص توزيعها لوحدات سكنية وخدمات وطرق. بل إنهم بسبب قوة نفوذهم هم الذين يحددون طريقة تخطيطها ولا مكان للقواعد والأسس الهندسية المبنية على تحقيق مصالح السكان وإيصال الخدمات وحماية البيئة. بل إن بعضهم يرفض إدراج أرضه كجزء من تخطيط مدينة أو منطقة إلى أن يقرر هو التخطيط الذي يرضيه. وتسبب ذلك في مساحات فارغة ضخمة في المدن الكبرى عجزت البلديات أن تحسم موضوعها.
 
الحقيقة الثامنة الجهات المسؤولة عن الأراضي والعقار -وهي البلديات والإمارات والمحاكم والديوان الملكي- هي إما محكومة مباشرة بآل سعود مثل الديوان وإمارات المناطق أو محكومة بنفوذ آل سعود بشكل غير مباشر مثل البلديات والمحاكم. ولا تستطيع أي بلدية من البلديات أن تتصرف بأي أرض إلا برضا المعنيين من آل سعود سواء كان أمير المنطقة أو أمير كبير صاحب نفوذ أو الملك نفسه. وكذا المحاكم، فإما أن يكون القاضي متواطئا مع الأمير أويكون عاجزا لا يستطيع أن يقضي بأي قضاء ضد الأمير.

الحلول المبنية على هذا الفهم للمشكلة
وبعد تصور هذه الحقائق يتضح أن مشكلة العقار يجب أن ينظر لها في أساسها وليس في أطرافها. وباختصار بلادنا هي الوحيدة في العالم التي ليس فيها نظام تسجيل موحد للعقار ولا نظام إجراءات متابعة الأراضي ولا قانون يحدد شرعية التملك وفض التنازعات. وكل محاولة لتوصيف جزئي للمشكلة هو بمثابة تشرب لواقع الاستبداد والفساد وقبول بحالة الامتلاك التي تدار فيها البلاد.
وغياب هذه الأنظمة والتسجيلات ليس إهمالا ولا كسلا ولا عجزا بل هو مقصود حتى يعطى أكبر مساحة للمتنفذين من آل سعود للتلاعب بالأراضي والعقار. خذ مثلا السجل الوطني الموحد للعقار لو كان موجودا لتبين بكل سهولة أن ثمانية أعشار البلد مملوكة لآل سعود.
وإذا أريد لمشكلة العقار أن تـُحلّ بشكل جاد وحقيقي مبني على على فهم المشكلة وبعد تصور عميق وإدارك دقيق للحقائق السابقة فلا بد من الخطوات التالية:
 
أولا مصادرة كل الاراضي التي سلمت لآل سعود وتمليكها للبلديات كمقدمة لتخطيطها  بطريقة علمية وخاضعة لمصلحة المدينة والمنطقة وانتشار الخدمات ومن ثم توزيعها على شكل قطع موهوبة للمواطنين. وبذلك يصبح بين يدي البلديات –بلا مبالغة-  ما يكفي لتمليك كل المواطنين ويزيد. نموذج: أراضي عبد العزيز بن فهد لوحده تكفي لأن توزع على مليون مواطن بمساحة 1000 متر مربع لكل مواطن. وهذا الكلام ينطبق على مشعل ومتعب وسلطان وعبد الرحمن ومحمد بن فهد وبندر بن سلطان وفلان وفلان وفلان.
 
ثانيا جمع سجلات الاراضي والعقار بسجل موحد وبطريقة منسجمة منضبطة خالية من التداخل والتضارب ومبنية على أسلوب علمي معتمد على معطيات طبوغرافية محددة لا مجال للتشكيك ولا للخطأ فيها. وإتماما للمهمة يجب استخدام التكنولوجيا الحديثة في التوثيق والرسم وتحديد الأبعاد وربط كل قطعة بالتسلسل التاريخي لامتلاكها. ولا بد كذلك من استخدام الكتنولوجيا في سهولة الوصول للمعلومة عن أي أرض من أي شخص يريد الوصول إليها.
 
ثالثا إخضاع العقار والأراضي لنظام إجرائي موحد في التسجيل والتملك والبيع وفي إعادة التخطيط والتوزيع والدمج الخ مما يحتاجه نظام الأراضي. وعلى وجه خاص تنظيم قضايا التنازع على الأراضي بإجراءات واضحة وسهلة وسريعة لحسم كثير من الخلافات. ويتبع ذلك دعم الجهاز القضائي بكادر إداري وبحثي وسكرتاري ودعم فني يجعل تفاصيل الأراضي بين أيديهم سهلة وميسرة.
 
رابعا صياغة المباديء الشرعية المرتبطة بالأراضي والعقار في بنود محددة وإلزام القضاة بها حتى لا يكون زعم الحكم بالشرع بعموماته مبررا للتلاعب بحقوق الناس وتغليب القوي على الضعيف. ولا شك أن الشريعة أوسع من أن تخضع لبنود محددة على طريقة القانون الوضعي، لكن إلى أن يتأسس نظام قضائي ناضج ويتوفر عدد كبير من القضاة المؤهلين للحكم بالشريعة الواسعة فلا بد من التقنين حتى يغلق باب التلاعب.

 
خامسا دعم مشاريع الإسكان بكل الطرق الممكنة وأولها هبة الأراضي المصادرة من آل سعود للمواطنين وتقديم مساعدة مالية كافية للمواطن لإنشاء منزله على هذه الأرض بحيث لا يحمل المواطن هم امتلاك البيت أبدا. هذا إضافة لتشجيع كل مشاريع الإسكان والمجمعات التي تتبنى الدولة دعمها وتقديم التسهيلات لها.

 
ما هي الخطوة الأولى في الحل؟هل يمكن مطالبة آل سعود بإيقاف منح أنفسهم هذه الأراضي الشاسعة؟ هل يمكن مطالبة آل سعود بإعادة الأراضي التي يمتلكونها للدولة ثم هبتها للمواطنين؟ هل يمكن مطالبة آل سعود بنظام إجرائي واضح للتعامل مع قضايا العقار؟ هل يمكن مطالبة آل سعود بتقنين البنود الشرعية فيما يخص العقار؟ هل يمكن مطالبة آل سعود بوضع سجل وطني موحد وواضح للعقار؟ هل يمكن مطالبة آل سعود بإعطاء المواطنين مساعدة تكفي لبناء المسكن؟
ليس متجنيا من يقول إن منهجية آل سعود في الحكم قائمة على مفهوم الامتلاك، وليس متجنيا من يقول إن تركيبة آل سعود الحالية لا تقبل أي نوع من التنازل في هذا التوجه. ولذلك فليس متجنيا ولا مبالغا ولا غير واقعي من يقول إن أي حل لمشكلة العقار لا يمكن أن يتم مع وجود آل سعود. بمعنى آخر فإن مشاكل العقار ستبقى ما دام آل سعود في الحكم.
وبناء على كل هذه المعطيات فإنه ليس من التجني ولا من المبالغة ربط حل مشاكل العقار بتغيير سياسي شامل تزول فيه منهجية الحكم الامتلاكي ويزول فيه تعمد الفوضى في التسجيل والإجراءات والقانون. وكل من يطرح طرحا دون ذلك مخادع لنفسه أو هارب من الحقيقة.

سؤالماذا عما يتداوله بعض النشطاء من أن الحل هو فرض رسوم على الاراضي حتى يضطر ملاك الأراضي أن يبيعوها لأنهم كلما طال بقائها معهم كلما دفعوا رسوما أكثر؟
 
جوابهذا الاقتراح لا يتبناه إلا من يتجاهل الحقائق المذكورة ويهرب عن الحقيقة لأن الذي يملك الأرض ويملك النظام ويملك القانون ويملك القضاء لن يستطيع أحد أن يلزمه بدفع أي رسم أو ضريبة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق