أضحى مطلب العدالة
الاجتماعية من أولويات المواطنين في السعودية بعد ارتفاع حدة النزاع الطائفي.
وبينما وصلت رياح الربيع العربي للمناطق الشيعية فإن الوضع أثار جدالا بين النخب
الشيعية والسنية على السواء حول حقيقة الطائفية.
"بدأت الطائفية في السعودية عندما تأسست
السلفية الحركية "سنية" والحركية الشيعية في أواسط السبعينات. هاتان
الحركتان استغلتا المساحة التي كانت تفسحها الدولة للحركات الدينية من أجل القضاء
على أي امتداد للحركات القومية والعمالية واليسارية للانتشار والتوسع".
بهذه الكلمات استهل
الكاتب سلطان العامر حديثه مع DWعربية مضيفًا بأن
ثورة البحرين كانت شرارة الصراع الطائفي مع "انتقال المظاهرات من البحرين إلى
أتباع المذهب الشيعي في القطيف" بالسعودية، رغم اختلاف الدول والسياقات
السياسية، مشيرا إلى الحجم الذي وصلته الأزمة الطائفية في البلد.
ويرى العامر أن
الطائفية، التي تساهم في ترسيخها الحركات الدينية في المذاهب المختلفة، «تتحول
دوما إلى طوق نجاة توظفه الدول من أجل الخروج من أي أزمة سياسية». وبدوره يرى
الكاتب وليد الخضيري أن الحكومات هي المسؤولة عن الطائفية إذ يقول: «خلق الأعداء
يفيد في فرض الحكومات المستبدة لسيطرتها في واقع قابل للاشتعال الطائفي، كما أن
الخطاب الديني له دور في تأجيج الطائفية أو تهدئتها».
أما الباحث المتخصص
بالشأن السعودي وليد الماجد فيرى أن المطلوب من الدولة تخفيف الاحتقان الطائفي
ويقول لـDWعربية "الطائفية وإن ابتدأت سياسية وتأججت سياسيا إلا أن تشكيلها
للهوية لم ينجح، كما أن الدولة لم تحاول نهج نمط ثقافي مدني لتشكيل هوية
بديلة".
الدعوة إلى مواطنة
تضمن الحقوق
وينادي العديد من
وجهاء ومثقفي المذهب الشيعي في السعودية إلى إقامة مواطنة تضمن لهم حقوقهم. وفي
هذا الإطار يقول عالم الدين الشيعي السعودي حسن النمرلـ DWعربية: «المواطنة بالنسبة للشيعة منقوصة بواقع الطائفية المتفشي دون
قرار رسمي معلن». وعن قراءته للوضع الحالي يقول النمر: «الوضع مريض ومتخلف، فمشاعر
الإحباط - لدى الشباب وعموم الأهالي - من الإصلاح الذي يترقبه الجميع، ودعت له
مختلف الشرائح الناشطة في الوطن، لم يحصل».
ودعا النمر إلى
التفريق بين ما سماه بالطائفية الإيجابية والطائفية السلبية. ويشرح وجهة نظره
بالقول: «الطائفية الإيجابية هي الانتماء الفكري والاجتماعي لمذهب معين. وهي بهذا
المعنى حقيقة وواقع لا يمكن سلخ السني منه ولا الشيعي فكلاهما طائفيان بمعنى أنهما
ينتميان إلى طائفة تتبنى مذهبا معينا». أما الطائفية السلبية فهي: «العدوانية تجاه
المختلِف، وتتغلب الأكثرية على الواقع فتسلب الأقليةَ جميع حقوقها أو بعضها، أو
تستولي الأقلية على الوضع فتتنكر لحقوق الأكثرية كلها أو بعضها».
وطالب النمر بمحاربة
الطائفية السلبية بالقول: «أطالب بتجريم من يتهم المواطنين الشيعة بالعمل على أساس
أجندات أجنبية تًدر إليهم من هذا البلد أو ذاك، لأن ذلك كذب محض، ويحقن نفوس
المتهمين بذلك، ويتيح لسفهاء ومتشددين من أطراف أخرى استغلال ذلك لقطع الطريق أمام
أي إصلاح وللتحريض على شركائهم في الوطن، وأخيراً فإنه يؤدي إلى نتائج عكسية فهو
يثير الرعب في نفوس المواطنين ويتيح المجال للتدخل في شؤون الوطن من الخارج».
ويرى الباحث في قضايا
التنمية السياسية توفيق السيف أن الطائفية السياسية متجذرة في المجتمع السعودي منذ
وقت طويل.
ويقول السيف لـ DW« المشكلة التي نواجهها حقيقة هي عدم وجود قانون
يدعم مبدأ المساواة بين المواطنين، ويسمح بمطالبة الناس بإلغاء السياسات
والسلوكيات التمييزية. كما أن نظام التعليم والإعلام الرسمي يتجاهل بشكل شبه كلي
التنوع الاجتماعي القائم في البلاد».
الشباب السعودي ومهمة
مواجهة الطائفية
يشكل الشباب الشريحة
الأكبر من المجتمع السعودي، ويعتبر دورهم في مواجهة مشكلة الطائفية داخل المجتمع
أحد الأساسيات لحل هذه المشكلة. ويعرب الباحث توفيق السيف عن اعتقاده أن الشباب
يملك دورا كبيرا ويقول لـ DW: «شبابنا أكثر فهما للدنيا وأشد رغبة في الحداثة
والانفتاح على العالم ومتغيراته». ويضيف السيف بأن المجتمع والدولة لا يتعاملان مع
هذه الحقيقة بالقدر الكافي من الحساسية والاهتمام. لهذا لا توجد إطارات مناسبة
لاستيعاب الزخم الشبابي وما فيه من أفكار وتطلعاته. ويطالب السيف في هذا الإطار
إلى «إصلاح النظام الاجتماعي على نحو يستوعب هذه الشريحة الضخمة والنشطة ويتجاوب
مع تطلعاتها وأفكارها المختلفة».
ويدعو الكاتب وليد
الخضيري الشباب لتجاوز التعاملات المبنية على أساس طائفي ويقول: «على الشباب أن لا
يلتفوا حول الزعامات التي تنطلق من منظور طائفي، وأن يحاولوا خلق حالة وطنية
تتجاوز الفئوية والمذهبية والإيديولوجية. وأهم ما يمكن فعله لتعزيز هذا الأمر هو
المساهمة الفاعلة في خلق المبادرات والجمعيات المدنية التي تمثل جميع شباب الوطن
بمختلف انتماءاته وأفكاره».
كما يرى العالم
الشيعي حسن النمر أن الإصلاح يكون بتعاون جميع فئات المجتمع مبينا أن لا مطالب
خاصة للمواطنين الشيعة إذا تعلق الأمر بالإصلاح الوطني العام «فهمومهم الإصلاحية
هي نفسها هموم إخوانهم السنة. وقد وقع المئات من الشيعة، وكنتُ واحداً منهم، وثيقة
دولة المؤسسات والحقوق التي نشرت أواسط 2011». فهذه الوثيقة برأيه تنقل بالدولة من
«حالة الاستئثار إلى المشاركة الشعبية السياسية وتكرس القانون كسيد لقرارات
الدولة».
ويشدد الباحث توفيق
السيف على أن الإصلاح لا يبدأ إلا «بإقرار الحكومة في أعلى مستوياتها بوجود التنوع
المذهبي والقبلي وأن الدولة تحترم مختلف المذاهب وتحمي التنوع». ويطالب السيف
بإصدار «قانون يجرم التمييز بين الناس على أساس مذهبي أو قبلي أو مناطقي أو جنسي
أو عرقي، ووضع برنامج لتعريف الناس ببعضهم وبتنوعهم من خلال الإعلام الرسمي
والمؤسسات التعليمية العامة».