يواجه
النظام السعوديّ اليوم مخاطر جسيمة تسبّبها المتغيّرات الإقليميّة المتسارعة
الخطى، وهي متغيّرات كان من الطبيعيّ أن تنعكس تهديداً على استقرار هذا النظام
المتخلّف داخليّاً ومحلّيّاً، فضلاً عن قدرتها على شلّ دوره الإقليميّ الذي يتباهى
به.
وإذ يدرك
أرباب هذا النظام في المملكة السعوديّة جيّداً خطورة الوضع الذي هم فيه، فإنّهم
اليوم يشعرون بحاجةٍ ماسّةٍ للعودة إلى العزف على أوتار الأحقاد الطائفيّة، عبر
إثارة الفتن والنعرات الطائفيّة المتنقّلة التي تضمن شدّ وتحفيز العصب الطائفيّ في
كلّ المنطقة، بما يكفل لهذا النظام الدمويّ ـ نشأةً وبقاءاً ـ بقاءه واستمراره،
ويحافظ على وحدته أمام ارتياباتٍ جمّة غير منظورة تكتنف التحوّلات التاريخيّة
الكبرى التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.. ولذلك لم يجد القيّمون على هذا النظام من
مناص أمامهم سوى الإيغال في الخطاب الطائفيّ، لغرض تكتيل حلفائهم، من قوىً وجماعات
وشخصيّات، في هذه المعركة التي قد يُنظر إليها بأنّها معركة حاسمة وشاملة.
ومن هنا، فإنّ عبارة (المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء) يمكن القول بأنّها قد سقطت من قاموس المسؤولين السعوديّين، بعد أن لم تعد هذه السياسة، أو هذا الشعار، يستقيم بتاتاً مع مضمون وصريح الرسائل والمواقف التي يطلقها الحكّام السعوديّون هذه الأيام فيما يرتبط بقضايا داخليّة محضة في العديد من الدول، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين و.. وتمتدّ القائمة لتشمل عدداً من دول شمال أفريقيا والمغرب العربيّ أيضاً.
وفي الواقع، إنّ النظام السعوديّ اليوم يواجه أزمةً كبيرة تتعلّق بدوره الوصائيّ والرعويّ الذي حاول أن يرسّخه ـ إعلاميّاً على الأقلّ ـ منذ سقوط نظام البعث الصدّامي في نيسان (إبريل) 2003، حيث حاولت المملكة أن تقدّم نفسها للشعوب العربيّة والإسلاميّة باعتبارها (الحامي الوحيد للسنّة)، وراح المسؤولون السعوديّون يعلون، بوتيرةٍ متسارعة، من اللّهجة المذهبيّة والطائفيّة الحادّة، تحت عناوين ومسمّياتٍ من قبيل: (خطر الهلال الشيعيّ)، أو (المدّ الشيعيّ الفارسيّ)، ونحو ذلك.. بل إنّ الملك عبد الله نفسه تحدّت في مقابلةٍ كانت أجرته معه صحيفة (السياسة) الكويتيّة بتاريخ 27 يناير 2007، بلغة "الرمز السنّيّ" الذي يمثّل أكثريّة المسلمين، ويدافع عنهم، في مقابل ما أسماها بـ (عمليّة التشييع). ما أوحى للجميع بأنّ الملك وأمراء آل سعود ينزعون إلى تقمّص دور الوصيّ على الإسلام السنيّ بذريعة الدفاع عن أهل السنّة والجماعة من أخطارٍ شيعيّةٍ تتهدّدهم، علماً أنّ هذه الأخطار ما هي إلّا أخطار موهومة لا حقيقة لها ولا واقع.
وبعد مرحلة ما يُسمّى بـ (الربيع العربيّ)، شعر النظام السعوديّ بأنّ حلمه في الوصاية والرعاية على الشعوب العربيّة والإسلاميّة قد تحوّل إلى كابوس، خصوصاً وأنّ هذا الربيع المزعوم قد بدأ بضربةٍ قاضية بالنسبة إليه، تمثّلت في سقوط نظامين حليفين له، هما: النظامان التونسيّ والمصريّ، وتفاقم الأمر أكثر عندما انتقلت ارتداداته الى اليمن، التي لطالما اعتبرها الملكيّون السعوديّون جزءاً داخلاً في المجال الوصائيّ السعوديّ.
هذا الاصطفاف من قِبَل آل سعود الى جانب المستبدّين أفقدهم كثيراً من رهاناتهم، وخسروا بسببه حيّزاً كبيراً من رصيدهم وشعبيّتهم في العالم العربيّ والإسلاميّ، حيث ظهرت حركات شعبيّة في تونس ومصر تعارض الهيمنة السعوديّة، وجرت في تونس مطالبات بإعادة زين العابدين بن علي لمحاكمته في تونس، فيما عصفت قضيّة المحامي الحقوقيّ الجيزاوي بالعلاقات السعوديّة المصريّة ما اضطرّ المملكة إلى سحب سفيرها من القاهرة، قبل أن ترجعه ثانيةً بعد أن تبيّنت خطأ قرارها بسحب السفير!! الشعارات التي كتبت على مبنى السفارة السعوديّة ورفعها المعتصمون أمامها آنذاك كانت كفيلةً بأن تكشف عن غيضٍ من فيض السخط المكتوم في قلوب المصريّين..
حتى ليبيا التي اعتقد آل سعود بأنّهم حقّقوا فيها حلمهم بإزالة خصم عنيد من أمامهم، فإنّ الشعب اللّيبيّ بدا كارهاً لأن يخضع لنظام رجعيٍّ ديكتاتوريّ، كالنظام السعوديّ، ولسان حال اللّيبيّين: إن كان لديكم نفط فلدينا نفط وبجودة أفضل، ونستطيع أن نبني نظاماً متطوّراً دون حاجة إلى أموالكم!!
ثمّة منطقة وحيدة بقيت المساحة المتبقيّة التي يراهن النظام السعوديّ عليها، ويأمل في أن يعوّض فيها ما خسره في تونس ومصر وليبيا وغيرها من دول الثورات، وهي المنطقة التي تشمل العراق وسورية ولبنان، كون هذه المنطقة تتميّز بتنوّعها الدينيّ والمذهبيّ والإثنيّ والقوميّ، وإنّ تفجير التناقضات في هذه البلدان قد يمنح السعوديّة فرصة تخريب معادلاتٍ قائمة، أو يجعلها في مأمن إلى أجل ممدود نسبياً، وأن تتخلّص من فائض السخط الداخليّ، عبر تشجيع الأفراد المتأهّبين للعنف وحبّ القتال في الداخل السعوديّ على الهجرة وممارسة إرهابهم خارجاً عسى أن يحقّقوا بذلك هدفاً مزدوجاً.
ومن هنا، فإنّ عبارة (المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع الأفرقاء) يمكن القول بأنّها قد سقطت من قاموس المسؤولين السعوديّين، بعد أن لم تعد هذه السياسة، أو هذا الشعار، يستقيم بتاتاً مع مضمون وصريح الرسائل والمواقف التي يطلقها الحكّام السعوديّون هذه الأيام فيما يرتبط بقضايا داخليّة محضة في العديد من الدول، مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين و.. وتمتدّ القائمة لتشمل عدداً من دول شمال أفريقيا والمغرب العربيّ أيضاً.
وفي الواقع، إنّ النظام السعوديّ اليوم يواجه أزمةً كبيرة تتعلّق بدوره الوصائيّ والرعويّ الذي حاول أن يرسّخه ـ إعلاميّاً على الأقلّ ـ منذ سقوط نظام البعث الصدّامي في نيسان (إبريل) 2003، حيث حاولت المملكة أن تقدّم نفسها للشعوب العربيّة والإسلاميّة باعتبارها (الحامي الوحيد للسنّة)، وراح المسؤولون السعوديّون يعلون، بوتيرةٍ متسارعة، من اللّهجة المذهبيّة والطائفيّة الحادّة، تحت عناوين ومسمّياتٍ من قبيل: (خطر الهلال الشيعيّ)، أو (المدّ الشيعيّ الفارسيّ)، ونحو ذلك.. بل إنّ الملك عبد الله نفسه تحدّت في مقابلةٍ كانت أجرته معه صحيفة (السياسة) الكويتيّة بتاريخ 27 يناير 2007، بلغة "الرمز السنّيّ" الذي يمثّل أكثريّة المسلمين، ويدافع عنهم، في مقابل ما أسماها بـ (عمليّة التشييع). ما أوحى للجميع بأنّ الملك وأمراء آل سعود ينزعون إلى تقمّص دور الوصيّ على الإسلام السنيّ بذريعة الدفاع عن أهل السنّة والجماعة من أخطارٍ شيعيّةٍ تتهدّدهم، علماً أنّ هذه الأخطار ما هي إلّا أخطار موهومة لا حقيقة لها ولا واقع.
وبعد مرحلة ما يُسمّى بـ (الربيع العربيّ)، شعر النظام السعوديّ بأنّ حلمه في الوصاية والرعاية على الشعوب العربيّة والإسلاميّة قد تحوّل إلى كابوس، خصوصاً وأنّ هذا الربيع المزعوم قد بدأ بضربةٍ قاضية بالنسبة إليه، تمثّلت في سقوط نظامين حليفين له، هما: النظامان التونسيّ والمصريّ، وتفاقم الأمر أكثر عندما انتقلت ارتداداته الى اليمن، التي لطالما اعتبرها الملكيّون السعوديّون جزءاً داخلاً في المجال الوصائيّ السعوديّ.
هذا الاصطفاف من قِبَل آل سعود الى جانب المستبدّين أفقدهم كثيراً من رهاناتهم، وخسروا بسببه حيّزاً كبيراً من رصيدهم وشعبيّتهم في العالم العربيّ والإسلاميّ، حيث ظهرت حركات شعبيّة في تونس ومصر تعارض الهيمنة السعوديّة، وجرت في تونس مطالبات بإعادة زين العابدين بن علي لمحاكمته في تونس، فيما عصفت قضيّة المحامي الحقوقيّ الجيزاوي بالعلاقات السعوديّة المصريّة ما اضطرّ المملكة إلى سحب سفيرها من القاهرة، قبل أن ترجعه ثانيةً بعد أن تبيّنت خطأ قرارها بسحب السفير!! الشعارات التي كتبت على مبنى السفارة السعوديّة ورفعها المعتصمون أمامها آنذاك كانت كفيلةً بأن تكشف عن غيضٍ من فيض السخط المكتوم في قلوب المصريّين..
حتى ليبيا التي اعتقد آل سعود بأنّهم حقّقوا فيها حلمهم بإزالة خصم عنيد من أمامهم، فإنّ الشعب اللّيبيّ بدا كارهاً لأن يخضع لنظام رجعيٍّ ديكتاتوريّ، كالنظام السعوديّ، ولسان حال اللّيبيّين: إن كان لديكم نفط فلدينا نفط وبجودة أفضل، ونستطيع أن نبني نظاماً متطوّراً دون حاجة إلى أموالكم!!
ثمّة منطقة وحيدة بقيت المساحة المتبقيّة التي يراهن النظام السعوديّ عليها، ويأمل في أن يعوّض فيها ما خسره في تونس ومصر وليبيا وغيرها من دول الثورات، وهي المنطقة التي تشمل العراق وسورية ولبنان، كون هذه المنطقة تتميّز بتنوّعها الدينيّ والمذهبيّ والإثنيّ والقوميّ، وإنّ تفجير التناقضات في هذه البلدان قد يمنح السعوديّة فرصة تخريب معادلاتٍ قائمة، أو يجعلها في مأمن إلى أجل ممدود نسبياً، وأن تتخلّص من فائض السخط الداخليّ، عبر تشجيع الأفراد المتأهّبين للعنف وحبّ القتال في الداخل السعوديّ على الهجرة وممارسة إرهابهم خارجاً عسى أن يحقّقوا بذلك هدفاً مزدوجاً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق