بيان أهالي المعتقلين في سجون المباحث العامة
بسم الله
الرحمن الرحيم
إلى كل
مسلم غيور ،، إلى العلماء والدعاة والمصلحين ،، إلى كل من ينشد الأمن والاستقرار
وصلاح الحال ،، نوجه نداءنا:
نحن
أهالي المعتقلين نشكر كل من قام بنصرة الحق، ودعا إلى رفع الظلم عن أبنائنا،
ونقدِّر لهم هذه المواقف التي تعيد لنا سير أئمتنا، لقد جددوا لنا مواقف أحمد
والمنذر بن سعيد والعز بن عبدالسلام وابن تيمية وغيرهم، فكم واسيتم من جراح، وكم
كفكفتم من دموع، وكم أفرحتم من قلوب، نصركم الله وحفظكم.
ونُوجِه
نداءنا لمشائخنا الساكتين عن قول كلمة الحق ونصرة المظلوم، متذرعين بخوف الفتنة،
أو بغيره من الأعذار. ونُذكّرهم بقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:" لا
يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَه
أَوْشَهِدَهُ أَوْ سَمِعَه ". وبقوله صلى الله عليه وسلم:" لَا يَحْقِرْ
أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ " , قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ , كَيْفَ يَحْقِرُ
أَحَدُنَا نَفْسَهُ ؟ قَالَ : " يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ
مَقَالٌ , ثُمَّ لَا يَقُولُ فِيهِ , فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ : مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيَّ كَذَا وَكَذَا , فَيَقُولُ :
خَشْيَةُ النَّاسِ , فَيَقُولُ : فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى"
أخرجه ابن ماجه والبيهقي في الكبرى، قال البوصيري: هذا إسناد صحيح، وصححه
الألباني.
ونذكركم
بحديث عبادة في الصحيحين، بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة،
وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
مشايخنا
الكرام: طالما حدثتمونا عن أئمة الصدع بالحق أحمد ابن حنبل والمنذر بن سعيد
البلوطي والعز بن عبدالسلام وابن تيمية.. وغيرهم رحمهم الله، فأرونا تطبيقاً
عملياً لسيرهم، فإنه أبلغ من الحديث في مناقبهم.
إننا
نُحذِّركم من عاقبة السكوت عن قول كلمة الحق وعن إنكار الظلم بأعذار متوهمة، فإن
الساكت عن الحق شيطان أخرس.
أيها
العلماء: كم من الأطفال الذين يتموا، والأزواج اللاتي رُملن، والأمهات اللاتي
ثُكلن، وأهليهم أحياء يقبعون خلف القضبان في غياهب السجون، كم أم ماتت جزعاً ولم
تكتحل عينها برؤية فلذة كبدها، وكم أب مات ولم يحظ ابنه بنظرة وداع، وكم طفل يتقلب
في فراشه وقد أخذت الحمى منه كل مأخذ ولا يجد من يأخذه إلى المشفى، وكم سجين فقد
عقله؟ وكم سجين أصيب بالأمراض المستعصية؟ وكم سجين أصيب بأمراض نفسية عضال، وكم ..
وكم .. وكم؟!! ماذا نعدد عليكم، كم من الأتراح والأفراح حُرم منها السجين الذي
تطاول عليه السجن من غير محاكمة! أو مع انتهاء محكوميته! ولم يطبق في حقهم الشرع
الذي أنزله الله، ولا القانون الذي وضعه البشر! ثم تعجبون من ردود الفعل التي ظهرت
بعد موت الأمير نايف، وتعدّون ذلك مفاجأة وغير لائقة! وللعلم فإن الذين عبّروا عن
مشاعرهم لا يتجاوزون 1% من عدد الذين يحملون في نفوسهم مثل هذه المشاعر، والذين
عَبَّروا، لم يُعبِّروا إلا عن 5% بما في نفوسهم.
ومكلف
الأيام ضد طباعها متطلب في
الماء جذوة نــارِ
وإذا
رجوت المستحيل فإنما تبني الرجاء
على شفير هارِ
يا أيها
العلماء: يقول الله تعالى:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ
كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك"
إذا كان
النبي صلى الله عليه وسلم المؤيد بالوحي، والصحابة رضي الله عنهم الذين هم أزكى
الناس نفوساً، لا تستقيم أمورهم، ولا يحصل الوئام بينهم، إلا باللين وترك الفضاضة،
فكيف بغيرهم؟!
ولم أرَ
ظلماً مثل ظلم ينالنا
يُساء إلينا ثم نؤمر
بالشكرِ
يقول
النبي صلى الله عليه وسلم:"من لا يَرحم لا يُرحم" ويقول:" الراحمون
يرحمهم الرحمن" ويقول:"إنما يرحم الله من عباده الرحماء".
هل
تريدوننا أن نرحم من لا يرحمنا؟! هل رحموا يتم أطفالنا؟! هل رحموا ثكل أمهاتنا؟!
هل رحموا رمل نسائنا؟! إنه من أعظم الظلم أن ترحموا الجلاد، وتغفلوا عن الضحية!!
إننا
نذكركم بقول ابن القيم ــ رحمه الله ــ ونخشى أن ينطبق عليكم بعضاً من كلامه، قال
رحمه الله:" وأي دين وأي خير فيمن يرى محارم الله تُنتهك ، وحدوده تُضاع،
ودينه يُترك، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يُرغب عنها، وهو بارد القلب، ساكت
اللسان، شيطان أخرس!! كما أن المتكلم بالباطل شيطان ناطق، وهل بلية الدين إلا من
هؤلاء الذين إذا سلمت لهم مآكلهم ورياساتهم فلا مبالاة بما جرى على الدين؟
وخيارهم المتحزن المتلمظ , ولو نوزع في بعض ما فيه غضاضة عليه في جاهه أو
ماله بذل وتبذل ، وجد واجتهد , واستعمل مراتب الإنكار الثلاثة بحسب وسعه ، وهؤلاء
- مع سقوطهم من عين الله ومقت الله لهم - قد بلوا في الدنيا بأعظم بلية تكون وهم
لا يشعرون , وهو موت القلوب ; فإن القلب كلما كانت حياته أتم كان غضبه لله ورسوله
أقوى , وانتصاره للدين أكمل". إعلام الموقعين 2/121
أما أنتم
أيها المشائخ الذين تدافعون عن الظلم، وتبررونه، وتبحثون له عن المعاذير، فإن
حالكم أسوء من الظالم نفسه، وأنتم أعظم جرماً، فمن يزين للظالم ظلمه، ويبرره،
ويعينه عليه بالكلمة، فإنه سبب تمادي الظالم واتساع دائرة ظلمه، وأما أولئك الذين
ينسبون هذا الظلم البين إلى شريعة الإسلام الكاملة العادلة، فإنهم على خطر عظيم.
إن هذا
اللون من الظلم لا يوجد في بلاد الكفر، وإن وُجِد فهي حالات نادرة، أما بهذه
الأعداد التي تتجاوز الآلاف فهي سابقة في تاريخ الأمم لم يسبق لها نظير.
فيا من
تنتسبون إلى العلم إن لم تستطيعوا القيام بأمر الله والصدع بالحق، فلا أقل من أن
تكونوا شياطين خرس، فإنه أسلم لكم.
لقد أعذر
إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحذّركم، ووعظكم، إليكم هذا الحديث الذي
يقرع القلوب ويهز النفوس، ويوقظ الضمائر، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه، قال:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أُعِيذُكَ بِاللَّهِ يَا كَعْبَ بْنَ
عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي، فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ
فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَلَيْسَ مِنِّي
وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَا يَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ، وَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ
أَوْ لَمْ يَغْشَ وَلَمْ يُصَدِّقْهُمْ فِي كَذِبِهِمْ، وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى
ظُلْمِهِمْ، فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، وَسَيَرِدُ عَلَيَّ الحَوْضَ، يَا
كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ النَّارُ أَوْلَى بِهِ ".
أخرجه الترمذي والنسائي، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم وابن حجر والألباني،
ورواه أحمد بإسناد صحيح على شرط الشيخين.
ندعوكم
إلى تأمل قوله:" لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به " إنه
السبب الذي يجعل الكثير يغشون أبوابهم فيصدقونهم بكذبهم، ويعينونهم على ظلمهم.
ونُوجِّه
رسالتنا إلى عموم الناس وعلى رأسهم الوجهاء والكبراء وأصحاب الرأي، ونُذكّرهم بقول
النبي صلى الله عليه وسلم:".. كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ
يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ"، أخرجه ابن ماجه
صدقت يا
رسول الله، كيف يقدِّسُ اللهُ قومًا ضاعَ الحقُّ بينَهُم؟ إذا سرقَ فِيهم الشربفُ
تركُوه أو برَّؤه، وفي الصُحُفِ هنَّؤوه، وفي أعلى المناصِبِ عيَّنُوه ، وإذا سرق
فيهم الضعيف سجنوه وعذبوه!!
إن
السكوت عن الظلم سبب في حلول العقوبة العاجلة العامة التي لا تستثني أحداً، ولا
تخص الظالم وحده، قال تعالى:" وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى
بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " هود - 117
قال ابن
سعدي:" أي وما كان ربك ليهلك القرى بظلم منه، والحال أنهم مصلحون، أي مقيمون
على الصلاح مستمرون عليه، فما كان الله ليهلكهم إلا إذا ظلموا وقامت عليهم حجة
الله. ويُحتمل أن المعنى: وما كان ربك ليهلك القرى بظلمهم السابق إذا رجعوا
وأصلحوا عملهم، فإن الله يعفو عنهم، ويمحو ما تقدم من ظلمهم".
ونُوجِّه
نداءنا إلى المنظمات الحقوقية والإنسانية المحلية، ونقول لا يكن دوركم إضفاء
الشرعية القانونية على الظلم والتجاوزات المتكررة، ولا تقدموا للأهالي جرعات مسكنة
أو مُخدِّرة حتى يكفوا عن المطالبة بحقوقهم، فإن الحقيقة ستنكشف، والتاريخ لا
يرحم.
ونُوجِّه
نداءنا إلى أبنائنا المعتقلين، ونقول: احمدوا الله تعالى أن جعلكم مظلومين تترقبون
الفرج والنصر، لا ظالمين تترقبون الأخذ والبطش. ونقول لكم: أبشروا بالخير، واصبروا
فإنما اختاركم الله للبلاء لأن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، وأشد الناس بلاءً
الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، وفرج الله قريب.
ضاقت
فلما استحكمت حلقاتها
فُرِجت وكنت أظنها لا
تفرجِ
نسأل
الله تعالى أن يكشف كربتنا، ويفرج عن معتقلينا، ويردهم إلينا سالمين غانمين،
ونسأله أن يحفظ علينا إيماننا وأمننا، ويعيذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وصلى
الله على نبينا محمد.
أهالي
المعتقلين في سجون المباحث العامة
الخميس
22 شعبان 1433هـ رابط الصفحة http://bayanatmu3taqal.blogspot.co.uk/2012/07/blog-post.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق