عبد
الكريم الخضر ـ عندما ترد النصوص الشرعية المثبتة للأحكام الفقهية المتعلقة
بالحاكم فإنه يجب أن يعلم جميع المطلعين عليها بأنها خاصة بالحاكم الشرعي الذي جاء
وفق النظرية الشرعية للحاكم سواء كان في طرية مبايعته ورضا الامة فيه وطرق إدارته
لأمر الامة وحفاظه على شعائر الإسلام واستشارتها وعدم استئثاره بالأمر دونها وعدله
بين الرعية وعدم عبثه بأموال ومقدرات الامة والحفاظ على أراضيها وعد موالاة
أعدائها فإذا تخلف شي من ذلك انسلخ مسمى الحاكم الشرعي عن الحاكم وأصبح غير مستحق
للأحكام الفقهية الواردة في الشريعة الإسلامية ولعل هذا هو السبب الحقيقي خلف مذهب
السلف(والذي سماه بعض المتأخرين مذهب متقدمي السلف أو مذهب السلف القديم ) الذين
سوغوا عزل الحاكم والخروج عليه بعد ثبوت ظلمه وفسقه
أصل الألفاظ الشرعية
الألفاظ الشرعية في أصلها ألفاظ لغوية ذات دلالة واضحة فيها فجاءت الشريعة لتضفي عليها معاني تتعلق بالشرع وهي ما تكون مقصودة بها في الألفاظ الشرعية لان الألفاظ اللغوية بمعانيها اللغوية لا تكون قائمة بها ولا يمكن أن تطلق في الشرع إلا على المعاني التي اكتسبتها من الشريعة.فإذا اكتسبت هذه المعاني الشرعية وجب أن تنحصر فيها عند الإطلاق الشرعي للفظ ومثال ذلك لفظ الصلاة كان معناه الأصلي في اللغة الدعاء لكن الشارع أضفى عليه معاني أخرى فأصبح هذا اللفظ يطلق عليها شرعا وينصرف فيها المعنى الأولي عند إطلاقه إلى اللفظ الشرعي ولذلك فلو قال قائل أن الطهارة شرط من شروط الصلاة فإنه يفهم انه شرط من شروط الصلاة في معناها الشرعي ولا يقول عاقل إن الطهارة شرط من شروط الصلاة في معناها اللغوي وهو الدعاء/ وكذلك جميع الألفاظ و النصوص الواردة في الكتاب والسنة عن الصلاة فإنها تنصرف إلى المعنى الشرعي وليس إلى المعنى اللغوي فإذا أمر الله بالصلاة فالأصل هو الالتزام بالصلاة بالصفة الشرعية بشروطها وأركانها وأوقاتها وأماكنها ومن لم يلتزم بذلك بصفتها فلا يعتبر مصليا لأنه لو أن شخصا صلى صلاة تامة بأركانها وصفتها لكنه لم يتوضأ لم يعتبر مصليا ولا يصح تسميته مصليا فأمر الله بإقامة الصلاة في قوله تعالى (وأقيموا الصلاة) وقوله تعالى(إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) لا يمكن أن يقول احد بان الله يريد صلاة ناقصة الشروط والأركان ولا يراد بها الدعاء بل الجميع يدرك أن المقصود بها الصلاة بمعناها الشرعي
ومثل ذلك الصيام فلو أن إنسان صام بسكوته عن الكلام ولم يتوقف عن شرب الماء أو لم يتوقف عن الأكل أو صام بدون نية أو صام نصف النهار ونحو ذلك فإنه قد يسمى صائما في اللغة لكنه لا يسمى صائما في المعنى الشرعي,وكذلك جميع الألفاظ الشرعية لا يجوز إطلاقها والالتزام بلوازمها ما لم يصح شرعا إطلاقها على من أطلقت عليه. ومن ذلك تسمية الحاكم بالحاكم الشرعي لا يمكن أن تطلق هذه التسمية الشرعية على الحاكم المستبد مثلا الذي جاء بدون رغبة شعبه ففرض نفسه عليهم, أو أقدم على ما ينقض تسميته حاكما في الشرع بان كان همه مصلحة نفسه وأهل بيته والمقربين حوله فإنه لا يمكن اعتباره حاكما شرعيا ولا سلطانا شرعيا ولا إماما في الإسلام لأنه لم تتوفر فيه صفة الحاكم في الإسلام فهو لم يأت بإرادة الأمة ولم يلتزم بالشورى والعدل فيها كما انه لم يلتزم بإحكام الإسلام
أصل المدلولات العربية لا تكفي للألفاظ الشرعية
نعم يصح في اللغة العربية تسميت من دعا بأنه مصليا لكنه في الشريعة الإسلامية لا يصح أن يعتبر مصليا ومن امسك عن الكلام يمكن في اللغة العربية أن يسمى صائما لكنه في الشريعة الإسلامية لا يصح اعتباره صائما ومن نما ماله أو طهر نفسه يمكن في اللغة العربية أن يقال عنه أنه زكى لكنه في الشريعة الإسلامية لا يصح اعتباره قد زكى ومن تولى أمرا على قوم وحكمهم يصح في اللغة العربية تسميته حاكما من حيث اللغة لكنه لا يعتبر حاكما من جهة الشرع فلا تجري عليه الأحكام الفقهية التي تجري على الحاكم الشرعي
ولذلك فإني أقول انه يجب أن تبقى الألفاظ العربية بمدلولاتها العربية ولا تجرى عليها الأحكام الشرعية وتبقى الألفاظ الشرعية بمدلولاتها الشرعية والأحكام المترتبة عليها واذا توفر اللفظ بصيغته اللغوية دون توفر معناه الشرعي فإنه لا يأخذ الحكم الشرعي المترتب عليه ومثال ذلك لو أن إنسانا علم عنه الكفر الصريح ثم زعم انه شهد أن لا اله إلا الله وان محمد رسول الله لكنه لم يثبت انه نطق بها إمام احد أو انه صلى أو صام فإنه لا يمكن أن نعتبره مسلما ولا يمكن أن نجري عليه أحكام الإسلام وتشريعاته وكما قيل
والدعاوى ما لم يقيموا عليها ببنات أصحابها أدعياء
متى يجوز تسمية الحاكم حاكما شرعياً
ولذلك فإنه لا يمكن للحاكم الذي يقتل شعبه أو يسجنهم أو ينهب أموالهم أو ينتهك أعراضهم أو يتحالف مع أعدائهم أو يفرط في مصالحهم أن يسمى حاكما شرعيا ولا يستحق ما أثبتت النصوص الشرعية له من أحكام وخصائص شرعية خاصة بالحاكم الشرعي كما انه لا يلزمه ما يلزم الحكام الشرعيين الحقيقيين .
فالنصوص التي وردت في الحاكم الشرعي والحقوق الشرعية التي اقرها الإسلام له لا يجوز أن تمنح أو توجه لكل من تسلط على المسلمين بقوته وقدرته ولا يصح أن يطلق عليه مسمى حاكما شرعيا في الإسلام .لأنه لا يمكن أن يأمر الإسلام بطاعة من ظلم شعبه بقتلهم أو سجنهم أو انتهاك أعراضهم أو سرقة أموالهم أو استأثر في مقدراتهم أو تحالف مع أعدائهم أو مكن لأعدائهم استباحة أموالهم أو أوطانهم أو استحل المحرمات القطعية أو أذن بها كالربا والزنا و الخمر كما انه لا يمكن أن يأمر الإسلام بطاعة من أباح قطعيات التحريم كالزنا أو الربا أو أذن بها أو بغيرها من المعاصي الظاهرة .
ان النصوص الشرعية الثابتة في الحاكم والسلطان والأمير تقتصر على من يصح في الإسلام تسميته حاكما سواء بطريقة وصوله للحكم والولاية والإمارة أو بطريقة حكمه للمسلمين أو طريقة تعامله معهم والتزامه بشروط البيعة الشرعية وهي أن تكون القوامة للأمة لأنها هي الحفيظة على الشريعة والدين وهي المكلفة بإقامة معالم الإسلام بطريق العدل والشورى الشرعيين
لم ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا
كما أن الله لم ولن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا فكذلك لم و لن يجعل الله للمنافقين والفاسقين والعصاة المجرمين على المؤمنين سبيلا.. ولذلك وجدنا النصوص الشرعية توجب في الأعمال غير المهمة والولايات الصغرى - فضلا عن الولاية العظمى - اختيار القوي الأمين وهي صفات لا يمكن أن تتوفر في الفسقة والعصاة والمجرمين كما أننا لم نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في كل اختياراته وتعييناته وتولايته قد ولى على المسلمين في الولايات الصغرى وفي قيادات الجيش من الفسقة والعصاة ولو كان هؤلاء الفسقة والعصاة من أفضل القواد حنكة وشجاعة ودربة في الأمور العسكرية وقيادة الجيش .فضلا عن الولايات العظمى وكذلك فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يولوا الفاسق ابتداء بل لم يرتضوا من يطرأ عليه الفسق ولذلك نجد الفقهاء قد اتفقوا على عدم جواز تولية الفاسق ابتداء واختلفوا في جواز استدامته إذا طرأ عليه الفسق وعند بحثي في قول من قال بجواز بقاء من طرا عليه الفسق في الولايات الصغرى لم أجد مع من قالوا بصحة استدامة ولاية الفاسق دليل صحيح صريح يسند قولهم بإباحة بقائه في ولايته التي هو فيها , لان الأصل أن الفسق من موانع انعقاد الولاية ومن أسباب بطلانها وعدم جواز استدامتها وهذا الكلام عام في الولاية الصغرى والولاية العظمى من باب أولى .
ومن هنا ندرك أن الحاكم لا يجوز أن يسمى حاكما شرعيا إلا إذا التزم بأحكام الإسلام الظاهرة والباطنة والتزم بالأسلوب الشرعي في طريقة وصوله إلى الحكم وفي طريقة إدارة للأمة ورئاسته لها وفق التعاليم الشرعية وتجنب نشر المحرمات والمنكرات في بلاد الإسلام وترك موالاة أعداء الامة ومعاونتهم على المسلمين وغير ذلك من لوازم الحكم الشرعي لأمة الإسلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق