ماذا تريد السعودية من الثورة العربية؟ لعل هذ السؤال يقود إلى ضرورة قراءة الموقف السعودي من الثورة بشكل عام والذي وإن كان أخذ أشكال متعددة إلا أنها اتفقت جميعًا على هدف واحد وهو محاربة الثورة العربية والقضاء عليها خشية وصولها لأرض الحرمين.
عمومًا فإن المملكة العجوز اتخذت مواقف متباينة من الثورات، تارة بصورة تدخل عسكري مباشر، كما هي الحال في البحرين، وتارة بصورة دبلوماسية حين سحبت سفيرها من دمشق. وبالنسبة إلى تونس، كانت السعودية هي الوحيدة التي تجرأت على استضافة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، بعد سقوط نظامه. أما في مصر، فقد تعاونت المملكة مع المجلس العسكري المصري، وقدمت دعماً مالياً له بالرغم من العلاقات الوطيدة التي كانت تربطها بالرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك. ولا يمكن تفسير هذه المواقف المتباينة من الحراك الشعبي من الدول العربية المختلفة، إلا في ضوء الاهتمامات الاقليمية الخاصة بها. والمشكلة القائمة سياسياً بين إيران والسعودية هي المفتاح لفهم الكثير من هذه السياسات.
ولا بد من الإشارة هنا، إلى أن النظام السعودي لديه خوف كبير من الثورات العربية. وهناك مراقبون يتوقعون أن يسقط النظام السعودي، لأن السعودية لن تكون أبداً الأب الروحي للثورات العربية. فموقف المملكة واضح منذ حرب الخليج، وتزامن ذلك مع الحرب ضد الارهاب.
ويقول "هانز إرنست"، المحلل الألماني: "لقد تلقّت السعودية أمراً غير معلن بدفن رأسها في التراب حتى إشعار آخر". أما "كاديرو ويست"، الاختصاصي في شؤون منطقة الخليج، فيقول: "إن السعودية لا تهتم إلا بمصالحها فقط". وبالنسبة إلى ضحايا الأنظمة السياسية، فيتساءل "كاديرو"، قائلاً: "عن أي أمن يُحكى؟ عن أمن الزعماء أم أمن الأنظمة أم أمن الشعوب؟ عن أمن يردع العدوان الخارجي أم عن أمن يمنع العدوان الداخلي؟ وإذا افترضنا أن إيران تقف وراء كل هذا، فما هو ذنب المواطن البحريني؟ أليس من حقه التعبير عن رأيه؟ وفي جميع الحالات ليس عذراً أن تُسفك دماء بحجة أن ثمة تدخلاً إيرانياً. إن النظام السعودي يقاتل ليس فقط ضد التأثير الإيراني، بل ضد كل الحركات الديموقراطية في المنطقة".
وعلى الصعيد الداخلي، انتهجت السعودية سياسة العصا والجزرة. فمن جهة أخمدت الاحتجاجات التي شهدتها المناطق الشرقية من البلاد، بصورة سريعة، واتهمت أياديَ خارجية بالوقوف وراء الاحتجاجات، وخصوصاً في المناطق الشيعية. ومن جهة أخرى، قامت بإصلاحات من شأنها تحسين معيشة المواطنين. لكن مساحة الحريات العامة في المملكة العربية السعودية، ما زالت تواجه انتقادات كثيرة من المنظمات الحقوقية، فالمرأة لا يُسمح لها، حتى الآن، بقيادة السيارة.
إلى ذلك، توقعت مصادر أكاديمية فرنسية مطلعة، أن السعودية هي البلد المرشح كي يكون المحطة المقبلة في حركة الشارع العربي المتنقلة. وأضافت أنه، بغض النظر عن الأحداث السورية، تبقى السعودية هي المرشح المقبل لحركة الشارع، خصوصاً أن أوضاع اليمن لا تناسب الوضع السعودي. كما أن تنحي صالح قد يؤدي إلى استمرار الاضطرابات الشعبية، وزيادة الغضب على السعودية، الأمر الذي سوف يؤثر على الأوضاع على الحدود.
أما وفاة ولي العهد السابق، سلطان بن عبد العزيز، وتعيين الأمير نايف بن عبد العزيز، ولياً جديداً للعهد، تنفيذاً لرغبة الملك عبد الله، فيؤشران إلى مسار الأحداث التي سوف تعصف بالمملكة بين الأحفاد من الجيل الجديد. وقد بدأت بوادر الانشقاق والخلاف باستقالة الأمير طلال بن عبد العزيز من هيئة البيعة. وهذا جعل دوائر القرار الغربية تنتظر تحرّك الشارع السعودي في أية لحظة. ومظاهر التمرد في منطقة القطيف ليست سوى مقدمة للتحرك الشعبي الأوسع، الذي لا بد من أنه يقترب في السعودية. كما ان استمرار الاحتجاجات في البحرين، رغم التدخل العسكري السعودي والخليجي، والتعتيم الإعلامي العربي والغربي، يعد تحدياً كبيراً للسلطات في الرياض، لأنه سوف يشجع الداخل السعودي على التحرك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق