وكالة الجزيرة العربية للأنباء -
ومن المزيا الأخرى للنظام الدستوري الملكي منح الخيار للشعب، لاختيار نوع النظام الذي يريده ويرغب فيه ،ومن يحكمه عن طريق صندوق الاقتراع،ويحقق بذلك الشعب طموحاته وآماله ،كما أنه تنشأ في ظل المملكة الدستورية، الديمقراطية والحرية والالتزام بالقوانين الدستورية ـ كماان الملكية الدستورية يمكنها أن تكون وعاءا لكل القوى السعودية بعيدا عن التنافس المذهبي والتناحر على السلطة حيث تتمكن كل القوى من المساهمة في كل الفعاليات السياسية كماانها من الممكن أن تصبح ضمان لوحدة البلاد .
كتب ـ أحمد رمزي
رغم وجود كثير من القواسم المشتركة بين الثورات العربية التي انطلقت في ما يسمى بالربيع العربي، إلا أن ثمة قاسم أساسي لهذه الثورات لم يأخذ حقه في تحليلات الباحثين ومقالات الكتاب.. ألا وهو "الدستور".
فيمكن القول أن الدستور كان أهم العوامل المفجرة للثورة العربية، فقد تم رفعه ضمن أهم المطالب التي رفعها المحتجون في ميدان التحرير بالقاهرة، وكانت الرغبة في تعديل الدستور العلماني أحد أهم روافد الحراك التونسي الذي قاد البلاد إلى أولى الثورات العربية، وكانت فكرة "الملكية الدستورية" هي المسيطرة على الثورة في البحرين منذ البداية، وأيضًا سيظل هو المحرك للثورة في سوريا واليمن.
ولعل سبب الاهتمام بفكرة تغيير أو تعديل الدستور هو الأهميه القصوى له، إذا أنه هو أبو القوانين والعلاقة بين الشعب والنظام الحاكم له كما يعرفه الفقهاء الدستوريون، فالدستور constitution هو القانون الأعلى الذي يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة (بسيطة أم مركبة) ونظام الحكم (ملكي أم جمهوري) وشكل الحكومة (رئاسية أم برلمانية) وينظم السلطات العامة فيها من حيث التكوين والاختصاص والعلاقات التي بين السلطات وحدود كل سلطة والواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه السلطة.
ومن ثم فإنه يعد أهم قضية في مرحلة التحول الديمقراطي التي يشهدها العالم العربي، ولذا يلاحظ أن الدول العاقلة سعت إلى امتصاص الحراك السياسي والشعبي فيها قبل أن يتحول إلى ثورة من خلال إجراء تعديل حقيقي للدستور، فعلى سبيل المثال كان ثاني قرار للرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" بعد إلغاء حالة الطواري، في إطار خطواته للإصلاح، هو تعيين رئيس مجلس الامة عبدالقادر بن صالح رئيسا للجنة إدارة المشاورات مع الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والعامة في شأن مراجعة دستور البلاد وقوانين الممارسة السياسية، وحدد لذلك جدولا زمنيا للاصلاحات يستعجل قوانين الانتخابات والاحزاب، وقال: أنه لو تبين ان مشروع مراجعة الدستور معمق فسيناط الشعب بعد البرلمان بالبت في امره بمطلق سيادته من خلال استفتاء شفاف ونزيه.
وأيضًا يجمع المحللون والباحثون في مصر أنه لو بادر الرئيس السابق "حسني مبارك" بإجراء تعديل للدستور يشمل عدة مواد فقط هي 76، 77، 87، 88 قبل أن تسيل الدماء لما كانت الاحتجاجات التي انطلقت في يوم 25 يناير تحولت إلى ثورة شعبية أطاحت بالنظام. ونظرًا لأهمية الدستور فقد شهدت الساحة المصرية، ولا تزال، جدلاً موسعًا حول موقع "الدستور" من الجدول الزمني للمرحلة الانتقالية التي يحدد المجلس الاعلى للقوات المسلحة في مصر معالمها.
إذن فموضوع الدستور وفكرة التحول الدستوري يعدان من أهم القضايا في حقبة التحول الديمقراطي الذي تشهده المنطقة حتى في الدول التي لم تشهد قيام ثورات.
ولعل الأمر يتضح أكثر من خلال التعليق على إعلان بسيط نشرته الحكومة السعودية في عدد من الصحف السعودية ويتلخص في طلب وكالة وزارة التعليم العالي لشؤون البعثات في السعودية عن دعم مشروع توظيف لحملة شهادة القانون تخصص (قانون دستوري)، وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة حول احتمال أن تكون السعودية تسعى إلى التحول نحو "فكرة الدستورية" من خلال تعديل الدستور للبلاد الموضوع في حقبة الملك الراحل "فهد بن عبد العزيز آل سعود" والمعمول به حتى الآن؟
التحول الدستوري في السعودية
بالنظر إلى الدستور في السعودية نجد أنه قد وضع ميزات هائلة للحاكم، دون أن يكون عليه أي واجبات ومن ثم فهو قوّى من النزعة الملكية المطلقة للملك دون أن يحدد اي واجبات على الحاكم. حيث نجد أن مواده إما نصوص عامة لا تحدد صلاحيات لا للملك ولا للشعب مثل المادة الاولى التي تقول: "المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة؛ دينها الاسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله ولغتها هي اللغة العربية. وعاصمتها مدينة الرياض".
أو نصوص تكرس لفكرة الملكية المطلقة، مثل المادة الخامسة التي تقول: "نظام الحكم في المملكة العربية السعودية ملكي، ويكون الحكم في أبناء الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود وأبناء الأبناء، ويبايع الأصلح منهم للحكم على كتاب الله تعالى وسنة ورسوله، ويختار الملك ولي العهد ويعفيه بأمر ملكي، ويتولى ولي العهد متفرغاً لولاية العهد.. وما يكلفه به الملك من أعمال، ويتولى ولي العهد سلطات الملك عند وفاته حتى تتم البيعة."
والمادة 56 التي تقول: "الملك هو رئيس مجلس الوزراء ويعاونه في أداء مهامه أعضاء مجلس الوزراء وذلك وفقاً لأحكام هذا النظام وغيره من الأنظمة..."
أو مواد منحت حقوقًا على المواطنين للملك، مثل المادة 6 التي تقول: "يبايع المواطنون الملك على كتاب الله تعالى وسنة رسوله وعلى السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره."
أو مواد تحاول إلصاق "الشرعية الإلهية" لنظام الحكم في المملكة مثل المادة 7 التي تقول: "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدول."، والمادة 8 التي تقول: "يقوم الحكم في المملكة العربية السعودية على أساس العدل والشورى والمساواة وفق الشريعة الإسلامية."
أما فيما يتعلق بالنواحي التنظيمية للدولة فنجد أن الدستور اختزلها جميعًا في يد الملك، ففي المادة 44 نقرأ: "تتكون السلطات في الدولة من: -السلطة القضائية- السلطة التنفيذية- السلطة التنظيمية، وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وفقاً لهذا النظام وغيره من الأنظمة والملك هو مرجع هذه السلطات."
ومن هنا يمكن القول أن هذا الدستور البالغ عدد مواده 83 مادة والتي تغني جميعها على فكرة الملكية المطلقة للملك، سيكون بلا شك عبء على الأسرة الحاكمة، وسيكون أحد أهم الدوافع إن لم يكن أولها في التمرد على النظام العام للمملكة، الأمر الذي يستدعي معه الانتقال إلى نمط آخر من الملكية وهي "الملكية الدستورية"، التي تحقق المفهوم الأكاديمي للدستور على أنه "عقد بين الحكومة والشعب" وليس كما هو الحال الآن "فروض ولاء وواجبات من الشعب للحاكم يقابله تمجيد غير محدود من الشعب للحاكم".
ولعل نظرية الملكية الدستورية هي الوعاء المناسب للحكم في الدول الخليجية لعدة اعتبارات أولها: ان المجتمع الخليجي بات يرفض كل الرفض فكرة الملكية المطلقة التي تحول المواطن إلى مجرد عبد لدى سيده وهو هنا الملك أو صاحب القصر، كما أن هذا النواع من الملكية تتيح للملك الانفراد بالسلطة في حالة فريدة تجعل مجرد التفكير في معارضته خروجًا عليه، والاعتبار الثاني: أن النظام الملكي الدستوري أو الملكية المحدودة هو شكل من أشكال الحكم يجمع ما بين رغبة الحاكم في البقاء في السلطة وتوريثها لاولاده أو لبعض عائلته، ويشبع طموح الشعوب أيضًا نحو التحول الديمقراطي، ففي هذا النظام نجد أن الملك يملك ولا يحكم.
إن الحكم الدستوري، كما أكد ذلك أرسطو، يمتاز بأنه حكم يستهدف الصالح العام أي لا يستهدف صالح القائمين بالحكم، كما أنه حكم قانوني حيث تقوم الحكومة بمهامها وفقا لقواعد عامة لا بموجب أوامر تحكمية، وتراعي الحكومة العادات المرعية والعرف الدستوري، كما أنه حكم يعني حكومة المواطنين الراضين عن الحكم لا المرغمين عليه –كما هي الحال – في الحكم الاستبدادي. وهذه النقطة الأخيرة تؤكد أهمية الرضا الشعبي في الحكم .حيث يتتمع المواطن بحق المشاركة السياسية.
ومن المزيا الأخرى للنظام الدستوري الملكي منح الخيار للشعب، لاختيار نوع النظام الذي يريده ويرغب فيه ،ومن يحكمه عن طريق صندوق الاقتراع،ويحقق بذلك الشعب طموحاته وآماله ،كما أنه تنشأ في ظل المملكة الدستورية، الديمقراطية والحرية والالتزام بالقوانين الدستورية ـ كماان الملكية الدستورية يمكنها أن تكون وعاءا لكل القوى السعودية بعيدا عن التنافس المذهبي والتناحر على السلطة حيث تتمكن كل القوى من المساهمة في كل الفعاليات السياسية كماانها من الممكن أن تصبح ضمان لوحدة البلاد .
من هنا يمكن القول أنه وسط هذه التراكامات الممثلة في غياب الحرية وتسلط العائلة الحاكمة فإن نظام الملكية الدستورية هو الضمانة الحقيقية لعملية تحول سلمي نحو الديمقراطية في دول الخليج وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية من خلال طرح نموذج جديد يكون بديلاً للسلطة الحاكمة القائمة على النظام الملكي الوراثي المتمثل في بقاء السلطة واحتكارها في يد عائلة واحدة .
هذا الجانب الجديد يتمثل في وجود إرادة سياسية تفهم الواقع فهمًا مدروسًا وتتخذ بناءًا عليه قرارها الشجاع بقبول نتائجه نحو التحول إلى الملكية الدستورية التي تعد عنصرا رئيسيا من عناصر الاستراتجية العامة التي من الممكن أن تحدث الاستقرار في المنطقة، كما أن من شأن هذا التحول ان يضع حدًا لمعاناة الفئات المهمشة في ظل النظام الملكي الوراثي الحالي، وذلك بهدف التقاء كافة الاتجهات والقوى السياسية والتحامها عند نقطة رئيسية واحدة كي ينعم أبناء المملكة بنظام نيابي تمثيلي حقيقي وصادق تكون المنافسة فيه بين مختلف التيارات والقوى السياسية عن طريق صندوق الاقتراع.
ويرى الذين اقترحوا الحكومة الملكية الدستورية كبديل للحكومة الملكية الوراثية أنها ستكون الحكم العادل بين جميع هذه القوى والاتجاهات، كما أنها لن تعمد إلى دعم فريق ضد آخر في الملعب السياسي.
وفي ظل هذا النظام (الملكية الدستورية) سيكون الملك هو الحامي للدستور والمؤتمن على مراقبة وتنفيذ أحكامه، وسيتحول إلى رمزًا للنظام باعتباره مدافعًا عن حقوق جميع أبناء الشعب السعودي، وباعتباره الملك الشرعي الذي عرفته المملكة منذ توحيدها وحتى اليوم، وذلك وفقًا لإرادتها السياسية واستعدادا لخوض غمار التطوير والتهيؤ لدفع الثمن المطلوب ..خصوصا إذا ما علمنا أن التأخر في اتخاذ هذا القرار الجرئ له ثمنا باهظًا، هو غياب الاستقرار عن منطقة تحوي نفط العالم كله علاوة على تواجد القواعد الامريكية في قلبها!
قد يظن المغرضون والذين يقفون في وجه التغيير أو التطوير الذاتي أن ثمة نوايا مغرضة للذين ينادون بالتحول صوب الملكية الدستورية ممن يطالبون بالاصلاح في مملكتنا الغالية، وقد تطالهم الاتهامات التي تشكك في سلامة نواياهم تجاه الحكومة الحالية، وتجاه أمن الوطن واستقراره، فيعدونهم مشبوهون في نواياهم تجاه هذا النوع الجديد من الحكم، ولكن إذا ما علم الشعب السعودي أن الحكومة الدستورية تحقق لكل مواطن صفة المشاركة السياسية فإنه سيكون وبلا شك مؤيدا لإقرارها كنظام جديد لتثبيت دعائم الديمقراطية في المملكة الدستورية والتي تتم عن طريق المنافسة عبر صندوق الاقتراع لممثلي الشعب في البرلمان .
وختامًا فإن المهم في هذه المرحلة هو دراسة الفكرة المطروحة والتي تتمثل في تحويل المملكة من النظام الملكي الوراثي المتمركز في يد أسرة واحدة إلى حكومة ملكية دستورية تستمد شرعيتها من جميع شرائح الشعب وبرضاهم، وقد يكون "الإعلان الوظيفي" السابق الإشارة إليه بداية قناعة النظام السعودي بأهمية فكرة الدستورية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق