بخلاف تراث السلوك الحذر الذي تلفه السرية، استشاط وزير خارجية السعودية القديم، سعود الفيصل، غضبا وخرج ليكشف لوسائل الاعلام قائلا: عرضنا على مصر 38 مليار دولار بشرط ان يكفوا عن إذلال مبارك. بيد ان الصفقة المغرية نجحت نجاحا جزئيا فقط: لأن مبارك في ظروف اعتقال في مستشفى (لم ينقلوه الى السجن) وتتم محاكمته بلا آلات تصوير وتُقطر السعودية عشرات الملايين من الدولارات فقط تبرعا لاقتصاد مصر المحتضر.
يجوز لنا ان نُخمن ان يشارك مال سعودي كثير ايضا في حملة انتخاب الرئيس التالي لمصر. وكانت الصلة السعودية المزدوجة بأجهزة استخبارات القاهرة وبحركة الاخوان المسلمين وبالسلفيين المتطرفين محافظا عليها منذ الايام التي كان فيها الاخوان المسلمون حركة سرية وفروا من المطاردة التي أجراها نظام مبارك عليهم وحصلوا على ملاذ في السعودية.
نجحت السعودية من غير ان ننتبه، وفي الزعزعة التي تمر على العالم العربي في السنة الاخيرة في ان تتبوأ مكان مصر المشغولة بنفسها باعتبارها الزعيمة والقائدة للمعسكر المعتدل في العالم العربي. فهي من جهة الحليفة القوية للادارة في واشنطن، ومن جهة ثانية تحدد نظم حكم في ضائقة وتتآمر من وراء الستار لصد موطىء قدم الايرانيين.
وهكذا ألجأ السعوديون رئيس تونس المخلوع زين الدين ابن علي وفرشوا بالدولارات طريق الحركة الاسلامية الى السلطة. وهكذا أنقذوا رئيس اليمن المخلوع علي عبد الله صالح لكنهم اهتموا بأن يُسلم المفاتيح لحركة الاصلاح التي طُبخت في السعودية. وكذلك أُرسل ألف جندي سعودي الى البحرين لمنع سقوط الأسرة المالكة لصالح آيات الله، وأملوا على الحاكم الذي صمد في مكانه توجيهات صارمة.
وهكذا ايضا استعملوا ضغطا على القطريين ليُبعدوا المدير العام لقناة 'الجزيرة'، وضاح خنفر، الذي نجح في تحريض المتظاهرين في شوارع العالم العربي وفي ان ينشيء كراهية لـ 'الكُفار' في واشنطن كانت ترمي الى انشاء عمليات ارهابية يُدبرها الحرس الثوري في قواعد الجيش الامريكي في الخليج. وبعد ان لاحظت السعودية ضائقة خطيرة عند عبد الله ملك الاردن تطوعت بتحويل ملايين الدولارات الى القصر في عمان. بيد ان الملك الذي دبر أموره في قناتين متوازيتين مع امارات النفط ايضا أغضب السعوديين وتلاشت المبادرة.
لم يعد ممكنا اخفاء التأهب السعودي للشأن الايراني. فقد كادت وحدة الاغتيالات من القدس التابعة للحرس الثوري تنجح في اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجُبير. وكانت الاستخبارات السعودية هي التي لاحظت المسار الجديد لنقل السلاح والمعدات العسكرية الى بشار الاسد عن طريق العراق بموافقة رئيس الحكومة الشيعي نوري المالكي، وأبلغت قادة الاجهزة الامريكية واشتكت اليهم. وكانت السعودية أول دولة عربية أغلقت سفارتها في دمشق وأصبحوا في الرياض يبحثون عن الحاكم الذي يحل محل بشار.
ان سيناريوهات الاستخبارات السعودية تشبه جدا السيناريوهات عندنا في حال ضربة عسكرية لايران. ومن المؤكد انه يجوز لنا ان نُخمن ان الضغط عندنا وفي الرياض حسّن العلاقات غير الرسمية والاتصالات الخفية.
في الاسبوع الماضي صدر عن وسائل الاعلام عناوين صحفية وأسرع الساسة الى الرد والى توجيه الاتهامات والى تفسير 'كتاب مذكرات' الرئيس مبارك. وأنا مستعدة لأن أُقسم أنه لا يوجد كتاب ولا توجد مذكرات ولا احتمال لأن يكون مبارك أملى قصة حياته على 'صحفي كبير جدا' كما ضمنوا في الصحيفة الاسبوعية المصرية 'روز اليوسف'. فالذي يعرف مؤلف القصص المثيرة من القاهرة يتذكر جيدا من هو ذلك 'الصحفي'، توحيد مجدي، وماذا كانت صلته المريبة جدا بنا ولماذا كان متعجلا ان يكشف بلسان الرئيس مبارك كيف دفع 'أجرا ثابتا' لعضو الكنيست بنيامين بن اليعيزر، ولم يكن هذا ولم يحدث، ومن المؤسف جدا ان 'روز اليوسف' التي عرفت اياما أفضل كثيرا أضلت اتجاهها تماما.
يديعوت 18/3/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق