مقدمة :
لماذا نتكلم عن قضايا الاعقتال الان؟ وهنا؟
للإجابة على هذا السؤال يجب أن نطرح سؤال آخر، أليس الظلم محرم عند الله وعند الناس؟ فإذا ما انتهك هذا الحرم، فيجب الدندنة حولة لنصرة المظلوم، ولنصرة الظالم بإسداء النصح له، لإن مغبة الظلم وخيمة. ولكن أقبح من الظلم من يسوغه، ومن يكبح المنكرين له بإسم الحكمة تارة، وبإسم احتراز مكتسبات الدعوة تارة أخرى.
.
النقطة الأولى : القراطيس المخفيه
إن من أكبر الدروس المستفادة من محاكمة إخواننا وأساتذتنا الحقوقيين هي الإنتصار على النفس وأنماطها. لقد اثبت المجتمع أنه قادر بإذن الله على أن يغير من حاله إلى حال تسر، فالعقول والوجدان والنفوس قابلة للتغير إلى الأحسن بحول الله ولا يمكن أن تستعبدها قراطيس مخفيه، تظهر عند الحاجة وتخفى عند انتفائها. إن من ألف الظلم واستطابه لا يؤتمن على الدين والأعراض والأنفس والثمرات. وقد يتشرنق صاحب المقال بـ تصنيف مباشر بأنه مسوغ للفتنة النائمة أو خارجي ليسهل نسفه وعدم مناقشة أفكاره، فـ من الناحية النفسية يستأنس المناقش إذا صنف شخصاً على أنه خارجي أو رافضي أو ضال أو مضل وكأنه معفي من المحاجه والمفاصلة بالبرهان.
1.1 القراطيس المخفية بنكهة السلف الصالح
المسميات قد لا تعني كثيراً إن جوفت من معانيها. فقد تسمي نفسك مسلم وأنت ملحد، وقد تسمي نفسك جامي مباحث، الشيء العجب الذي لم يحصل على مر التاريخ أن يسمي نفسه " سلفي" والسلفية تلعنه وتتبرأ منه. من يجرئ الإفتيات على الله وعلى رسوله وعلى السلف الصالح بالقول أن الظلم كان من منهجهم؟ من الذي يفتات على الله بقوله إن الحكم بغير ما أنزل الله منهج سلفي؟ والحمد لله أن نصوص القرآن والسنة متوافره على تحريم الظلم ومنابذة الظلمة. ومن ادعى السلفية وهذا شأنه فهو " مـتـمـسـلـف" وليس "سلفي"
.
1.2 القراطيس المخفية و تأريخ المشكلة
عند تحليل أي مشكلة يجب أن نكون صرحاء إلى أبعد حد ، فلايمكن مجاملة الطبيب وأنت تبغي العلاج الناجع. وبالإزاء، فلا يمكن أن تمر علينا أحداث يمكن ربطها ربطاً متكاملاً ثم نغفل النظر فيها. مرت على بلاد الحرمين أحداث عظام في الثلاثين سنة الماضية أفرزت لنا أطر في التفكير ليس بالضرورة هي خيار ما يمكن أن يواجه به تحديات المرحلة القادمة. وهذه الدروس ثلاثة موزعة بالتساوي في خط زمني موحد:
مرحلة حادث الحرم وجهيمان. 1400هـ
مرحلة حرب الخليج الأولى 1410هـ
مرحلة 11/9 1421 هـ
خرج الدعاة من الحادث الأول بـ خلل منهجي وفكري ، تبعه خلل مضاعف في المرحلة الثانية، ثم تواجه مع أعظم حدث في القرن الحالي وهو الحادي عشر من سبتمر، ولهذا السبب رأيت التشرذم العجيب وعدم الإصطفاف في القضايا الكليه.إن العموميات من مثل " جمع الكلمة" و " نبذ الفرقة وتوحيد الصف" لم يستطع ان يرشد و يرشح اخطاء المراحل السابقه.
والدليل على ذلك الإفراز أن هنالك من الدعاة من كان يترك مجال الدعوة بمجرد اصطدامه بـ أول عصيات الطريق. ولم يعرف أن هذا الطريق الذي يسلكه والذي يستأمر الا ينكث فيه غزل من بعد قوة أنكاث أن كل الانبياء سلكه، وبعضهم مات في سبيله ولم يبلغ منتهى هدفه، وبعضهم طرد وبعضهم شرد. فـ الخوف المصطنع ورهبة قلة الإيمان اثرت في المسير.
أنا لا أزعم تحديد المشكلة بقد ما أنبه لها. فأي معالجة لمشاكل الساعة يجب أن نعتني بتدوين المشكلة ثم التعلم منها. نحن من أشد الأمم كتابة لتاريخنا، ولكننا من أقل الأمم على وجه الأرض إفادة من هذا التاريخ المكتوب. إن الماضي امتداد للحضار والمستقبل.
.
1.3 القراطيس المخفية وعبر التاريخ :
قال الإمام مالك رحمه الله إمام دار الهجرة " لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها". هذا الكلام تناقلته الأمة بالقبول. وأصبح أكثر شهرة من بعض آحاديث النبي صلى الله عليه وسلم. وهي جملة صحيحة، يحسن بكل سلفي أن تفيده من شق مهم، شق القرائة والنظر في كيفية فسد دين الأمم؟ وكيفية صلاح دين الأسلاف؟ وكيف يحصل ذلك في إناس لا يعبأون بالقرائة. وإنك لتجد الأمة لا تقرأ ليس على مستوى شبابها، بل على مستوى مشائخها. ثم يفجأ أحدنا إن اعتلت الدعوات العقلانية التي لا تهتم بـ مقدسك بقدر ما تقدس العقل والنظر والمجادلة بالحجة. هذا التحدي هو ما سبب ظاهرة الإلحاد التي لم يتمعر لها وجه "مـتـمـسـلـف" واحد، كيف يمكن لـ أمة لا " تقرأ " أن ترد على أمة " تقرأ" ؟ إن أولى الأولويات هو نقل ما سطره السلف رضوان الله عليهم إلى ساحات الحياة، ولا نأخذها قوالب جامدة نحفظها ونرددها.
.
1.4 القراطيس المخفية الجهاد الأمريكي
كشفت الدراسات الاخيرة أن حرب افغانستان لم تكن إلا حلقة في صراع الحرب الباردة استخدم فيها المسلمون كـ وقود. وكانت الساحة مرتفعات الهندوكوش. ونحسب إخواننا من المجاهدين صادقين فـقد أدوا ما اوجب الله عليهم ، ولا يجوز احد أن يطعن في نياتهم. فلـموقف احدهم ساعة خير من الدنيا وما عليها. ولكن ، يحز في الخاطر أن ترى بعض مـتـمـسـلـفي هذا الزمان يبارك ارضاً باركتها أمريكا ، ويلعن أرضاً لعنتها امريكا والله يقول : " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض"
.
1.5 القراطيس المخفية التـعـبـوية الطائفيه
يجب على عموم الشيعة أن يتفكروا، قبل ثورة الخميني كيف كان حالهم مع السنة؟ كيف كانت أوضاعهم؟ لماذا يستسهل اختراقهم؟ لماذا يقدم أحدهم كـ قربان لسسيده الطائفي الفارسي على اخوه المسلم السني العربي؟ لابأس بالحوار والجدال بالتي هي أحسن ولكن علينا أن نحذر الحذر غايته من مثيري النعرة الطائفية خارج النطاق العلمي. وكل مستخدم لهذه الورقة يجب أن ينظر له بعين الريبة والأصل فيه انه مريد للفتنة . وإن كنت قلت هذا في حق الشيعة فإن السلفيين يجب أن يقولوا الحق كل الحق ولا شيء غير الحق، فـ يجب أن يتقي الله من كتم جزء واظهر جزء. والحمد لله أن هذا الزمان لم يعد للحقيقة سلة مهملات فكل ما يعلم يقال في صفحات الإنترنت والحق أبلج والباطل لجلج.
.
النقطة الثانية : القراطيس المخفية الإعتقال
قد يظن البعض ان الإعتقال حق للإمام أو القاضي بلا رادع ولا زاجر وهذا الكلام يعتريه مزايدة كبيره فيما يلي بيانها
2.1 أدلة القائلين بجواز الأعتقال ومناقشتها
قال تعالى : " تحبسونهما من بعد الصلاة" قال العلماء استدل على جواز حبس من وجب عليه حق وإذا كان لا يمكن الاستيفاء الحق عليه معجلاً" تفسير القرطبي (6/353)
الحديث الأول عند ابي داوود: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة.الحديث الثاني: نفس الحديث السابق وزيادة : ثم خلّى عنه
الحديث الثالث: أنه صلى الله عليه وسلم حبس أحد الغفاريين
الحديث الرابع: حبس رجل أعتق شقصاً له ... " ضعيف
اقول ، الاثرين السابقين خرجهما في كتاب الأقضية النبوية أبن الطلاع، ولكنه معلول السند. ففيه ابراهيم بن زكريا الواسطي قال عنه العقيلي مجهول وحديثه خطأ. وقال ابن عدي هذا باطل. أنظر البناية شرح الهداية (6/262)، والأثر الثاني في إسناده ابراهيم بن خثيم. وقد حكي أن البخاري قال في صحبة بهز بن حكيم نظر.
ولكن جمع الأحاديث خير من إهمالها إذا ساغ ذلك. فقد قال العلماء الحبس نوعان:
1. حبس عقوبه: لا يكون إلا في واجب كالحدود حتى تستكمل.
2. حبس استظهار : إذا اتهم ليستظهر ولكن إن كان هنالك كفيل فلا سجن عليه.
الحديث الرابع : في حبس ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد. أما في السير فقد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم اسر بني قريضه و حبسهم بالمدينة في دار بنت الحارث. وعند ابن كثير ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد، وكانت السبايا تحبس فيها.
.
2.2 فعل الصحابة
- عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حبس الحطيئة في قوله للزبرقان وسجن صبيغا التميمي
- وسجن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ضابئ بن الحارث
- وسجن عثمان بن عفان- رضي الله عنه- ضابئ بن الحارث
- أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه بنى سجنا بالكوفة يسمّى: يافعا لم يكن مستوثق البناء، فكان المسجونون يخرجون منه فهدمه، وبنى مخيّسا
- وسجن عبد الله بن الزبير بمكة، وسجن أيضا في سجن دارم: محمد ابن الحنفية إذ امتنع من بيعته.
ولنا في نقاش فعل الصحابة وقفة اخرى،
.
النقطة الثالثة : اقسام الناس من حيث الإعتقال
إذا كان العدل واجب في كل شيء ، فيجب أن يفرق بين كون شخص عدو لله ولرسوله كمن تزندق، وبين من عادى نظام معين. فليس بالضرورة أن يكون كل من خالف نظام معين هو عدو لله ولرسوله ولدين الإسلام:
وقد قسم الفقهاء الناس من حيث الإعتقال إلى أقسام ثلاث :
1. إن كان المتهم ذو تقوى وورع، فهذا لا يقوم القاضي بحبسه أو ضربه ولا يضيق عليه بشيء وهذا القول مروي عن أبي حنيفة.
2. أن يكون المتهم معروف الحال بالفجور والتعدي فيجوز للوالي أو القاضي أن يحبسه ويضربه ليصل للحق. واختلفوا في الحبس فقيل لا يزيد عن شهر.
3. مجهول الحال لا يجوز حبسه كما نص على ذلك ابن حزم مجلة الفقه الاسلامي 12/1261
ولا يجوز ولا يحل حبس أحد بدون حق. ومتى حبس بحق يجب المسارعة بالنظر في أمره. فإن كان مذنبا أخذ بذنبه. وإن كان بريئا أطلق سراحه. ويحرم ضرب المتهم لما فيه من إذلاله وإهدار كرامته. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين: أي المسلمين. 3/466
الخاتمة:
لا شك ان القراطيس إذا اخفيت غارت النفوس كمدا وحقدا
يكاد القلب من جزع يطير ... إذا ما قيل: قد قتل الوزير
أمير المؤمنين قتلت شخصا ... عليه رحاكم كانت تدور
فمهلا يا بني العبّاس مهلا ... لقد كويت بغدركم الصّدور
أمير المؤمنين قتلت شخصا ... عليه رحاكم كانت تدور
فمهلا يا بني العبّاس مهلا ... لقد كويت بغدركم الصّدور
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى
د. عدنان بن قحطان
الأربعاء 27 ذو الحجة 1432
11/23/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق