18 نوفمبر 2011

جمعية حسم تدين بشدة مشروع "النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله"

جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية (ACPRA)

بسم الله الرحمن الرحيم
لماذا إصرار وزير الداخلية السعودي
على إصدار قانون "مكافحة الإرهاب" الآن؟
هل يهدف وزير الداخلية إلى جر وتوريط كبار المسئولين في الدولة- وعلى رأسهم الملك- في مستنقع انتهاكات حقوق الإنسان؟
مشروع "النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله" وانحسار ما تبقى من الحريات العامة!

التاريخ: الجمعة 21 شعبان 1432ه، الموافق 22 يوليو 2011م.
الرياض، المملكة العربية السعودية.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه الذين أقاموا معالم العدل والشورى.
تلقت جمعية الحقوق المدنية والسياسية "حسم" في المملكة العربية السعودية عدة استفسارات حول "مشروع نظام مكافحة الإرهاب السعودي"، من جمعيات حقوقية عالمية، ومن مجموعة من الناشطين الحقوقيين، ويبدو أن النظام المقترح قد انتشر لدى تلك الجمعيات في الخارج، ومن ثم قامت بتزويد جمعية "حسم" بنسخة منه. ويأتي هذا النظام ضمن سلسلة من الإجراءات والممارسات التي أصدرتها الحكومة السعودية مؤخراً، والتي تعتدي على حقوق الإنسان الأساسية، كحرية التعبير والتجمع، وتركّز الصلاحيات في فئة قليلة من المستبدين، الذين يستغلونها في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان الخطيرة، ضد المفكرين المستقلين، ناهيك عن خصوم الدولة ومعارضيها. تأتي أنظمة مثل نظام "مكافحة الجرائم المعلوماتية"، ونظام "النشر الالكتروني"، ونظام "عقوبات نشر الوثائق السرية" في مقدمة تلك الإجراءات التي صدرت مؤخراً، والتي يبدو ظاهرها التنظيم والتأكيد على سيادة القانون، إلا أن الهدف الحقيقي هو مصادرة حرية الرأي، والقضاء على الحق في التعبير، لذا طفقت أجهزة القمع في تلفيق التهم ضد الأشخاص حتى قبل صدور تلك الأنظمة بشكل رسمي من مجلس الوزراء.

وفي السعودية، هناك همس ونقاش خلف الكواليس حول قرب صدور نظامين مهمين، ما لم يتنبه لهما المهتمون بالشأن العام، فسيكون لهما أثر سلبي على الحريات العامة، هما: "النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله" و"نظام جرائم أمن الدولة"، والتي- إن أجيزت من مجلس الوزراء- تمنح وزير الداخلية صلاحيات لا متناهية في اعتقال الأشخاص الأبرياء، وتلفيق التهم لهم، ومحاكمتهم في المحاكم التابعة له، وسجنهم في ثقوب وزارة الداخلية السوداء، دون أية ضوابط قانونية، ودون أية إشراف من جهات مستقلة أخرى. وفقاً لتلك الأنظمة تصبح وزارة الداخلية- بشكل نظامي- جاسوساً يعتدي على خصوصيات الأفراد ويفضح أسرارهم، ورقيباً على حرياتهم وأفكارهم وآرائهم، وتصبح الوزارة كذلك جهة اعتقال ومحققاً وقاضياً وسجاناً، لذا يحق لنا أن نتساءل: ماذا بقي للناس من حريات أصلاً في ظل تسلط وزارة الداخلية حتى قبل صدور هذا القانون؟ وهل الهدف هو تبرير جرائم وزير الداخلية الشنيعة وانتهاكاته الخطيرة لحقوق الإنسان؟ أم أن الهدف هو القضاء على ما تبقى من مظاهر استقلال القضاء الضعيف أصلاً؟
أولاً: ما هو هدف وزير الداخلية من تمرير مشروع قانون مكافحة الإرهاب الآن؟
لاقى وزير الداخلية السعودي، الأمير نايف بن عبدالعزيز، انتقادات حادة من نشطاء حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، تجرّم سلوكه الاستبدادي في استغلال ملف مكافحة الإرهاب في التنكيل بخصومه التقليديين، من إصلاحيين سياسيين ومدافعين عن حقوق الإنسان، هذا بالإضافة إلى فضح سجل وزارته السيئ لتورطها في انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة، ووقوع الوزارة في ممارسات خارج سلطة القانون، لذا كانت ردة فعل الوزير ليس إضفاء صيغة شرعية وغطاء قانوني يبرر التجاوزات الخطيرة في حق عشرات الآلاف من المعتقلين تعسفياً في سجون وزارة الداخلية فحسب، بل إن الهدف المهم الآخر هو أن يصدر ذلك من أعلى سلطة في الدولة، ألا وهو مجلس الوزراء، لذا حرص وزير الداخلية أن يخرج نظام مكافحة الإرهاب المزعوم في شكل مرسوم ملكي، لأجل توريط كبار المسئولين في الدولة-وعلى رأسهم الملك- في انتهاكات وزبر الداخلية لحقوق الإنسان.
    إن أولى إرهاصات قرب صدور نظام مكافحة الإرهاب الذي صاغه وزير الداخلية، هو أن ديوان المظالم صار يؤجل قبول القضايا المرفوعة ضد وزارة الداخلية، تحسباً لصدور النظام الجديد الذي يحصر النظر في مثل تلك القضايا في "المحكمة الجزائية المتخصصة"، التابعة فعلياً لوزير الداخلية، ولا علاقة للقضاء بها البتة، وبالتالي فإن الهدف هو سد كافة قنوات التظلم الأخرى التي أصبحت مزعجة للوزارة، وفاضحة لسجلها في الاعتقالات التعسفية، والتعذيب الممنهج، والإخلالات الخطيرة في حماية حقوق الإنسان، لذا حرصت وزارة الداخلية إبقاء كافة الإجراءات تحت سيطرتها، دون تدخل أية جهة قضائية أو رقابية أخرى.
والقراءة السريعة لمواد النظام، يتضح أنه يمنح وزير الداخلية صلاحيات واسعة في اعتقال من يشاء، دون أية مخالفة لنظام، ودون تهمة صريحة، وحرمان المتهم وذويه من التظلم لجهات أخرى في الدولة، فمواد هذا النظام واضحة في تهميش السلطة القضائية، ومؤسسات حقوق الإنسان المحلية، وهيئة التحقيق والإدعاء العام.
ثانياً: الأخطاء الإجرائية في إصدار "النظام الجزائي لجرائم الإرهاب وتمويله."  
الجهة التي قامت بصياغة مسودة النظام المقترح هي لجنة مشكلة في وزارة الداخلية منذ عام 1426 ه (2006م) بعضوية كل من وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، ورئاسة الاستخبارات العامة، ووزارة العدل، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ووزارة المالية، وديوان المظالم، وهيئة التحقيق والادعاء العام، حيث عملت اللجنة على إعداد مشروع "نظام لمكافحة الإرهاب في الداخل يكون مستمدا من أحكام الشريعة الإسلامية السمحة والاتفاقات الدولية."
ووزير الداخلية حريص على الإسراع في إصدار النظام بمرسوم ملكي، وان يتبع في إصداره إجراءات خاصة تختلف عن إجراءات إصدار الأنظمة الأخرى كالمتبع، بحيث لا يوزع على الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى، وان يوضع له برنامج زمني يدرسه مجلس الشورى فيه بصورة عاجلة لا تتجاوز شهر! فما هو سر حرص وزير الداخلية على الإسراع في إصدار نظام مكافحة الإرهاب على الرغم من أهميته وخطورته؟ أليس الأجدى منح المواطنين فرصة أكبر في نقاش هذا النظام تحت مظلة "الحوار الوطني"؟ أما أعضاء مجلس الشورى- مع احترامنا للوطنين والشرفاء منهم- فإنهم لا يمثلون الشعب السعودي، فلم ينتخبهم المواطنون بشكل مباشر، بل تم تعيينهم من قبل النافذين في النظام السياسي، ونواب الشعب المنتخبون هم من يفترض أن يسن ويناقش ويعدل أية مشروع يمس حريات الناس وحقوقهم.  ووزير الداخلية يشير إلى أهمية هذا النظام في حماية المواطنين من الإرهاب الذي يهدد مصالحهم وحرياتهم وحقوقهم، ويتذرع باعتبارات "المصلحة العامة"، ويؤكد على خصوصية النظام والتي تميزه عن الأنظمة العادية من حيث "الوسائل والغايات"، وما تلك إلا محاولة يائسة لابتزاز المواطنين بالآمن حتى يتخلوا عن حرياتهم الأساسية.
ثالثاً: النظام المقترح يعتدي على حريات الأفراد ويصادر الحقوق الأساسية للمواطنين:
تعرّف المادة الأولى من النظام المقترح الجريمة الإرهابية، ويتضح من التعريف أنه صيغ من قبل وزارة الداخلية بشكل مطاطي لمصادرة الحق في اختلاف الرأي، وقمع حرية التعبير، والتنكيل بمن يحتج على انتهاكات حقوق الإنسان وغياب العدالة، حيث تقول المادة المذكورة:
 " كل وصف إجرامي منصوص عليه في هذا النظام، وكل ما يصدر من الجاني من قول أو فعل تنفيذا لمشروع فردي أو جماعي يقصد به الإخلال بالنظام العام للدولة، أو زعزعة امن المجتمع أو استقرار الدولة أو تعريض وحدتها الوطنية للخطر، أو تعطيل النظام الأساسي للحكم أو بعض مواده، أو الإساءة لسمعة الدولة أو مكانتها، أو إلحاق الضرر بأحد مرافقها ومواردها الطبيعية، أو التهديد بتنفيذ أعمال تؤدي إلى المفاسد المذكورة. ويدخل في مدلول الجريمة الإرهابية تكفير الدولة واتخاذ أسلوب التكفير المؤدي إلى ارتكاب جريمة إرهابية أو التحريض عليها، وكل ما من شأنه إيجاد الأسس الفكرية والعقدية لتبرير تلك الجرائم أو الدعاية لتلك الأفكار أو التحريض عليها أو نشر المواد والمعلومات التحريضية أو المؤدية إلى تنفيذ النشاط الإرهاب."
وهكذا فكل من ينزعج منه الوزير فهو مخل بالنظام العام! وكل من يفضح جرائم التعذيب والاعتقال التعسفي هو يسئ لسمعة الدولة!
أما المادة الرابعة من النظام المقترح فتطلق يد وزير الداخلية بصلاحيات واسعة في التنكيل بمن يشاء، فإذا كان وزير الداخلية قام بسجن عشرات الآلاف دون ضوابط قانونية، فإن هذا النظام المقترح سيقود إلى اعتقال مئات الآلاف دون أية تحفظات، حيث تنص المادة على: "لوزير الداخلية اتخاذ التدابير اللازمة لحماية الأمن الداخلي من أي خطر إرهابي"، في حين تقول المادة السابعة: "لوزير الداخلية إصدار أمر بالقبض على من يشتبه في ارتكابه جريمة إرهابية أو تمويلها، وله أن يفوض من يراه وفق ضوابط يحددها"،
ووزارة الداخلية- وعلى رأسها الوزير- هم المنتهك الأول لحقوق الإنسان، ولها سجل عريق في انتهاك سيادة القانون، وباع طويل في تجريم الأبرياء، فكيف تطلق يد وزير الداخلية وأعوانه دون رقيب؟ وكيف يسن القانون الخارجون عليه؟!

رابعاً: مواد النظام المقترح تهتك أسرار الناس وتستبيح خصوصياتهم:
حيث يعفي النظام المقترح عناصر وزارة الداخلية من الحصول على إذن قضائي لتفتيش المساكن والمكاتب والقبض على المتهمين كما ينص على ذلك نظام الإجراءات الجزائية، حيث تقول المادة الثانية والعشرون:
 "لوزير الداخلية-أو من يفوضه- الإذن بدخول المساكن والمكاتب لتفتيشها والقبض على الأشخاص في أي تهمة تتعلق بجريمة إرهابية أو تمويلها في أي وقت خلال المدة المحددة في إذن التفتيش، وفي حالة الضرورة لا يلزم الحصول على إذن القيام بذلك، على أن يدون محضر توضح فيه الأسباب ودواعي الاستعجال."
وتمنح المادة الثالثة والعشرون وزير الداخلية الحق في التجسس على الأفراد دون أية ضوابط قانونية، أو إذن قضائي:
"لوزير الداخلية-أو من يفوضه- أن يأمر بمراقبة الرسائل والخطابات والمطبوعات والطرود وسائر وسائل الاتصال والمحادثات الهاتفية وضبطها وتسجيلها- سواء أكان ذلك في جريمة وقعت أم يحتمل وقوعها- إذا كانت لها فائدة في ظهور الحقيقة، على أن يكون الأمر مسببا."

خامساً: مصادرة حرية الرأي والتعبير وقمع الآراء السياسية المخالفة:
تمت صياغة بعض مواد النظام بطريقة فضفاضة، وإن كانت تعبر عن مبادئ سامية ومثل راقية، إلا أنها قد تكون عرضة لسوء الاستغلال من قبل وزير الداخلية وأعوانه، فعلى سبيل المثال تنص المادة التاسعة والعشرون على: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، كل من وصف الملك-أو ولي العهد- بالكفر أو شكك في نزاهته أو قدح في أمانته أو نقض البيعة أو حرض على ذلك. ويعاقب بالقتل كل من خرج على الملك أو ولي العهد بالسلاح."
ومن المعلوم أن منصب الملك- وفقاً للنظام الأساسي للحكم السعودي- له صلاحيات مطلقة، وقراراته تؤثر على الوطن والمواطنين، ومن الطبيعي أن يكون للمواطنين أو بعضهم على الأقل رأي، ونقد لبعض سياسات الدولة لأنها تؤثر بشكل مباشر على حياتهم، والمسؤولية على قدر السلطة، فكيف يكون المسئول له صلاحيات مطلقه وفي نفس الوقت محصن من النقد والمسائلة؟!
كما أن وزير الداخلية- كما يعلم الجميع- يطمح لأن يكون يوما ما في موقع الملك، وهو بسنه لمثل هذه القوانين يستبق الأحداث، ويسعى لأن يحصّن نفسه من المسائلة والملاحقة، لأنه أدرى الناس بتدهور سجله في مجال حقوق الإنسان!
كما تنص المادة الثلاثون على: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، كل من أصدر-كتابة أو مشافهة- بياناً تكفيرياً أو بياناً مؤدياً إلى الإخلال بالأمن العام للبلاد أو زعزعة الاستقرار فيها أو حرض على هدر الأموال أو الدماء أو الأعراض المعصومة."
أما المادة الرابعة والأربعون فتصادر صراحة الآراء السياسية، حيث تقول:
"يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات، كل من روج- بالقول أو الكتابة بأي طريقة- لجريمة إرهابية، أو أي موضوع مناوئ للتوجهات السياسية للملكة، أو أي فكرة تمس الوحدة الوطنية، أو دعا إلى فتنة وزعزعة الوحدة الوطنية، بما في ذلك من استغل أي نشاط مشروع لهذا الغرض بأية صورة كانت."
أما المادة السابعة والأربعون فتحرم المواطنين من الحق في التظاهر السلمي، والتي تحث عليه المعاهدات والمواثيق الدولية، التي وقعّت وصادقت عليه حكومة المملكة العربية السعودية، والمظاهرات أسلوب حضاري سلمي للتعبير، حيث تقول المادة المذكورة:
"يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، كل من نظم مظاهرة، أو شارك في تنظيمها أو أعان عليها، أو دعا إليها أو حرض عليها، ويعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنة، كل من شارك في هذه المظاهرات. ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سبع سنوات، كل من رفع شعارا أو صورة أو حرض على ذلك وكان من شأن ذلك المساس بوحدة البلاد وسلامتها أو الدعوة إلى فتنة والانقسام بين أفراد المجتمع."
في حين تنص المادة الحادية والخمسون:
"يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن عشر سنوات، كل من تعدى علانية على أي من ثوابت الشريعة الإسلامية أو الثوابت الشرعية للدولة؛ إذا كان من شأن ذلك زعزعة الاستقرار، أو أدى إلى جريمة إرهابية."

سادساً: هل أصبح وزير الداخلية أعلى سلطة في القضاء؟ ما هو مصير استقلال القضاء حين تصبح المحاكم تابعة لوزارة الداخلية؟
قام وزير الداخلية وأعوانه بإنشاء محاكم متخصصة، خارج دار القضاء، تعقد جلسات سرية، لا تمكن المتهم من وجود محام يمثله أثناء التحقيق والمحاكمة، وأستغل وزير الداخلية هذه المحاكم في تجريم الناشطين الحقوقيين، والمهتمين بالشأن العام في تلك المحاكم، ولعل أبرز الأمثلة لذلك هو محاكمة الإصلاحيين السياسيين الستة عشر في مدينة جدة، وإحالة الدكتور مبارك بن سعيد آل زعير ومحمد بن صالح البجادي (عضو جمعية حسم) للمحكمة السرية، فما علاقة هؤلاء وغيرهم بملف الإرهاب؟
توضح المادة الحادية عشرة آليات إنشاء محاكم ابتدائية، ودوائر استئناف ودوائر أخرى في المحكمة العليا بعيدة عن العلانية والرقابة القضائية، حيث تقول المادة:
"تتولى المحكمة الجزائية المتخصصة الفصل في جرائم الإرهاب وتمويلها ودعاوى إلغاء القرارات والتعويض المتعلقة بتطبيق أحكام هذا النظام، وتستأنف أحكامها محكمة الاستئناف المتخصصة، ويجوز الاعتراض على أحكامها أمام دائرة متخصصة في المحكمة العليا."

يجبر هذا النظام قضاة "المحكمة الجزائية المتخصصة" على إصدار أحكام في القضايا، حتى مع غياب النص، ولكن استناداً على قواعد التعزير!  حيث تنص المادة السبعون (الفقرة 2):
"ولا يجوز للمحكمة الجزائية المتخصصة-وفقا لهذا النظام- أن تمتنع عن اصدرا حكم في جريمة إرهابية استنادا إلى انه ليس لها عقوبة محددة في هذا النظام، وعليها حينئذ أن تحكم بالعقوبة التعزيرية الرادعة."

حصانة القضاة وفقاً لهذا النظام في مهب الريح! حيث أن وزير الداخلية يعتقد أن بعض القضاة "كانوا من ضمن المطاردين المطلوبين امنياً"، حيث تقول لمادة الحادية والعشرون:
"مع عدم الإخلال بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تكون المملكة طرفا فيها، لا تحول أي حصانة أو ضمانة يتمتع بها أي شخص دون تطبيق أحكام هذا النظام."
أنشأ وزير الداخلية- حتى قبل صدور هذا النظام- لجنة قضائية عليا في وزارة الداخلية تنظر في قضايا الإفراج عن المعتقلين، بعد إنهاء عقوباتهم، وقضايا التعويض، في اعتداء سافر على صلاحيات السلطة القضائية، حيث تقول المادة الحادية والستون:
"التظلم من طول مدة الإيقاف أو السجن أكثر من المدة المقررة، أن يتقدم إلى وزير الداخلية أو نائبة بطلب التعويض قبل التقدم إلى المحكمة المتخصصة، وتنظر في الطلب لجنة تسوية تشكل لهذا الغرض بقرار من الوزير لا يقل أعضاؤها عن ثلاثة يكون من بينهم مستشار شرعي ومستشار نظامي، وتصدر قرارات اللجنة بالأغلبية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ تقديم الطلب."
في حين تنص المادة الخامسة والستون:
"تشكّل لجنة شرعية في وزارة الداخلية من ثلاثة أعضاء برئاسة قاض، وعضوين اثنين يكون احدهما مستشار شرعي؛ للنظر في حالة السجين- قبل انتهاء محكوميته- الذي يتبين أن الإفراج عنه يشكل خطورة على امن البلاد وسلامتها، ولها ان تقرر ما تراه من إجراءات وتدابير لدرء خطره، وإذا قررت اللجنة استمرار سجنه فله الاعتراض على القرار أمام المحكمة الجزئية المتخصصة."
فكيف يكون وزير الداخلية هو الخصم والحكم؟ وكيف يعاقب ويحاكم الشخص على نفس الجرم مرتين هذا إذا افترضنا أن محاكمته عادلة أصلا؟ وما فائدة القضاء وأحكامه إذا لم يكن هو الفيصل في إدانة أو براءة المتهم؟ إنه مزيد من التدخل وتهميش القضاء من قبل وزير الداخلية! والطريف أنه يجن جنون وزير الداخلية إذا شكك أحد في نزاهة واستقلال القضاء السعودي!!


سابعاً: وفقاً لهذا النظام يصبح وزير الداخلية هو المدعي العام!
حيث تعطي المادة السادسة كافة صلاحيات المدعي العام- المهمش أصلا- لوزير الداخلية:
"تنشأ بموجب هذا النظام دائرة (أو أكثر) في هيئة التحقيق والادعاء العام، تسمى دائرة القضايا الأمنية، ويختار أعضاءها وزير الداخلية بناء على اقتراح رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام."
ووفقاً لهذا النظام تصبح وزارة الداخلية المسئولة عن التحقيق، حيث تنص المادة الخامسة: "تتولى وزارة الداخلية التحقيق في الجرائم الإرهابية وتمويلها. ويصدر وزير الداخلية قرارا بتنسيق العمل وتنظيمه بين جهتي التحقيق والادعاء العام."
بل وأصبح من صلاحيات وزير الداخلية إصدار قرار الاعتقال، فما دور هيئة التحقيق والإدعاء العام؟، حيث تقول المادة السابعة: "لوزير الداخلية إصدار أمر بالقبض على من يشتبه في ارتكابه جريمة إرهابية أو تمويلها، وله أن يفوض من يراه وفق ضوابط يحددها."
ولوزير الداخلية كذلك حق الإفراج عن المتهم حسب المادة العاشرة:
"لا يجوز الإفراج المؤقت عن أي متهم إلا بأمر من وزير الداخلية أو من يفوضه."


ثامناً: انتهاك حقوق المتهم والسجين وفقاً لمشروع نظام مكافحة الإرهاب المقترح، دون وجود أية ضوابط للحماية:
المادة الثامنة:
"لجهة التحقيق توقيف المتهم في الجريمة الإرهابية مدة أو مددا متعاقبة لا تزيد في مجموعها على ستة أشهر، ولها التمديد ستة أشهر أخرى إذا تطلبت إجراءات التحقيق ذلك. وفي الحالات التي تتطلب التحقيق مدة أطول يرفع الموضوع إلى وزير الداخلية-آو من يفوضه- ليصدر قرارا بالتمديد لمدة أو مدد متعاقبة لا تزيد في مجموعها على ستة أشهر أخرى، ويكون قرار التمديد مسببا. وفي الحالات التي تتطلب التوقيف مدة أطول يرفع الأمر إلى المحكمة الجزائية المتخصصة لتقرر ما تراه في شأن التمديد."
الاعتقال الانفرادي لفترات مفتوحة وفقاً للمادة التاسعة:
"لجهة التحقيق أن تأمر بمنع الاتصال بالمتهم مدة لا تزيد على مائة وعشرين يوما، فإذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، فإن تطلب التحقيق مدة أطول يرفع الأمر إلى المحكمة الجزائية المتخصصة لتقرر ما تراه."

تاسعاً: إعطاء وزير الداخلية صلاحيات واسعة للتحكم في آراء الناس وفقاً لبرنامج "الأمن الفكري" وصياغة الأنظمة والإصرار على السرية التي تحقق ذلك:
المادة الثانية والستون:
"تنشأ مراكز متخصصة تكون مهمتها التوعية التربوية للموقوفين والمحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية المنصوص عليها في هذا النظام؛ لتصحيح أفكارهم وتعميق الانتماء الوطني لديهم، وتحدد قواعد أعمال هذه اللجان وكيفية تشكيلها ومكافأة أعضائها ومن يستعان بهم بقرار من وزير الداخلية. ويجوز لجهة التحقيق بهذه المراكز من يقبض عليه أو يخبر عنه ممن تدور حولهم الشبهات ويخشى منهم، بدلا من توقيفه."
المادة السادسة والستون:
"يصدر وزير الداخلية لائحة تتضمن الإجراءات الأمنية والحقوق والواجبات والجزاءات والمخالفات وتصنيف الموقوفين والسجناء داخل دور التوقيف والسجون المتخصصة لتنفيذ أحكام هذا النظام، وما يلزم لتصحيح أوضاعهم الاجتماعية والصحية وتحسينها."
المادة السابعة والستون:
"يلتزم كل من له شأن بتطبيق أحكام هذا النظام بسرية المعلومات التي اطلع عليها، ولا تكشف سريتها إلا لضرورة استخدامها في إغراض جهات الاختصاص. ويعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة، كل من يفصح لأي شخص عن أي من إجراءات الإبلاغ آو الاستدلال أو التحقيق أو المحاكمة، التي تتخذ في شأن جرائم الإرهاب أو تمويله، أو يفصح عن البيانات المتعلقة بها دون مقتض."
المادة التاسعة والستون (الفقرة 2):
"على أولياء الأمور تبليغ السلطات الأمنية المختصة عن تغيب أولادهم أو من يعولونهم شرعا خلال اثنتين وسبعين ساعة من تاريخ العلم بتغيبهم."

عاشراً: تحث جمعية الحقوق المدنية والسياسية جميع الناشطين الحقوقيين على دراسة مواد هذا النظام وتوعية الناس بمزالقه ومخاطره:
تنادي الجمعية القضاة الشرفاء الغيورين على العدالة ونزاهة واستقلال القضاء، والمحامين الحريصين على سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، والصحفيين المستقلين الحريصين على حرية التعبير، إلى بذل الجهد والتحرك فوراً، بالتواصل مع أعضاء مجلس الشورى، والكتابة لكبار المسئولين في الدولة، لأجل إعادة النظر في هذا القانون الذي يستبيح أبسط حقوق الإنسان، وقد تقوم جمعية "حسم" لاحقاً بإصدار بيان تفصيلي حول النظام، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

والله ولي التوفيق
جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم)
في السعودية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق