وكالة الجزيرة العربية للأنباء -
أحمد رمزي
لا أشك أن الثورة خير وأن الفتنة وبال، وما يحدث اليوم في بلاد المسلمين من سكوت على الظلم وركون للظالم هو الفتنة بعينها، وهي التي ينطبق على الحديث الذي شكك البعض فيه وضعّفه آخرون "الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها"، وعلاجها الثورة.
الثورة قبل أن تكون ظاهرة سياسية، فهي ظاهرة كونية ونفسية وتأخذ أشكال متعددة فهي تعني التمرد، وتعني التقدم وتعني التجديد وتعني النجاح، فالثورة بمفوهما العام اللغوي وليس الاصطلاحي هي من قادت سلسلة الحياة منذ أول يوم للحياة وحتى اليوم، فمن منظور بيولوجي بحت أقول أنه لولا تمرد الطحلب الصغير ذو الخلية الواحدة لما نشأت الحياة بفهومها المعقد المعتمد على تكاثر الخلية، ومن منظور إنساني، نجد انه لولا تمرد الإنسان الأول البدائي على الطبيعة القاسية عليه لما لجأ إلى تسخير الحيوانات لأكل لحومها ولبس جلودها، ولما سخر الأشجار ليصنع منها منزلاً له يقيه من البرد، ولولا التمرد على الواقع لما عرف الانسان معنى السفر والترحال، ولولا التمرد على الادوات اليدوية لما صنع العقل البشري الأدوات السهلة البسيطة، وبعدها الماكينة التي حولت حياة الانسان إلى رفاهية، واكمل بطبيعة الحال، فلو أن كل إنسان خرج في عباءة والده لصار ابن الحداد حدادًا وابن النجار نجارًا وابن الدكتور دكتور وبن المهندس مهندسًا، ولما كانت الوظائف الجديدة من أمثال البرمجة، والاتصالات والالكترونيات، والترجمة.. الخ وجدت مكانًا في حياة الشعوب.
ومن منظور حداثي تقديم، نكتشف أنه لولا تمرد الشعب على عادته وتقاليده لما تطلع إلى بلاد العالم الأخرى، ولرضى بالأنعام وسيلة لتنقلاته وبالحمام الزاجل وسيلة لمراسلاته وبالحطب وسيلة لطهي طعامه، ولاستغنى تمامًا عن كل مقومات الحياة الحديثة.
وبإسقاط هذا المفهوم العام للثورة على الحياة السياسية، يمكن القول انه لولا التمرد على الأساليب القديمة، لما اخترعت الدولة بفهوم بيروقراطي يمكن الحاكم من السيطرة على كل شبر في بلاده، ولما ضمت قاعدة البيانات في الدولة، جميع من يعيش على أرضها!
إذن هي الثورة على القديم، وهو التمرد على التخلف، وهو حب التجديد، وهو التطلع إلى الحداثة وهو الرغبة في التقدم، فلماذا لا تثور الشعوب على جلاديها وكل شيء في الحياة يثور ويتقدم، فالكون كله يثور في اللحظة ألف مرة، فترى كل مجرة سماوية يحدث فيها تغيرات حقيقية في اليوم مليون مرة، وترى الخلية الصغيرة تثور على وضعها فتتكاثر إلى ملايين الخلايا في اليوم الواحد، الجميع يثور بدءًا من اكبر شيء في الوجود وحتى أصغر شيء خلقه الله سبحانه وتعالى، الطائر يثور في بيضته فيخرقها ويحطمها بمنقاره الصغير، فيخرج إلى الوجود، والبذرة في الأرض تثور لتخرج إلى نور الحياة، مفرعة أوراقًا وأشجارًا وزهورًا، أفلا يثور الإنسان، لينتقل من وضع سيء إلى وضع أفضل؟
تذكرت كل هذا وانا أتابع واقع شعوبنا العربية، وقلت لنفسي لماذا لا يثور شعب يزج بأشرافه ونساءه وشبابه في السجون بلا ذنب او جريرة، ولماذا لا يثور شعب محروم من أبسط مقومات الحرية في اختيار من يحكمه؟ ولماذا لا يثور شعب ممنوع من اللحاق بركب التقدم والحداثة بحجة "الدين" وهو برئ من هذه الحجة؟
ووجدت أن الجواب فينا نحن وليس في حكامنا، فنحن من نصنع ديكتاتورية الحاكم، ونحن من نمكن له في الأرض مالم يمكنه له الله، ونحن من نضفي عليه صفات القدسية وعدم الخطأ، ونحن من نشبع له غروره بمدحه ليل نهار، وتصويره على انه إلاه وما هو بذلك! ونحن من نستضعف انفسنا ليكبر هو!
نحن من ألزمنا أنفسنا بموروثات وثوابت عقيمة تفتي بعدم الخروج على الحاكم، دون نظر لحقيقه النص وفي اي شيء قيل! ونحن من ربطنا مصير الدولة بمصير الحاكم وبمصير أسرته وكأن الوجود مرتبط، وكأن الدولة بدونه ستهلك أو تفنى؟
الثورة ظاهرة كونية وحقيقة تاريخية وانعكاس للتقدم والحداثة، وما غير ذلك لا يمكن وصفه إلى بجاهلية شديدة كتبناها نحن على أنفسنا، ولم يكتبها علينا الله وهو القائل جل شانه: "إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق