13 مارس 2012

انتحار عاطل سعودي... «السبب» اولا!


يقال «ان البكاء اول طرق التفاهم، واخر وسائل ايجاد الحلول»، ولعل هذا القول يصلح في زمن ماض كان للدمعة فيه معنى وحضور، وكان هطولها كافيا لايقاظ الضمير، واشعال الحس الانساني الذي بات ينقص بالتدريج من دون خوض في تفاصيل صيغة السؤال الاشهر «لماذا»؟ الان ولظروف ما قد نستعيض عن المفردة الموجعة «بكاء» باخرى اشرس واسوا واقسى هي جريمة «الانتحار»، تلك الخديعة التي ترتكبها فئة يائسة محبطة كوسيلة اليمة واخيرة للتفاهم وايجاد الحلول.
مشهد الانتحار المحلي الاخير كان ضحيته شاب سعودي عاطل، على رغم شهادته الصحية، التي يبدو انها قهرته اكثر من ان تفتح له بوابات رزق، وتحضر له لقمة عيش ناضل طويلا حتى يحصل عليها، وهو الذي درس واجتهد وصبر لان هناك من سكب معلومة صارمة في دماغه بان «الوظيفة لا تاتي الا بشهادة»، انما يبدو ان «الساكب» نسي ان يستبدل بقوله القديم قولا جديدا فرضته وقائع مشاهدة، وحقائق ماثلة امام الاعين في «ان الوظيفة قد تاتي من دون اشتراط الشهادة، بل شريطة ان يكون لطالب الوظيفة عمود فقري يدعمه من الخلف، او عيون حادة  جادة مدى اتساع رؤيتها شامل وعام للطرف كما المركز».
اذا حضرت قصة انتحار في مجتمعنا المصدوم سريعا بها، والمتناسي بشكل اسرع لها، فان السرعة ذاتها نستخدمها في الجانب المضاد لنعلن ان الظروف المصاحبة لقصة الانتحار لا تزال غامضة فنقذف بالمتابع، والمنتظر للاسباب والدوافع الى منطقة تاويلات وتبريرات ومساحة شاسعة للتخويف ونشر للشائعات التي لا تصمد كثيرا امام تعامل مؤسساتي بارد ينهي القضايا دوما بلا ايضاح مقنع ويتجه - منكسرا - لخانة الارقام فيضيف رقما جديدا لاحصاءات الجريمة والالم والقهر ونركلها او نظهرها في اركان قصية، وبخجل شديد في صورة تعكس ان «الانتحار» فعل عادي لا يستحق ان نمنح قصصه، ولو ورشة عمل جادة نقف فيها على الاسباب بلا حرج وبشجاعة لا يعادلها شجاعة.
هذه المرة لا ظروف غامضة في القصة، بل هي مكشوفة صريحة لا تحتاج لربع سطر من الشرح والايضاح «شاب عاطل ينتحر لانه لم يجد من يسمع شكواه، ويراف لانينه، ويحترم شهادته، ومن ثم يسعى جادا ليؤمن له وظيفة»، قصة شاب عرعر مؤشر خطر في ان الضغوطات ان لم يتم احتواؤها واستيعابها، وتقدير اصحابها الذين كافحوا وناضلوا في سبيل الحصول على شهادة، فقد نبكي كثيرا، ونعض اصابع الندم على تساهلنا واهمالنا للوقوف ولو يوما واحدا بحماسة على السبب الذي كان دافعا لابشع نتيجة، وقبل ان اغادر ساضع سؤالا حارقا انطلقت من اجله لكني وضعته جانبا تاهبا لخاتمة تليق، ولو لمرة بالسطر الاخير، وتاركا اجابته لكم: «كم من مسؤول وقف امامه هذا الشاب وصد النظر عنه ورفض الاستماع له او اجل استقباله؟»، الا تتفقون معي بانه قد كان سببا ولو ثانويا في ولادة قصة الانتحار؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق