8 نوفمبر 2011

السعودية وثلاثي لندن المستعصي



الاثنين, 07 نوفمبر 2011 22:29

تعتبر السعودية الدولة الوحيدة في منطقة الخليج العربي التي افرزت معارضة في الخارج فكل دول الخليج لم تشهد مثل هذه الافرازات حيث تمركزت اصوات معارضة في خارج حدودها بل استطاعت ان تفتح المجال ولو الضيق لطرح الافكار المغايرة لمسيرة انظمتها وتحملت التعددية في الطرح ولكن مؤخرا التحقت البحرين بالشقيقة الكبرى حيث تقلصت المساحات المستقلة مما اضطر الكثير من مواطنيها ان يتخذ من العاصمة البريطانية مقرا لنشاطه السياسي وان دل ذلك على شيء فهو يدل على انحسار الافق السياسي في الداخل وهجرتها الى الخارج.

وكلما ازدادت حالة التأزم في الداخل السعودي نجد ان النظام يرتج ويهتز ويصب اهتمامه على شخصيات منها كاتبة هذا المقال هذا بالاضافة الى سعد الفقيه ومحمد المسعري وكلاهما ارتبطا بمعارضة اسلامية انطلقت بعد احداث حرب الخليج عام 1990 وتمركزت في بريطانيا.
ويبدو ان الشارع السعودي يزداد احتقانا وتجاوبا مع الافكار التي تطرح ليس في الخارج فقط بل في داخل العمق السعودي حيث انبثقت تيارات اصلاحية ذات خطوط عريضة تطالب بالتغيير السياسي وانضم تحت لوائها طيف كبير من الشرائح الاجتماعية والسياسية والفكرية.
وفي السابق وحاليا تعامل النظام مع منتقديه في الداخل اما عن طريق الاعتقال او الاستقطاب ولكنه يجد نفسه عاجزا عن حل معضلة ما يسمى بثلاثي لندن والذي ارهق النظام وازلامه وفي البداية لجأ النظام الى سياسة التجاهل وانتقل بعدها الى شن حملات في العوالم الافتراضية لتشويه صورة المعارضة واصواتها مستغيثا باقلام تنبش الحياة الشخصية وتفاصيلها وتنزع الانتماء لتلوث فكر جمهورها وتحيد شخصيات لم يستطع النظام حتى هذه اللحظة ان يستوعبها او يشتريها او يستدرجها متبعا اساليبه المعروفة التي تتأرجح بين الرشوة والاستقطاب او الضرب بيد من حديد على اولئك المتواجدين في الداخل ومؤخرا يبدو ان فضاء العالم الافتراضي لم يعد ينفع خاصة في لحظة النظام المأزوم المبتلي بلعبة الشطرنج حيث توزع المناصب في الداخل.
لذلك اتجه الى المواجهة العلنية على صفحات الجرائد المحلية حيث تستكتب المقالات مهاجمة هذا او ذاك ويطال الهجوم العلني رئيس تحرير هذه الجريدة (صحيفة القدس العربي) وهو المتهم الاول ليس لشيء بل لانه فسح المجال لمقال اسبوعي تتناقله وسائل الاعلام العربية والعالمية ويصل صداه الى الداخل السعودي رغم كل وسائل الحجب والتغييب. ولسنا نعتقد اننا مصابون بعقدة تضخم الانا او اننا احدثنا تحولا جوهريا او هزة فكرية او ثورة عارمة من خلال مقال بسيط يطرح نظرة مختلفة ورؤية تنعدم في وسائل الاعلام المحلية ورغم محدودية الكلمة الحرة حتى هذه اللحظة الا ان النظام السعودي على ما يبدو ومن خلال استقرائنا لردود فعله الصبيانية نستطيع ان نجزم انه نظام مهزوز يزداد تأزمه يوما بعد يوم لدرجة انه يحاول جاهدا اخراس اي صوت ينتقد ويطرح نظرة تحليلية لمسيرته وسياسته الداخلية والخارجية. فكيف بنظام يصور نفسه كنظام مستقر ملتحم مع شعبه يفتح له الابواب ويوفر له رغد العيش ويغدق عليه من المكرمات ويبني له صروحا شاهقة ويقفز به الى اسمى درجات الرقي والتقدم والازدهار تحرجه بعض المقالات او ظهور اعلامي بين الحين والحين او اذاعة معارضة لا تمتلك من الامكانيات الا الشيء البسيط مقارنة مع امبراطورية اعلامية ذات تكلفة باهظة وكوادر بشرية تستحضر من بقاع العالم العربي لتكرس صورة نظام متماسك متلاحم يسهر على خدمة الشعب بل تصل مكارمه الى المسلمين عامة.
وهل اصبح النظام تخيفه اطروحات مغايرة لسردياته الرسمية والتي قد مل منها المجتمع خاصة بعد ان اتسعت الفجوة بين الخطاب الرسمي وبين الواقع المحلي وهل بالفعل تحول المجتمع في الداخل الى مجتمع ينظر ولا يرى او يسمع ولا ينصت لمثل هذه السرديات التي يتجرعها يوميا عبر وسائل الاعلام الرسمية حتى اصبح متشوقا للنظرة المختلفة والتحليل الآخر الذي لا ينمق ولا يبهرج بل يفضح المستور ويعري زيف السرد الرسمي الممل والمبتذل خاصة وان هذا المجتمع هو الاول الذي يعيش تفاصيل الواقع السعودي بكل سلبياته وايجابياته وليس ثلاثي لندن المزعوم. وان كان هذا المجتمع محصنا ثابتا على ولائه وطاعته وبيعته لماذا يلتفت النظام الى ما تقوله اصوات معارضة في الخارج ويبذل جهده ويفعل كل وسيلة لحجب خطاب الخارج المتحرر من قيود السلطة اليس عنده من الثقة بنفسه ما يجعله يتجاهل اصوات قليلة خرجت عن المألوف والمعتمد ورفضت ان تنصاع وراء مقولات التضليل والشعارات الكبيرة؟
ولماذا يرتجف النظام من مقال او حوار لا يردد هذه الشعارات ويعيد صياغتها حسب قواعد اللعبة السياسية اليس هو الدولة السنية السلفية المطبقة لشرع الله المؤتمرة بتفاصيله المنفذة لأوامره والدولة التنموية التي تفتح المدارس والجامعات وتبتعث الطلاب وتطعم الجياع وتؤوي اليتامى وتحتضن النساء وتحمي ثغور الأمة وتجاهد في سبيل نشر الاسلام وتوفر لحجاج البيت الحرام فنادق بخمسة نجوم وتسعف المرضى منهم وترشهم بالمياه حماية لهم من شمس مكة المكرمة واعياء الحج اليس هو النظام الذي يحمي الحدود من اختراق ايراني فارسي يهدد اهل السنة والجماعة او توغل شيعي يلوث صفاء العقيدة اليس هو من طهر الارض من الترك والخرافة وزيارة القبور وعبادة الاشجار والسحر والسحرة.
اليس هو من اعادنا الى الاسلام الصحيح بعد جاهليتنا الموغلة في شراستها وقبحها اليس هو من حررنا من عنجهية القبيلة وعنفها وجعلنا أمة اسلامية رشيدة لا تحتكم الى الاعراف والتقليد اليس هو الذي انتشل النساء من تسلط الامية والمجتمع واعاد لنا كرامتنا وحقوقنا اليس هو صاحب مشاريع هيئات تكافح الفساد وتحجب الامطار الغزيرة والفياضانات وتدير مجاري الصرف الصحي حتى لا تختلط مع مياه الشرب اليس هو المبتكر الاول لمجلس شورى يمثل اطيافاً متعددة تنصح وتناقش وهو المخترع للمجالس المفتوحة حيث تقترب الرعية براعيها لتنافس هي الاخرى وتقدم معاريضها مستجدية المساعدة والبت بقضاياها. اليس هو من يحشد الجماهير لتستقبل وتودع وتبارك وتعزي اليس هو الملتفت الى مبدأ العقل السليم في الجسد السليم حيث نواديه الرياضية تمتص حيوية الشباب وثورته وان كان هذا لا يكفي فللنظام باع طويل في مناصرة العرب وقضاياهم ومبادراته في حل مشاكلهم لها تاريخ طويل فمن قصف الحوثيين في اليمن الى مناصرة البحرين سلسلة طويلة من احتضان لقضاياهم وأولها قضية فلسطين حيث له الفخر في تقديم العون والمساندة في المحافل الدولية لدرجة ان دولة اسرائيل ترتجف ان تحرك اللوبي السعودي وبادر مبادرة حسنة. اليس هو من طوع السياسة الامريكية لصالح العرب واخترق البيت الابيض بماله ونفطه وابتز اوروبا بعقود وصفقات الاسلحة حتى اصبحت ترتعد من زيارة الى الصين او مكالمة هاتفية مع روسيا.
كل هذه الانجازات لم تصرف النظام السعودي عن اهتمامه المكثف بثلاثي لندن وربما انه هو نفسه لم يعد يصدق اكذوبته المبتذلة لذلك وجه اهتمامه لأصوات متفرقة ومبعثرة ليس لها من القوى سوى الصدق مع الذات والآخر ونظرة تختلف عن المعهود لذلك هو يجند لها طيفاً كبيراً من المهاجمين والطاعنين بصدقها ونياتها لن يستطيع النظام السعودي انه يحجر على فكر المجتمع وهو الذي يتطلع الى نظرة مختلفة وتحليل جديد بل انه تشبع لغة التلقين والسمع والطاعة واحتكار الحقيقة فخرج يبحث عن مرويات تختلف وتحليل مغاير لما اعتاد عليه. ولم يعد هذا المجتمع مجتمعاً قاصراً يحتاج الى الوصاية او التبعية ونظن انها مسألة وقت فقط وسيكون هذا المجتمع محصناً ضد حملات التضليل التي تعرض لها طيلة العقود الماضية وقد ساعده في ذلك ليس خطاب الثلاثي اللندني بل قدرته هو على تجاوز عملية الحجر على الفكر وتقييد الحريات وامتهان الكرامة ولو تمتع هذا المجتمع بحرية حقيقية في الداخل لخرجت علينا رؤية جديدة وتصور لمستقبل باهر يفوق ما تقدمه اصوات معارضة. وقد بدأت بالفعل علامات هذا تظهر ولو بحياء خوفاً من سوط الرقيب وسجان النظام. ولو قدر لهذا المجتمع ان ينظم نفسه في تيارات سياسية لوجدنا الكثير ينخرط في العمل السياسي الواضح والصريح ولو نزعت الوصاية عن هذا المجتمع لوجدناه يحلق في اطروحاته التي تجاهد السلطة في تغييبها والقضاء عليها قبل ان تتبلور وتتكامل حتى لا تصبح وثيقة مستقبلية تستشرف الحلول والمنافذ لأزمة الحكم المغلق والتفرد بالسلطة. ان اكثر ما يخافه النظام السعودي هو حرية الكلمة التي وحدها تستطيع ان تحدث هزة فكرية ولا يخيفه التفجير واعمال العنف حيث يفتخر ببرامج المناصحة وقدرتها على تغيير المعتقدات المرتبطة بالعنف بل تهزه مقالات وأصوات بعيدة استطاعت ان تخترق الداخل ولن تجدي معها عمليات غسل الفكر القائمة حالياً. وسيبقى الثلاثي اللندني مستعصياً طالما ظل النظام يحجر على الداخل ويحجبه عن تطورات العالم وطموحات المجتمعات الحية.
' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق