11 أكتوبر 2012

تراجع الطبقة الوسطى بالسعودية.. وخبراء يحذرون


تعرّف الطبقة الوسطى في أي مجتمع على أنها عامل استقرار وصمام أمان للبلد، وتراجع هذه الطبقة وانحساره مؤشر لا تحمد عقباه؟
هذه حقيقية علمية وديموجرافية، ففي السعودية مثلاً تواجه الطبقة الوسطى تهديدا حقيقيا لوجودها وذلك خلال الأعوام الأخيرة، هذه الطبقة التي تشكل صلة الوصل بين الأثرياء والفقراء تنحسر يوما بعد يوم بالتأكيد لجهة الفقر، والذي قدرته إحصائيات غير رسمية بـ50% ومع انضمام أعداد مهولة من أسر الطبقة المتوسطة إليه ترتفع نسبة الفقر الى 60% فيما تتركز الثروات بيد 10% من سكان المملكة هذه الفئة التي تزداد ثراءً على حساب تراجع القدرة الشرائية لمتوسط الدخل وانعدامها للفقراء.
على وقع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في السعودية وصوت أنين الناس من الاكتواء بلهيبها المتصاعد، تتعرض الطبقة الوسطى في المملكة لهزات متتالية تهدد وجودها، وهذا ما يرفض بعض الاقتصاديين الاعتراف بحصوله.
لا نقاش مجتمعي داخل السعودية اليوم يعلو على واقعة "الغلاء" التي ضربت لبّ استهلاكهم الغذائي، بل والمعيشي عمومًا.
السعوديون تجاوزوا تقارير وقياسات مستوى غلاء المعيشة الشهرية والسنوية، التي تثبت ارتفاع الأسعار في سلع عديدة، في مستويات زمنية متفاوتة، إلى حملات مقاطعة، كردود فعل على زلزال الأسعار المخيف والمقلق لسكينة ورخاء الطبقة الوسطى ذات الأكثرية المجتمعية.
وأشعلت الأسعار التي ضربت عشق السعوديين الغذائي؛ نيران اللحوم الحمراء وامتد الحال إلى بديله من لحوم الدجاج ومشتقاتها، وسط دعوات تجوب الفضاءات الإلكترونية بمقاطعة الدجاج واللحوم الحمراء التي أصبحت حلماً من الأحلام الغذائية.
وتعلق الحديث عن ارتفاع الأسعار للمواد الغذائية، مع توقعات اقتصادية صحافية مبنية على دراسات أكاديمية عن تآكل في الطبقة الوسطى السعودية، ساهمت فيه عدة عوامل، فهل يكون ارتفاع الأسعار جزءاً من المشكلة التي تقرب الطبقة الوسطى نحو الطبقة الفقيرة؟
تشير التقارير الصحافية التي تستند إلى آراء عدد من الاقتصاديين أن الطبقة الوسطى أصبحت في حدود الـ(30٪) ، وهو ما توصل له بعد قراءات عديدة في أرقام الادخار والودائع التي وصفها بـ"العالية".
الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالوهاب أبو داهش لا يستبعد تآكل هذه الطبقات خاصة وأن مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات، وكذلك الصندوق الخيري لمعالجة الفقر في السعودية لا يصرحان بتفاصيل الأرقام وأعداد الفقراء، بل حتى مفهوم الفقر وخطوطه حتى يتسنى لصانع القرار والعاملين اتخاذ السياسات المناسبة.
الفجوة التي تتسع بين الطبقات الثلاث (الغنية والوسطى والفقيرة) يساهم في اتساعها الغلاء، والتضخم بحسب ما ذكره أبو داهش، مشيراً إلى أن الفجوة تتزايد في ظل عدم وجود سياسات لمواجهة زيادة الأسعار، بل حتى الإعانات وفق الدكتور عبدالوهاب لا تخدم الطبقتين الوسطى والفقيرة، بل تخدم حصرًا الطبقة الغنية.
تآكل الطبقة الوسطى التي تكتوي بنيران الاسعار باتت من القضايا الملحة والساخنة في أحد أغنى بلدان العالم ويعلق الكاتب جميل الزيباني في مقاله:
الطبقة الوسطى تتآكل في السعودية!. ربما لو مر هذا العنوان في بلاد تعاني من أزمة مالية واقتصادية، أو ليست المصدر الأول للنفط في العالم، أو الدولة التي تنام على أكبر وسادة لاحتياطي النفط في العالم يكون مقبولاً.
لكن أن تظهر أعراض هذا المرض في دولة غنية، وعضو في مجموعة الـ20 الاقتصادية العالمية، التي تسعى إلى إيجاد حلول لمساعدة الدول على النهوض الاقتصادي والمالي، إضافة إلى أنها الدولة الأولى عالمياً في إرسال المساعدات الإنسانية والإغاثية، بشهادة الأمم المتحدة، كما أنها ترسل المساعدات والمعونات وتمنح الهبات لدول أخرى، بينما بين شعبها محتاج وبين شبابها بطالة، فهو أمر يثير التعجب والاسئلة!
يرى الكاتب، في حال استمرار التآكل واتساع الهوة والتباطؤ في إيجاد آلية لوقف ذلك، لن تتبقى سوى طبقتي الأغنياء والفقراء، وهذا ما لا يخدم المجتمع وكيانه وتنميته وأمنه واستقراره وقوته. وسيتحول المجتمع إلى سادة وخدم، وستتلاشى كل مكونات المجتمع تحت أقدام الأغنياء والانتهازيين.
يضيف الزيباني، خلال السنوات الأخيرة عانى المواطن السعودي من جشع التجار وبطء التدخل الحكومي، ما ذهب بمدخرات الناس و"تحويشة" عمرهم في مساهمات عقارية متعثرة، ومساهمات وهمية، إضافة إلى انهيار سوق الأسهم، وتزايد الديون البنكية، وارتفاع الأسعار، والبطالة، وعدم تكافؤ الفرص، وتزايد "المحسوبيات" والفساد المالي والإداري، وهو ما جعل المواطن يفقد توازنه وتتزلق قدمه إلى حفر عميقة من الديون.
في حال تحوّل الطبقة الوسطى إلى مكبلة اليدين تتزايد الهوة بين الطبقتين الغنية والفقيرة، ما قد يدفع بظهور الأمراض الطبقية والفئوية. والأكيد أن الجروح والكدمات يمكن علاجها، ولو عبر إخفائها بالمساحيق، لكن لا يمكن علاج الأمراض الطبقية إلا بجراحات وطنية صعبة!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق